لم يعد الأمر كما كان عليه قبل الآن! الآن! لا أقصد به اللحظة هذه ، بل آن كل لحظة بدوت فيها ساذجا! متقلب المشاعر ، مزاجيا! وسيء جدا! نحن لم نعد نحن! ما عدنا سابقينا ، نحن ما صنعته الحرب الآن . ما خلقته عبثية الفوضى، وتوق الحرية وحلم الخلاص. لا غرابة إن بدوتُ سيئاً فجأة ، ساءت الدنيا هنا ، وتسوء بين الفينة والأخرى ألف مرة . أعرف صديقا لي بالأمس مفعما بالحياة ، واليوم يخبرني أنه لا يدرك جيدا معنى وجوده، ولِمَ يعيش؟ وما الذي نقصده بالغاية؟ لقد فقد صلته بالحياة تماما ،وفقد رغبته بكل شيء، ما عاد يندهش لأي أمر، يعض أصابعه واحدة تلو الأخرى ،ليس ندما ،وليس لأي سبب آخر. وحتى سجائره الرديئة ما عادت تدفع عنه الضجر ،إذ أن دخانها يرافق ظله الوحيد في وجه الجدار . يا للغرابة ! اسائل نفسي : ماذا جرى بين الأمس واليوم؟ يجيبني صوت العدم : مضت أعوام وألف جثمان! أين البقية ؟ ماتوا قبل أن يحيوا ! إذن ، فهذا صديقي،وهذا ما تبقى منه :قلبه المكسور ،وهذا الفراغ بكله ملكه وحده . لا غرابة أيضا ،إن بدى سيئا جدا في أي أمر . تموت بداخله بلد ،وأنا مثله محاصر بهذا البلد ، بهذا الموت الذي أَلِفَ أرواح الجهلة حاملي البنادق. ولا غرابة أيضا إن بدوت سيئا جدا مهما كنت سَمحا ،ومهما كنت طيبا .
دعوكم من ضحكتي تلك التي فرشتها صباحا في طريقي إلى الجامعة ، عمر الضحكة قصير جدا ، ووهم كالخلود ، تبدل الأمر لحظتها، قتلت نفسها بعد حين. ما أشد كآبتي الآن، أجهل الطريقة التي أتعامل بها مع الجميع ! سأدرك صباحا أنني كنت في هذا الوقت سيئا جدا دون أن أدرك ، ولست مزاجيا كما أرغب ، لقد تذكرت فقط أنني سأعود بعد شهور قليلة إلى قريتي ، كان ذلك الأمر أسعد ما يمكن أن أفكر به وقد حاصرتني غربة المدينة ، أما الآن فبات هذا الأمر يضجرني كثيرا. تذكرت أنني سأعبر تلك التلال الشاهقة،والمنحدرات السحيقة، والوديان الممتدة بامتداد البصر، مشيا على الأقدام ، فالحرب واقفة هناك في منتصف الطريق وليس لأي وسيلة نقل أن تعبر منها سوى الريح تتخطى الرصاص الثاقبة ، لا بأس في ذلك ،فأنا ابن السهل والجبل وليس يضيرني تسلق هامات السماء ، إنما هناك في نهاية الطريق ،وعند البوابة ،غرباء لا أعرفهم ،يحملون البنادق،سيسألوني :من أنت ؟ أنا أبن هذه القرية،وحفيد أرضها! وهذه هويتي التي ما كان ينبغي عليكم رؤيتها ،فأنتم وحدكم الغرباء هنا. _قف جانبا ،لا يمكنك الدخول حتى يأتينا من يعرف بك . وكيف يعرفني العدم ؟! وحتى أعود مرة أخرى للمدينة سيتكرر الأمر ذاته مرتين، حتى لأشعر أني لا أنتمي لهذا الوطن إطلاقا. تذكرت ذلك وحسب فأصبحت بهذا الحال من الضجر والسوء بالمعاملة ، ولعل هذا سبب من بين أسباب كثيرة جعلتني بهذا المزاج السيء . مرة أخرى سآتيكم وأحدثكم عن حبيبتي! كيف أنها طوال هذا اليوم لم تبعث إليَّ أيما رسالة ، ومثله اليوم الذي قبله، وسأحدثكم أيضا عن الشاب الذي مات مقتولا في حينا برصاصة عابرة سبيل الموت ، وكيف اختلف الجمع حيالها ، من أي طرف جاءت ؟ إذ تقاتل طرفان متفقان في رواق الحي ،ومات ذلك الشاب العائد إلى منزله ،وهو يحمل كيسا من البصل والطماطم . سأحدثكم عن أمورٍ كثيرة . فلا غرابة إن بدوت سيئا! مهما كنت طيبا سَمِحا!