اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    بيان لوزارة الخارجية بشأن مقتل 4 عمال يمنيين في قصف حقل غاز في العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الرعب والجرأة بقلم:رائد الحواري
نشر في الجنوب ميديا يوم 21 - 02 - 2014


قصة الرعب والجرأة
الكسندر ربيك
نحن العرب عامه و الفلسطينيين خاصة ننظر إلى الجيوش بصوره سلبيه وذلك لما كان لها من دور في ضياع فلسطين وتشريد أهلها، كما إن هذه الجيوش لعبت دور بدل دوله إسرائيل في ضرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية خاصة، فبعد أن تم احتلال الضفة الغربية و من ضمنها القدس عام 67 من قبل الإسرائيليين، انعدمت الثقة بكل الجيوش العربية وبكل ما يصدر عنها من بلاغات، خاصة بعد أن تخلت عن القدس بعد ثلاثة ساعات فقط من المعارك وانسحابها من هضبة الجولان خلال اقل من خمس ساعات، واحتلال كامل سيناء وقطاع غزة بعد أن تم توجيه ضربة خاطفة للقوات المصرية فيها، كل ذلك جعلنا نحن العرب والفلسطينيين خاصة نفقد الثقة بكل الجيوش العربية التي انهزمت في حرب 67 تحديدا، وبعد أن استطاعت المقاومة الفلسطينية في 21/3/1968ن تحقيق الانتصار الأول على الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة، وأخذ ينظر إليها كقوة قادرة على تحرير الوطن المحتل، وأنها استطاعت أن ترجع شيء من كرامة العربي التي فقدت في حرب 48 و67، قام الجيش العربي الأردني بتصفيتها في أيلول عام 1970 أي بعد سنتين ونصف تحديدا، ثم قام بالقضاء عليها و إخراجها من نهائيا من الأراضي الأردنية في عام1971، إذ أبدى بسالة وقدرات ومهارات حربية عالية، فكان ينطبق عليها المثل "الناس بتقتلني و أنا بقتل مرتي وأنا بعون عليها قادر" فالجيش الذي لم يصمد في القدس لثلاثة ساعات ها هو يقوم بتطهير المدن والمخيمات شارعا شارع وبيتا بيتا، ومن ثم قام بوظيفة حماية حدود دوله إسرائيل، بحيث منع بشكل ناجح جدا أي عمل فدائي فلسطيني.
أما الجيش السوري الذي انسحب من هضبة الجولان، علما بأنها منطقة محصنة عسكريا وذلك لارتفاعها عن بقية الأرض المحيطة بها، نجده يستأ سد في لبنان وخاصة في حصار مخيم تل الزعتر والذي عمل فيه أبشع أشكال الجرائم وبحق مواطنين عزل، وتكرر ذلك خلال فترة تواجده الطويلة في لبنان، أما مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فليس له حساسية اتجاهها، وحتى أن القوات السورية وقفت حياديا أثناء اجتياح لبنان من قبل شارون عام 1982، ورغم فترة الحصار الطويلة لبيروت الغربية إلا انه وقف يتفرج على كافة أنواع القصف الإسرائيلي دون أن يبدي أي حراك اتجاهها، وكان قبلها قد مسح مدينة حماه عن الأرض واستباح كل ما فيها ومن عليها،
أما الجيش المصري فبعد رحيل عبد الناصر، أصبح دمه بيد انور السادات ثم بيد حسني مبارك الذي أرسله لتحرير الكويت، علما بان حدود مصر مع فلسطين، و إذا استثنينا الجيش العراقي الذي خاض عدة حروب مشرفة مدافعا فيها عن العرب، نجد بقية الجيوش العربية ما هي إلا إحدى أجهزة النظام التي يدفع بها لقمع الشعب وحماية الحاكم فقط، أما في حالة العدوان الخارجي فهو بمثابة شرطة ليس أكثر، فلا ينطلق عليه قول ميكيافلي لا على النمط التركي ولا النمط الفرنسي "من السهل احتلال فرنسا لأن جيشها ضعيف، لكن من الصعب البقاء فيها لان شعبها حر، ومن الصعب احتلال تركيا لان جيشها قوى، لكن من السهل البقاء فيها لأن شعبها خانع"
هذه المقدمة كان لابد منها ، لتوضيح النظرة السلبية التي تشكلت لدينا، وما هي الدوافع و العوامل التي جعلتنا نبتعد و نتجنب التطرق لأي موضوع عسكري.
قصة الرعب والجرأة تمثل ردا على موقفنا السلبي إتجاه الجيش، وذلك لأنها أعطتنا صوره مشرقه للجيش النظامي، كما أنها تمثل عرض جيد لفنون القتال والحرب والجيش والجنود والقادة، فهي تطرح مجموعة من المعلومات المهمة والمفيدة لكل من لا يملك هذه المعرفة، كما أنها تعرض هذه المعرفة بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال السرد الروائي، وهي بهذا تكون قد أعطتنا معرفة عسكرية عن طريق الأدب، كما أن أسلوب ألكسندر ربيك في الرواية وترجمه سمير ادهم لها جعل من الرواية – الصعبة بموضوعها – تلاقي القبول والاسحتحسان عند القارئ العربي، ورغم لغة السرد التي هيمن عليها آمر الكتيبة – باورهان ماميش اوغلى – الذي يروي تفاصيل الرواية بشكل شبه كامل، فنكاد لا نسمع إلا صوته فقط أو لغته، حتى أن الأصوات الأخرى هو الذي يتكلم نيابة عنها، فهو مهيمن تماما على الرواية وعلى شخوصها، كل ذلك جعل من الرواية تميل نحو أعمال البطولة والإقدام، ورغم وجود حالات التراجع والهرب من بعض الشخوص إلا أن الراوي "باورجان" جعل هذه الشخصيات تقف مواقف الشجاع الذي لا يهاب الموت، وحتى في حالة الإعدام أو بعد الاعتراف بجرم الهرب من المعركة، وجدناها بشكل شبه كامل شخصيات تلعب دور البطل المقدام، فكانت الغلبة لصوت القائد آمر الكتيبة تطغى على الروية ولكن ذلك لم يعيبها أبدا، وهذا الأمر يحسب للروائي الكسندر ربيك والمترجم سمير ادهم الذان استطاعا أن يقدما لنا هذه الروية بلغه وأسلوب رائع، فهي تمثل عمل أدبي روائي يحمل بين طياته الكثير عن المعرفة العسكرية والحربية، الرواية كما قلنا تقدم لنا معرفة حربية عسكرية، وتضع أمامنا تجربة حقيقية لأشخاص عايشوا الحرب وخاضوا المعارك، فهي تمثل سرد تاريخي لما جرى لأحد الكتائب السوفيتية المقاتلة في الحرب العالمية الثانية، من هنا نبدأ بطح المعرفة التي قدمتها لنا قصة الرعب والجرأة
الحرب
في الحرب تتغير الحياة ويخضع الأفراد للنظام حياة جديد، يختف تماما عما ألفوه في السابق، فالقوانين المدنية تستبدل بقوانين الحرب، وعمل الأفراد والجماعات من الحفاظ على حياة الناس وبناء المساكن واختراع الأدوات المساعدة لهم، يستبدل بعمل آخر، الهدم والدمار والقتل، وفي هذه الظروف الجديدة للحياة لا بد من توضيح الدوافع التي تدفع الأفراد والجماعات لمثل هذا لسلوك، الذي يتناقض مع عملية البناء وتسهيل الحياة، فيقول عنها الكسندر ربيك " لقد كنت اعرف الحرب من المطبوعات والكتب المدرسية وكتب التدريب، ومن أحاديثي مع الناس الذين حضروا المعارك، واشتركت في التدريب وعملت الجنود وانطلقت معهم إلى الجبهة، ولكن الحرب مع ذلك ظلت سرا كما كانت سرا على كل من لم يعانها" ص 177- فهنا نجد الكلام والحديث عن الحرب غير ممارستها كجندي في المعركة، فهي واقع اشد بأسا و وأكثر دموية مما توصف، فهي عالم آخر لا يمكن أن يتم تحديده بكلمات، إذ أنها في الواقع غيرها في النظريات والكتب، حتى إن عملية تدريب وتأهيل الجنود لها تبقى تختلف عن الممارسة الفعلية في الحرب، وهذا يستدل منه على هول وشدة الأمر على الجنود الذين يقومون بها، ورغم أهمية وجود المعرفة العسكرية لكل من يخوض الحروب والمعارك، أهمية التدريب الجسدي والحربي للجنود، لا إن الجنود يجدون الصعوبة الشديدة في المعارك، فالذي يخوضها إنسان بشري، يمكن أن يغير العمل حسب الظروف، وعلى الطرف الآخر التعامل حسب الوضع الجديد، من هنا لا يمكن إلزام الجندي بما وضع على الورق والخرائط ، لان السلوك العملي للمعارك قد يختلف مع ما وضع عن الورق والخرائط " طبيعي ا أيها الرفيق ماميش اوغلى إن كل شيء قد يجري في القتال بغير المجرى الذي أجرينا فيه الآن أنا وأنت فالذي يحارب ليس القلم ولا الخارطة المرسومة بالقلم بل الإنسان " ص 195 وهنا نجد مره أخرى أننا أمام كائن شرس ليس من السهل التحكم به كيفما نريد، بل هو الذي يتحكم بسلوكنا وعلينا أن نكون سريعي البديهة و ذو مقدرة هائلة على الابتكار واتخاذ الموقف المناسب للحالة الجديدة، كما إن مشاعر الأفراد في الحرب تأخذ منحنى جديد، بحيث يختفي الموقف الوسطي عنده، ويتجه نحو طرفي متناقضين إما مع وبشدة وإما ضد وبقوة، وفي الحرب، في القتال ينشا أقوى الحب " ففي الحرب في القتال ينشأ أقوى الحب وأقوى الحقد" ص 25 وهذه المشاعر التي تتولد عند الجنود لم تأتي من فراغ أو هكذا جزافا، بل نتيجة الظروف الجديدة التي يمر بها المقاتلون، وهنا يوضح لنا الكسندر ربيك من أين جاء هذا التطرف عن الجنود " المحارب يهاجم مع سريته والرصاص الرشاشات مصوب إليه، والى جانبه يتساقط رفاقه، وهو يزحف ويزحف وتمر ساعة ستون دقيقة وفي الدقيقة ستون ثانية وفي كل ثانية يحتمل ألف مئة مرة أن يصاب في مقتل" ص 26 مثل هذا الوصف لا بد أن يتشكل عند الجندي الحقد على طول الوقت وعن مسبب الحرب وعلى العدو الذي وضعه في هذه الحالة البائسة، ولكن إذا استطاع الجندي تجاوز هذه الحالة فسوف ينتقل بشكل طبيعي إلى موقف متطرف آخر مناقض للأول "صحيح انك تعرف فرح الحب ، وربما فرح الإبداع، وقد تكون زوجتك قد شاطرتك فرحة الأمومة، ولكن من لم يعرف فرحة النصر على العدو، فرحة البطولة في الحرب، لا يعرف ما هي الفرحة الكبرى " ص 26، الحالة الأولى كانت تمهد للجندي لكي ينتقل إلى الحالة الثانية إذا انجح في الخلاص من ألاولى، و كأن هناك طريق للجحيم من يستطيع تجاوزه سيصل إلى النعيم بالتأكيد، وهنا ينشأ الفرح العظيم عند من إستطاع تجاوز تلك الصعاب و الأهوال، إذن فليس هذا التطرف ناتج من فراغ وإنما هناك دوافع و مسببات لا بد أن يستجيب لها االانسان مهما كان ميثايا.
ظروف الحرب
كما قلنا سابقا هناك مستجدات في كل لحظة في المعركة توجب عن الجنود أن يتعاملوا معها حسب حالتها، وهنا ثلاثة مواقف مختلفة يظهرها لنا الكسندر ربيك تجعل من الظرف سد الموقف وليس القوانين والتعليمات الصارمة رغم أهميتها في الحرب والمعركة،
" لين العريكة ...أعرف أيها الرفيق ماميش أوغلي أن القيادة لا تكون بالصراخ ...آنت بحاجة إلى دراسة في الأكاديمية... ولكن لا بأس
وهكذا حدث أني أنا المدفعي، أصبحت آمر الكتيبة" – ص 107+108،
هنا انتقال مدفعي إلى آمر كتيبة دون أن يحصل على الدراسة الحربية المطلوبة، ويمكن أن يكون ذلك جرما بحق الجنود الذين سيقودهم آمر غير مؤهل، لكن ظرف المعركة اوجب على القيادة أن تتجاوز التعليمات والقوانين العسكرية، وان توكل هذا الآمر لأحد رجال المدفعية الذين مارسوا المعارك فعليا، وكان هذا الأمر شائعا عند السوفيت تحديدا، وقد نجح هؤلاء عمليا في المعارك و استطاعوا أن يحققوا المهام المطلوبة منهم بنجاح .نجد الآمر الجديد يتعامل مع جنود بكل براعة ومعرفة لشؤون الحرب، فها هو يحسن التصرف مع احد الجنود الذين تخلفوا عن اللحاق بالكتيبة
"أن الحمل ثقيل جدا على الناس أيها الرفيق آمر الكتيبة، ألا يمكن تحويل قسم منه إلى العربات؟"ص130
"إذا أشفق على الناس و أشفقت أنا عليه ما يكون فماذا يكون ... ماذا يحدث لنا بعد ذلك في المعارك؟"،ص 131، تعلم الآمر كيف يبني الجنود القادرين على خوض الحرب، فنجده صارما شديدا في تدريب الجند، ولا يأخذ بمقترحاتهم، فحالة الحرب توجب على الجندي تحمل أعباء جسدية ونفسية كبيرة جدا، وعلية تحملها وتجاوزها بنجاح.
الحالة الثانية التي يحدثنا عنها ماميش اوغلي كيفية التعامل مع الجنود ، وهذا يوضح لنا أن الإنسان يمكننا أن نخرج منه طاقات كبيرة لم نكن لتظهر لنا أبدا إذا أحسنا التعامل معه وهذا الأمر يشكل احد أهم ركائز القيادة ، فالقيادة الجيدة هي التي تجعل الفرد يعطي أضاف مضاعفة عما يظهر من مقدرته ، حتى أن هذا الأمر بات احد أهم عناصر المدربين في كرة القدم خاصة والرياضة عموما، فنجد لاعب يكون متواضع عند هذا المدرب، ولكنه يكون ذو قدرات خارقة عند المدرب الآخر، إذن من أهم شروط القيادة الاستفادة من كامل القدرات عند الأفراد .
و الموقف الثالث الذي تظهره الرواية عدم الالتزام بالتعليمات العسكرية وتجاوزها ورغم خطورة هذا الأمر في المعركة، إلا انه – أحيانا – يكون مطلوبا ويجب تجاوز التعليمات والأوامر الصادرة من القيادة، إذا كانت هناك مستجدات توجب ذلك
" اسمح لي بتقديم التقرير أيها الرفيق آمر الكتيبة، أن أمرك لم تنفذ
– وكيف ذلك؟
– لقد أمرت بعدم إطلاق النار، ولكن يدي لم تطعني فأطلقت النار مرتين... وكذلك المحارب غاركوشا
– وماذا
– أسقت إثنين أيها الرفيق آمر الكتيبة، لقد أمسكناهما بالجرم المشهود وهما ينزعان خنزيرا من إحدى النساء... وكان يضربها على وحهها بحذائه، فلم يقوى قلبي على ذلك، فصوبت و.. بم بم،وكذلك المحارب غاركوشا، هكذا سقطا" ص 155و156 ، هذا الحادث يحمل جوانب من العاطفة الإنسانية إتجاه المرأة التي إعتدى عليها احد الجنود الألمان، وهذا الموقف أثار الانفعال عند الجندي فأطلق النار على المعتدي، رغم أن مهمته كانت استطلاعية فقط ولم تكن توجب الاشتباك أبدا، ولكن القيادة تفهمت الأمر، ولم تؤنب أو توبخ الجندي الذي خالف وتجاوز تعليمات، حيث تمثل هذه الحادثة مقدرة وجرئة الجنودعلى قتل الأعداء، وأيضا هذا الأمر يشير إلى أن الجندي عليه أن يتعامل حسب الحالة التي يقتضيها الأمر ولا يجب عليه أن يكون مجرد آلة صماء لا تعمل إلا حسب الأوامر الموجه إليه، ونعتقد بان هذه الحالة – التحرير من التعليمات – إذا كانت تتعارض مع الموقف والظروف يجب الخلاص من كافه الأوامر والتعليمات والاقدام على فعل جديد يخدم الجنود والمعركة معا .
الوقت والحرب
الوقت احد أركان الحرب المهمة، و هو العنصر الأهم في تحقيق النصر، إذا أحسن استخدامه، فيمكن أن ينتصر جيش إذا نجح في التعامل مع الوقت ويمكن أن يهزم إذا اخفق في التعامل مع الوقت، وهو من اشد أعداء الجنود في الحرب لأنه طويل وطويل جدا بالنسبة لهم فيصفه الكسندر ربيك " المحارب يهاجم مع سريته، والرصاص الرشاشات مصوب إليه، والى جانبه يتساقط رفاقه، وهو يزحف ويزحف، وتمر ساعة، ستون دقيقة، وفي الدقيقة ستون ثانية، وفي كل ثانية يحتمل مئة مرة أن يصاب في مقتل ولكنه يزحف " ص 26 ضمن هذا الوضع لا بد من إحتساب كل ثانية عند الجنود في ميدان المعركة، فالإنسان في الحرب يخضع لأشد الإحساس بالزمن حتى انه يبدأ باحتساب الثانية وذلك لأهميتها له أولا و لرفاقه ثانيا، ولا يمكن أن يكون الوقت في حاله المعركة إلا ضمن حقلة الاهتمام عند القادة والجنود معا، و ها هو قائد الفرقة الجنرال بانفيلوف يقول عن الوقت حكمه رائعة يجب الأخذ بها
" اقترب من معطفه وسال و هو يلبسه:
هل تعرف هذا الغز أي شيء أطول في العالم واقصره وأسرعه وأبطأه ، أكثر ما يزدريه الناس وأكثر ما يؤسفون عليه؟
لم أحزر على الفور فسر بانفيلوف لعجزي واخرج و هو يبتسم ساعته و أراها لي: هذا هو الوقت و مهمتنا الآن أيها الرفيق ماميش اوغلي ، أن نحارب في سبيل الوقت، أن نكسب الوقت من العدو "ص 197 و 198 الفقرة السابقة تبين لنا أهميه التعاطي مع الوقت فهو بذاته مهم في كسب أو خسارة المعركة، فالسرعة في الوصول إلى منطقة معينة يمنحنا الفرصة على ضرب العدو وإلحاق اشد الخسائر به و العكس صحيح ، فإذا استطاع الجنود اغتنام الوقت فهم أسياد الموقف وإلا سيكونوا الضحية التي وقعت في شباك قاتلها
" ... إننا لن نستطيع وقف العدو بخيطنا
... كونوا مستعدين للانضمام بسرعة و التحرك بسرعة اعمل بحيث يجد قواتنا أمامه على الطرقات في كل مكان وحيثما ذهب " ص337، نجد سرعة الحركة تمنح الجنود ألفرصه لنجاح مهمتهم، تعطيل وتأخير تقدم العدو قدر المستطاع، فرغم قله وضعف المعدات القتالية إلا أن سرعة الحركة تعوض عن ذلك وتجعل من هولا القلة عددا وعدة قادرين على وقف تقدم العدو، وهم بسرعة حركتهم عوضوا عن ضعفهم وحصلوا على ميزة جعلتهم ينجحوا في مهمتهم .
ويعود آمر الفرقة بانفيلوف ليؤكد أهميه الوقت فيقول " نعم كان يمكن في هذا القطاع، وأشار إلى القطاع الذي تركناه أمام فلوكولامسك، كان يمكن تأخير الألمان شهر كامل ولكن بعضنا انخدع بألاعيبه وتمكن في بعض الأماكن من أن ينالنا على حين غرة، ومع ذلك فها قد مضى أسبوعان تقريبا، إذا حسبنا من الخامس عشر ونوقفه هنا وهكذا ينتج أيها الرفيق ماميش اوغلي أن المرء يستطيع أن يكون مغلوب رغم انه غالب " ص 453 "كسبنا الوقت وسنكسبه " ص 454 معلومة جديدة تعطينا إياها الروية عن الوقت وأهميه والسرعة التي يمكننا من خلالها اخذ الموضع المناسب ليحتمي به ويكون الجنود أكثر أمنا من نيران العدو، بحيث تجعله تحت نيراننا وليس نحن .
الإعداد قبل المعركة
تخبرنا الرواية أن الاستعداد قبل الحرب وتهيئة الجنود لذلك تعد من أهم الأمور لتحقيق النصر، وبدون ذلك التدريب الذي يكتسبه الجنود للمعارك لن يحققوا الهدف المنشود أبدا، وقد تعرض ماميش اوغلي إلى بعض مشاهد التدريب للجنود وكيف استطاع أن يحقق الهدف الذي تم تحديده من قبل قياده الفرقة " أولا إنكم أيها الرفاق غير راضين بان أسير بهذا الطول وبهذه الصعوبة، إن هذا مقصود، إن أمامنا حربا وقد نضطر إلى السير مئات الكيلو مترات، لا خمسين ولا مئة، ولكي نخدع العدو ونكيل له ضربه غير منتظرة يترتب علينا في الحرب أن نقوم بمسيرة أطول وأصعب من هذه، فلست هذه إلى الزهور، أما الثمار فما تزال أمامنا....... ما هو صعب في التدريب سهل في القتال " ص 133 إننا أمام وصيه عسكرية مهمة لكل جندي يعد للمعركة، فكل الصعاب التي يخوضها الجنود أثناء التدريب سيجدون مثلها و اشد منها في المعركة، من هنا تأتي أهميه وضرورة التدريب للجنود، والحكمة التي قيلت في آخر الفقرة" ما هو صعب في التدريب سهل في القتال " – تمثل معلومة عسكريه مهمة لكل الجنود، فبدون الأخذ بها سيتعرض معظمهم للقتل أو الأسر، والتدريب لن يكون بالمسائل العضلية فقط بل تعداها إلى مسالة الصبر على الجوع و عددا الطعام وقله النوم " ثانيا إنكم غير راضين لأنه وزع عليكم الحم النيئ رغم وجود المطابخ و اجبر المتعبون منكم على صنع حسائهم في القدور، وهذا أيضا مقصود، وهل تضنون أن المطبخ سيكون دائما إلى جانبكم في القتال؟ تخطئون في ذلك ! إن المطابخ ستتأخر عنكم في القتال وستنفصل عنكم، وستأتي أيام تجوعون فيها، هل تسمعون جميعا؟ ستجوعون وستبقون بلا سجائر أعدكم بذلك تلك هي الحرب تلك هي حياة الجندي مره شبعنا حتى التخمة ومره أخرى خالي المعدة، اصبر ولكن لا تفقد شرف العسكري، احمل رأسك هكذا كل واحد منكم يجب أن يحسن الطهي، فأي جندي أنت وأي محارب إذا كنت لا تحسن طهي طعامك؟ "ص 133و 134 فهنا لم يقصد إعداد الجندي جسديا وحسب، وإنما هناك مهارات أخرى يجب تعلمها، فإعداد الطعام مسالة مهمة في المعركة، وان لم يوجد طعام عليه الصبر على الجوع، والقيام بكافه المهام الحربية الموجه له بنجاح ، وهنا يظهر لنا ماميش اوغلى، تدريب إضافي يمكن أن لا يخطر عند احد، لكنه مهم جدا لأي جندي يريد أن يذهب للمعركة وأفضل ما قيل عن التدريب للجنود و اثر ذلك في تحقيق النصر جاء على لسان قائد الفرقة بانفيلوف "إن النصر يعد قبل القتال " فلا بد من الاستعداد و اخذ كافه المسائل المتعلقة بالمعركة، وكذالك وضعية الجنود بعين الاعتبار ليتم انجاز وتحقيق الهدف والغاية من خوض المعركة.
الحالة النفسية
الرواية لا تبحث بشكل تفصيلي في مسألة الحرب النفسية لكنها تتطرق إلى حادثة مع الملازم برودني الذي فر من الخطوط الأمامية للجبهة، والكيفية التي تعامل معها ماميش اوغلى مع هذه الحادثة، يحث يقوم بتوبيخ الملازم الهارب واصفا إيه بالجبان، وهنا يجد الملازم شحنة كبيرة من الاندفاع لتصحيح صورته أمام الجنود و قائد الكتيبة، فيقرر الذهاب منفردا إلى مواقع العدو، ويعود مع بندقية ووثائق شخصيا ونقود ألمانية دليلا عن بطولته وعدم خوفه من مواجهة الأعداء، هنا يكتشف ماميش اوغلي أهمية تأثير الحالة النفسية على الجنود الذين يقودهم، ومن ثم أثرها في العمليات العسكرية، وأثرها على الطرف الآخر المعادي، فيقول ماميش اوغلي
"وفجأة انبثق أمامي الكلمات التي فتش عنها ذهني طويلا، الضرب على الحالة النفسية، وهكذا أسميت لنفسي أخيرا سر القتال، سر النصر في القتال، باسمه. الضرب على الحالة النفسية، على الدماغ، على الروح" ص 255 و 256 ، ومن هنا يعلمنا الكسندر ربيك بأنه يمكن للقائد النجيب أن يستفيد من المعارك العملية بالإضافة إلى ما تعلمه من الكتب والمعاهد العسكرية، أمور تخدم الجنود وتساعدهم في انجاز المهمات القتالية، ويعيد قائد الفرقة بانفيلوف أهمية الحالة النفسية للجنود في المعركة مؤكدا ضرورة التعاطي مع ما اكتشفه ماميش اوغلي
" لقد أدركت أن الحرب الحديثة هي حرب نفسية.
– نعم، أيها الرفيق الجنرال، فكما يكون الهجوم نفسيا، كذلك الحرب تكون كلها نفسيه" ص 477 ، وهذا درس جديد تعلمنا إياه الرواية، أهمية العمل على رفع معنويات الجنود، وإعطائهم الدوافع وشحنهم بكافه الوسائل والطرق لدفعهم لإخراج الطاقة القوه الكامنة فيهم والتي من خلالها يمكن تحقيق النصر .
الضحك
من المستبعد أن يأتي الحديث عن فعل أنساني الضحك في ظروف الحرب وما تحمل من أهوال و دمار و قتل، لكن هذا الآمر مهم جدا للجنود، حتى مع وجودهم في الخطوط الأمامية للجبهة، تتعرض الرواية لحادثة اسر احد الجنود الألمان، ولعدم فهم اللغة الروسية عند الأسير وعدم تفهم اللغة الألمانية عند الجند الروس، يبدو المشهد مضحكا، فيأخذ الجنود الروس بالضحك لهذا الموقف
" الضحك هو أكثر الأمور جدية في الجبهة... وفي تلك اللحظات من الضحك الذي لا يرد، شعرت كيف أن نفوس المحاربين تحررت من الخوف ... هكذا كسبنا المعركة الأولى، وهكذا انهزم عند خطنا، جنرال الخوف" ص 165 إننا أمام مقولة الماركسية صراع ووحدة الاضاد، فعندما يضحك الجنود يبكي العدو، وعندما يبكي الجند يضحك العدو، وقد أوضح لنا الكسندر ربيك أهمية حدوث فعل الضحك، لتحقيق التوازن النفسي عند الجنود، وهو الفعل الذي به ومن خلاله يمكن للجنود أن يريحوا أعصابهم، كما انه مؤشر على النجاح وتحقيق الأهداف عند الأفراد والقيادة معا
" كنت أسير مع رحيموف وبوزجانوف على الخط، وكان المحاربون الذين اشتركوا في الغارة، وقد تفرقوا في حظائرهم وفصائلهم، وكانت الأعمال والأشغال قدت وقفت ساعتين بناء على أوامري، وكنت ترى في كل مكان جماعات متحلقة حول الأبطال الذين ضربوا الألمان.
وكان الضحك يسمع هنا وهناك، لقد كان ذلك اليوم، يوم السادس عشر من شهر تشرين الأول سنة ألف وتسعمائة وإحدى وأربعين، يوم الضحك في كتيبتنا، وكثيرا ما تذكرت فيما بعد كلمات بوزجانوف " الضحك هو أكثر الأمور جدية في الجبهة" وعندما يأتي الضحك إلى ميدان القتال، إلى الطرف الأمامي، يرفع الخوف أذياله ويهرب" ص167و167 إذن من حق هولا الجنود الذي نجحوا في مهامهم إن يحصلوا على مكافأة تتمثل باستراحة مقاتل، وحقهم التمتع بما حققوه من انجازات تظهر على وجوهم من خلال ضحكاتهم وابتساماتهم .
الهجوم
الهجوم يشكل احد أهم الأعمال الحربية، فبدونه لا يمكن تحقيق النصر، كما انه الفعل الذي يبدأ به الجيش بإزالة الشوائب والغباش عن فكرة الحرب، ومن خلاله يحصل الجنود على الاحتراف، فبدون المشاركة في الهجوم تبقى الجيوش بدون خبرة عمليه، وغير واثقة من نفسها، حتى تمارس فعل الهجوم، وقد تطرق الكاتب إلى أكثر من مره فيه روايته عن عملية الهجوم لكتيبة ماميش اوغلى، وكيف أن المشاركة الأولى للجنود تفتح لهم أبواب جديدة وتعطيهم دفعة وحماس للمشاركة في عمليات هجومية جديدة " إن كلمة "الهجوم" التي اعطانيها بانفيلوف كانت بمثابة السحر، فقد جعلت المهمة واضحة على الفور، ووصلت إلى أعماق النفس، وجعلت غير الناس، وأشاعت الجرأة والبسالة، وفكرت بان هذا ليس خطة وحسب، بل شيء أعمق من الخطة" ص212 إننا أمام الحقنة والترياق الشافي للجنود، حيث أنهم من خلال الهجوم اخذوا يظهرون القوة الكامنة فيهم، وبدوا أكثر حيوية ونشاط ، كما أن ثقتهم بأنفسهم أرتفعت أكثر، فأمر الهجوم يعني بأنهم قادرون على إلحاق الخسائر بالعدو، ها هو بانفيلوف قائد الفرقة يوضح أهمية الهجوم لماميش اوغلي
" فقد ضربتم الألمان أليس كذلك؟
...لا يجوز له أن يجلس وينتظر الموت، بل يجب جلبه للعدو، ويجب الهجوم، ذلك انه إذا لم تلعب أنت به لعب بك" ص 191و 192 يوضح لنا بانفيلوف أن الهجوم يعني نقل وتحويل عمليه القتل في جيشنا إلى جيش الأعداء، وكأنه يقول بان الهجوم عملية عكسية تحولنا من خاسرين إلى رابحين، ومن طريدة أو فريسة إلى صيادين، فبدل أن نكون تحت رحمة العدو، يكون تحت رحمة سلاحنا، وبدل أن نقتل نحن و نخسر الجنود، العدو يقتل ويخسر جنوده ، فالهجوم يقلب المعادلة من السالب إلى الموجب، وبه ومن خلاله يتم قلب الموازين في الميدان، وقد وصف لنا ماميش اوغلي نفسية الجنود قبل الهجوم فقال
" أما في سلسلتنا فقد هدأ الطلق، وكان المحاربون مستلقين، ممسكين ببنادقهم، منتظرين اللحظة التي فكر فيها كل شخص منذ أن دعى للخدمة في الجيش والتي تبدو لكل شخص أرهب لحظة في الحرب، منتظرين الأمر بالهجوم" ص 312- فهذه الحالة شبه البائسة للجنود لا بد من القضاء عليها والتخلص منها وبأسرع وقت ممكن، الوصف جاء دقيقا وواضحا وغير مبالغ فيه، الجنود قبيل الاشتراك الفعلي في المعركة، يتعرضون لحالة من الاضطراب وعدم التكهن بما سيكون عليه الحال، من هنا جاء هذا الوصف ليجعلنا نحن القراء نفكر في حالة هؤلاء الجنود، فكان لا بد من إيجاد طريقة ما تخرجهم من الوضعية البائسة تلك.
المفاجأة في الهجوم
إن شروط الهجوم الناجح ضرب العدو في وقت ومكان لا يتوقع بها الضرب، كما إن قوة وشدة النيران لها نتيجة ايجابية، فكلما كانت النيران قوية ارتبك العدو واخذ يتخبط ويعمل بشكل سيء، مما يسهل عمليه القضاء عليه
"ولقد عملتنا تجربة الحرب نحن الآمرين إن الوسيلة الحاسمة للتأثير في العدو وفي نفسية العدو هي في القتال العصري إن هجوما أو دفاعا النار المذهلة التي تشل المراكز الدماغية العليا في لحظة" ص434 فإذا نجح الجيش في اختيار الزمن والمكان المناسبين لضرب العدو، استطاع أن ينجح في مهمته، وان يلحق اشد الأضرار والخسائر به .
إختراق جبهة العدو
عندما يكون العدو قد تمكن من التوغل في ارض الوطن، وبدأ يتقدم إلى العمق، لا بد من إيقافه أو تعطيل تقدمه قدر المستطاع، فقد استطاع الألمان اختراق الجبهة الروسية والتوغل في الأراضي الروسية حتى أنها وصلت إلى مشارف موسكو، فاخذ الروس يشكلون مجموعات لضرب القوات الألمانية، لإجبارها على التوقف عند كل عملية هجوم، وقد نجح الروس في أرباك القوات الألمانية وإيقاع الخسائر الفادحة بها، وبذلك عرفوا كيف يشلون حركتها، فطول خطوط إمدادات القوات الألمانية جعلها مهمة ليست بالمستحيلة بالنسبة الروس، وسهل عليها عملية الضرب، وها هو ماميش اوغلي يتطرق إلى إحدى هذه العمليات فيقول
" كان أحد المبادئ التكتيكية للحرب "الصاعقة"، التي استعملها الألمان كما هو معروف في بولونيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا، وهو التالي: اختراق خط الجبهة في نقاط مختلفة ثم الاندفاع إلى أمام، إلى أماكن تاركين ورائهم وحدات عدوهم مشتتة ومنقسمة محطمة المعنويات، ولكن الهتلريين لم يستطيعوا تطبيق هذا المبدأ عند موسكو. عندما وجدنا أنفسنا منقطعي الصلة خلال المسير، عندما توقفنا وأعيد هنا بين قوسين: بذنبي أنا، في الطريق، الطريق المزفت الوحيد في تلك المنطقة، الذي استطاع الألمان أن يتقدموا بسرعة، قمنا نحن بدورنا وقطعنا عليهم الطريق بنارنا، وهذا ما يسمى باللغة العسكرية مراقبة الطريق بالنار، وبهذه الوسيلة أجبرنا الألمان على الاهتمام بتصفية نقطة المقاومة بدلا من أن يسيروا"إلى أمام، إلى أمام" لقد أجبرناهم على ذلك، وهذا ما يسمى باللغة العسكرية فرض الإرادة على العدو"418و419، قد يبدو تقدم القوات الغازية بأنه انتصار، وبأنها مستمرة باجتياح المنطقة، وما تقدمها إلى العمق إلا دليلا على نجاحها، ولكن هذا الأمر ليس حقيقة على ارض الواقع، فيمكن أن تضرب هذه القوات وبشدة، وكلما تقدمت أكثر كان الأمر أسهل على المدافعين، وهذا ما فعله الروس تحديدا مع القوات الألمانية، فرغم وصولهم إلى مشارف العاصمة موسكو، إلا أنهم تكبدوا خسائر فادحة بالأفراد والعتاد، ومن ثم اجبروا على التقهقر والتراجع.
وتأتي أهمية هذه المعلومة لنا نحن العرب، لأننا لم نستخدم هذه المسألة" فرض الإرادة على العدو" في حروبنا مع الاحتلالين فلسطين والعراق وقمنا بسحب الجنود من الأرض وتركناها مستباحة للمحتلين، مما جعله احتلالا رخيصا في العراق ومستديما في فلسطين
الصمود
الصمود يشكل احد أهم الأعمال الحربية، وهو يشكل حالة من الاستبسال تربك القوات الغازية وتوقف تقدمها إلى حين، ويمكن أن يشكل الصمود بداية الاندحار للغزاة، إذا وجد دعم من الخطوط الخلفية، وما حدث في ستالينجراد أهم مثل على ذلك، وفي حالة الصمود يجب على الجنود التحلي بروح الصبر والجلد، ويجب المحافظة على رباطة الجأش عند الجنود والقادة معا، وكذلك الحفاظ على الذخيرة والأسلحة وعدم هدرهما بغير دواعي ضرورية، كما أن الطعام والشراب والأدوية والمحروقات من المواد الضرورية ولهذا يجب تقنين استعمالها، كما يجب إعادة تحصين المواقع التي يمكن أن يدخل منها العدو، وإعادة تحصينها في حالة ضربها، والرواية أعطتنا صورة لحالة الحصار الذي وقع فيه الجنود الروس
" أيها الرفيق آمر الكتيبة، أنهم يطلقون النار من ثلاثة جهات، إنهم يصرخون " أيها الروس استسلموا"
وأنت؟
نحن نطلق النار أيضا
حسن، أخرهم يا دونسكيج
في هذه المرة نطق:
أيها الرفيق آمر الكتيبة، يستطيعون تطويقنا
لا بأس يا دونسكيخ، المهم أن تصمدوا حتى المساء، وعندئذ ستخرجون تحت جنح الظلام" ص224، الألمان يشنونا حربا نفسية " أيها الروس استسلموا" كما أن قوة النيران الألمانية تدفع بالجنود الروس إلى اليأس، والحصار المضروب عليهم يجعل ثقتهم تضعف وتميل نحو الانسياق وتلبية الدعوة الألمانية للاستسلام، فالنداء الألماني " استسلموا" يفتح لهم باب الخلاص من موت محقق، وهنا تكمن عظمة وقوة الجنود المحاصرين، فهم يتحملون كل ذلك الضغط ويتحلون بالصبر والثبات، ورغم الموت الذي قاب قوسين أو أدنى منهم، فلا يكتفون بالصمود والثبات وحسب بل أيضا يردون على النار بالنار، وهنا يتجلى لنا حديث الرسول محمد "ص" "النصر صبر ساعة " فبدون الصبر لا يمكن أن يكون هناك نصر، وهو الأمر الأكثر أهمية في حالة الحصار
"هل تسمع؟ إن الألمان هناك، وراءنا، هناك العدو يحاول التقدم إلى موسكو، هناك يحارب إخواننا، أما نحن، أما كتيبتنا، فنمنع عنهم الضربة الجانبية، أنهم واثقون بنا، واثقون بأننا صامدون ولن ندع العدو يمر"ص235، الموقف السابق يوضح دوافع الصمود عند الكتيبة المحاصرة، وعدم تراجعها أمام الحصار وخطر الموت المحدق بها، الحفاظ على الأخوة في الجانب الآخر من المعركة، الذين يثقون بنا نحن المحاصرون، فهذا الأمر الثقة يكون دافع إضافي للصمود والاستبسال وعدم الانسياق وراء دعوة الألمان للاستسلام، وهذا الجانب الأخلاقي يمنح القوات المحاصرة مزيدا من الثقة بالنفس، وإذا أخذنا نفسية الجنود المحاصرين وحللناها، نجد بأنه من الطبيعي أن تضعف العزيمة وتهبط المعنويات في مثل هذه الظروف، ولكن ربط مصير الآخرين بصموده، يصبح من الصعب عليه أن يخضع لأهواء النفس ودعوة المهاجمين للاستسلام، فيتشكل بداخله إرادة قوية لا يمكن اختراقها أبدا، مهما سمع ومهما اشتدت قوة النيران و ضاق الحصار،
ويعطينا ماميش اغلي صورة الجندي بوردني الذي عرف الجانب الآخر للصمود وربط مصيره بمصير الجنود الآخرين فيقول عنه
" أيها الرفيق آمر الكتيبة، اسمح لي برجاء، إني والحالة هذه أريد أيها الرفيق آمر الكتيبة أن أكون مع الرفاق، أرجوك،أينما ذهبوا فانا معهم... أن ما كان يدفعه الان ليس الخدمة ولا الانضباط، بل شيء أكثر إنسانية وأكثر سموا، أن تفسير هذا صعب، ولكن روح الجندي، روح الكتيبة، قد تفتحت قليلا، وإنغرز في اليقين: نعم، سنحارب بقسوة، سنقتل ونقتل حتى الخرطوشة الأخيرة"ص356، تتجلى لنا أهمية رسوخ الإيمان والقيام بالواجب عند الجندي، فرغم شدة وهول الموقف ها هو يستبسل ويقدم أكثر بكثير مما هو متوقع منه،
طلب الجندي أن يكون في موضع الخطر، ينم على ارتفاع المعنويات التي يحملها في داخله، كما يشير إلى إيمانه الراسخ في الدفاع عن الوطن، كما أن الموقف هذا يبين القدرة القتالية التي يتمتع بها، من هنا الصمود لا يمكن أن يكون بسيطا ابد، وهو من اشد الأعمال الحربية هولا على الجنود، ليس بمقدور أي فرد أن ينجح فيه، فهو فقط لنخبة الجنود فقط، والذين يستبسلون ويحملون الإيمان بعدالة قضيتهم، هم وحدهم يستطيعون التحدي واثبات ذاتهم في الحصار
الانسحاب
الرواية تتحدث عن أكثر من عميلة انسحاب للقوات الروسية أمام القوات الألمانية المتوغلة بقوة نيران وبسرعة كبيرة، وقد بين لنا الكسندر ربيك مشاعر الناس الروس والامتعاض الذي يطغى عليهم، " وكانوا ينظرون إلينا في غير إعجاب، فالقوات المنسحبة لا تثير الإعجاب، القوات المنسحبة لا تستدعي الإكبار والإجلال، فكانت النساء ينظرن في شفقة، وكان بعضهن يمسح الدموع، فلا بد انه خيل للكثيرين أن القوات تغادر المدينة، وكانت العيون الحزينة الخائفة كأنها تسأل:" هل حقا انتهى كل شيء؟ هل حقا هلك كل ما بذلناه في سبيل عرق الجبين وأحلام الخيال؟"ص440، الصورة السابقة توضح لنا أن أكثر الأمور فاجعة على المواطنين، عندما يشاهدون جيشهم منسحبا، مخلي الأرض للأعداء، فمهما بدت عملية الانسحاب تكتيكية، إلا إنها تؤثر سلبيا على النفوس، وكم من الشعوب بكت عندما شاهدة جيوشها تنسحب تاركة خلفها الأرض والشعب للغازين، ورغم أن ما ميش اوغلي يتحدث عن انسحاب منظم وبخطوات الجند المنتظمة والواثقة من نفسها، ورغم انه جاء بناءً على طلب القيادة العليا الروسية، وضمن خطة معدة سابقا، ولان الانسحاب يعد من العمليات التي لا يريد أن يشاهدها احد أبدا، وها هو ما ميش اوغلي يحاول أن يقنع نفسه والآخرين بأنه نجح في مهمته الحربية التي أوكلت له" كلا، لست هذه كارثة، إنما هي حرب/ وكنا، في مشيتنا الجندية، نرد على الحزن والإشفاق:/ كلا، لسنا حفنات تثير الشفقة، خرجت من الطرقات وحطمها العدو، بل قوات سوفييتية منظمة، عرفت قوتها في القتال، لقد قتلنا الهتلريين، والقينا في قلوبهم الرعب، ومشينا على جثثهم، انظروا إلينا، إننا نسير أمامكم في صفوف، رافعين رؤوسنا، كوحدة عسكرية أبية، وحدة من الجيش الأحمر العظيم الرهيب"ومع كل هذا المشهد العسكري وكل ما أبداه ما ميش اوغلي من وصف وثقة في النفس، يبقى الانسحاب عمل لا يرضى عنه احد من الشعب أبدا، ونعتقد بان الكسندر ربيك يريد من خلال هذه الفقرات أن يقول لأي جيش إياك أن تقدم على فعل الانسحاب، فمهما قيل عن الانسحاب ومهما كان التبرير له، يظل عملية لا تليق بالجنود أبدا، ويجب التفكير مئة مرة قبل الإقدام عليها، فربما كان مشهد الموت اخف واقل تأثيرا من مشاهدة انسحاب الجيش.
الخطط الحربية
الخطط الحربية تسهل عمل الجنود في المعركة، وتجعلهم يسيرون نحو هدفهم بوضوح وانسجام، وبدون الخطة يكون الجيش مهما كان عظيما مجرد غثاء كغثاء السيل، الرواية تعطينا نماذج للتخطيط الحربي، " بديهي يا دونسكيخ انه يجب الصراع مهما كان الموقف ميئوسا منه، ولكن لماذا نترك أنفسنا تقع في موقف كهذا؟ ليقع الألمان فيه، انك يا دونسكيخ لن تقتل بالحربة إلا شخصا واحدا، أما بعقلك فتقتل ألفا،... قلت: الفرار، الفرار كما يريد الألمان، في فوضى، في ذعر، حارب لمدة عشر دقائق أو خمس عشرة وتظاهر بالذعر، وليطاردوك، اللعبة سنقودها نحن، وليسوا هم الذين سيطاردوننا، بل نحن الذين نجبرهم هل فهمت؟ نجبرهم بالخديعة والمكر أن يطاردونا، ولا تبتعد عن الطريق، ثم لنزل في هذه الوهدة، مرة أخرى علمت على الخريطة بنهاية القلم غير المبرية أو اختر مكانا آخر ملائما، وهناك بجب في لمح البصر أن تختفوا وانبطحوا، ولتدع الجماعة الأولى الألمان يمرون، أما الثانية فلتقابلهم بالنار من الرشاشات والبنادق في وجوههم، فيرتدون مندفعين إلى الوراء، وعندئذ يجب لفحهم من هناك، في وجوهم،وبذلك توقعون من طاردكم بين نارين وتقتلوهم جميعا، مفهوم؟"ص249+250هذه إحدى الخطط التي أعدها ما ميش اوغلي للجنود حتى يتمكنوا من ضرب الألمان الأشد قوة وأكثر عددا وعتادا، فكما قال آمر الكتيبة "بالحربة تقتل شخصا واحدا أما بعقلك فتقتل إلف" هي دعوة واضحة لكل من يخوض حربا أن يضع الخطط لها قبل، وحتى العمليات الصغيرة بحاجة إلى خطة قبل تنفيذها، ولما كانت العمليات العسكرية متغيرة ولا تخضع دائما لما رسم لها، فلا بد من التعامل من المتغيرات بطريقة سريعة وتتماثل مع التغيرات الجديدة، وتكون أيضا ضمن الخطة العامية التي وضعت من قبل، فليس من المناسب تنفيذ الخطط بشكل جامد وآلي، فإذا اظهر الطرف المعادي تحركات فريبة لم تكن في الحسبان يجب التعامل معها بسرعة وبأسلوب مناسب، وها هو ما ميش اوغلي يقول عن بانفيلوف" أراد أن اعمل بعقل في أوضاع القتال المتغيرة، وبين هزات المعركة وزعازعها، وان افهم واجزر"هنا دعوة واضحة لتكيف مع كافة المتغيرات والمستجدات في المعركة والتعامل معها حسب حالتها، فليس هناك معادلة حسابية 1+1، وإنما حالة فعل بشري متغير، فيجب التعامل معها بشكل دقيق وسليم.
الكمين
في كافة المعارك والحروب تستخدم الكمائن لضرب القوات المعادية، والكمين موضع أو مكان لا يتوقع منه العدو التعرض لهجوم أو لمصادر النيران، من هنا يجب اختيار مكان الكمين بدقة وعناية، كما يجب في اختيار الكمين أن يعطي القوات المكمنة حرية وسهولة الحركة والتنقل إلى مواقع أخرى، بأقل الخسائر أو بعدمها إن أمكن، وهذا النوع من العمليات الحربية أوضحته لنا رواية العرب والجرأة بشكل مبسط وسهل، "بسط دونسكيج الخارطة، وكنت قد أشرت ، في فكري، على أماكن الكمائن، ولكن تحققت من ذلك مرة أخرى حسب الخارطة، ثم شرحت المهمة: وهي أن يتخفوا عند الطرقات، ويتمسكوا بمواقعهم ويبقوا فيها، ولا يعطوا بطوابير الآليات والمدفعية الألمانية مجالا للمرور في الطرقات، وان يتركوا جماعات الاستطلاع الصغيرة تمر بلا إطلاق نار، ويقبلوا الطابور بنار البنادق والرشاشات، وبعد أن بنهال الكمين على العدو بوابل من النار غير منتظر، يستطيع الانسحاب بسهولة./ نعم، الهجوم مكن الكمين، يجب قتل الهتلريين بنار بقدر الإمكان، ثم لانتظار حتى يفتح العدو قواته ويجمعها ويدخل في المعارك ويعين الجنود لتطويقنا، وعندئذ يجب التملص والخروج إلى الطريق مرة أخرى في مكان آخر، ومبادرة العدو والوقوف في طريقه من جديد" ص210+211، هذه الفقرة تشير إلى أن العدو أثناء تقدمه يدفع بمجموعة صغيرة الحجم من قواته كطعم ولاستكشاف المنطقة، فهذه القوة الصغيرة يجب تركها بسلام وعدم التعرض لها، حتى يتسنى للجنود المكمنون أن ينجزوا مهمتهم بنجاح، ويستدل من وصف حالة الكمين بأنه كمين مزدوج الأهداف، فأريد منه إعطاء معلومة للقوات المعادية بان الروس لا يضربوا ويفروا، ولكن يضربوا ويتشبثوا في أماكنهم، فقائد الكتيبة أراد من جنوده أن يتعلموا الصمود في المعارك وكذلك النجاح في نصب الكمائن، وأيضا إعطاء درسا للألمان كيف يقاتل الروس، وبعد نجاح الجنود في تحقيق الأهداف الثلاثة، وتبدأ القوات الألمانية بالتحرك لتطويق الجنود الروس يبدؤوا بالانسحاب.
وقد أعاد ماميش اوغلي طرح مفهوم الكمين مرة أخرى " الضرب على الحالة النفسية، أن هذا معروف منذ أقدم العصور،ومنذ أقدم العصور يتم الحصول على هذا بالمفاجأة،ترى أفن القتال، أفن الخطط، في أن تباغت العدو وتجنب قواتك هذه المباغتة" ص256، يتبن لنا أن الكمين يعني الهجوم وضرب القوات الغازية وإيقاع الخسائر بها قدر المستطاع، وحماية الجنود المكمنين لأنفسهم ولرفاقهم من عمليات معادية، فيكون نتيجة الكمين حماية النفس والسلامة وإيقاع الخسائر بالطرف الآخر، ودب الذعر والهلع والخوف والاضطراب في جانب العدو، والنشوة و فرحة النجاح عند الجنود المكمنيين، وقد تطرق الكسندر ربيك إلى وضعية الجنود المكمنيين والحالة التي يكونون فيها" كان يجب الكمون في مكان ما والانبطاح في الحال وتحويل جميع الفوهات صوب الأعداء وتركهم يقتربون منتصرين مأخوذين بنشوة المطاردة ثم إطلاق الرصاص عليهم برباطة جأش عن قرب"ص246+247، وهذه معلومة أخرى تقدمها لنا الرواية، حيث يجب في حالات معينة أن يفسح المجال للقوات المعادية أن تطارد الجنود، واهمة بأنها منتصرة و لمسافة وفترة محددة، وعند الاقتراب لمسافة قريبة يتم ضربها بوابل من النيران، توقع بها اكبر عدد ممكن من الخسائر
أخطاء الحرب
في كل عمل يقوم به البشر إلى من وجود أخطاء، وهذا المر ينطبق على الحروب كذلك، لكن أخطاء الحرب تكون عواقبها وخيمة على الجنود وعلى الوطن، فكل خطأ في المعركة تكون نتائجه قتل الجنود وفقدان قطة من الأرض، وخسائر معدات واليات حربية، وتراجع المعنويات عند الجنود والمواطنين معا، من هنا يجب محاولة التقليل من أخطاء الحرب وان أمكن عدم والوقوع بها بتاتا، وقد تطرق الكسندر ربيك في رواية الرعب والجرأة إلى بعض الأخطاء "كما فهمت فيما بعد، خطأ، إذ لا يجوز لمن يحارب بقوى صغيرة ضد قوى كبيرة أن يقاتل العدو عن قرب وان يشتبك معه وجها لوجه، لقد كان درسا مرا"ص260، يتضح لنا بعد صحة القتال وجها لوجه وعن قرب عدو يتفوق عددا وعدة، فهذا يعني هلاك الجند، ولكن يمكن ان تواجه قوة قليلة العدد قوة اكبر منها إذا كانت محصنة وفي خنادق أو مرتفعات يصعب على الطرف الآخر الاقتراب منها لوجود عوائق طبيعية أو بشرية.
كما يضيف بطل الرواية ما ميش اوغلي عن الأخطاء التي وقع فيها، "ارتكبت غلطة، فقد كان يجب الانبطاح وعدم إطلاق النار، بل الاستعداد والتصويب المهدف، وتهيئة خفقان الدم العنيف ولو قليلا، وثم إطلاق النار بعد ذلك دفعات، ولهذا راح المحاربون يطلقون في فوضى،وبسرعة محمومة وبلا دقة، فكان الألمان يسيرون نحونا وهم يرسلون سيل رصاصهم، دون أن يسقط منهم احد"ص306+307، فها هو آمر الكتيبة يطلب بإطراق النار في وضعية الانبطاح وليس وقوفا، حتى يتجنب الجنود الإصابة برصاص الألمان، كما يدعو إلى تجنب إطلاق النار دون تركيز وعدم دقة في التصويب، حتى تكون النيران مآثر وفاعلة في العداء.
ومن الأخطاء في المعارك المخاطرة بالجنود على حسب المعدات، فالجندي أهم العناصر في المعركة ويجب الحفاظ عليه، ومن ثم يأتي الاهتمام بالمعدات، فها هو ما ميش اوغلي يعترف بخطأ إرسال الجنود لإحضار المدفع من الغابة وقد كان يمكن أن تهلك الكتيبة كاملة لتأخرها وهي تنتظر وصول الجنود الذين ذهبوا في هذه المهمة، " فالمذنب أنا، انه لا حرب بلا مخاطرة، ولقد خاطرت وأرسلت الرجال إلى المؤخرة العدو ليأتوا بقذائف ومدفع متروكة، ولقد جيء بالمدفع، ولكن الكتيبة انعزلت وانقطعت صلتها، والآن لن تخرج قبل حلول الظلام"ص413، تعريض الجنود للقتل مسألة خطيرة في المعارك، ويجب التفكير مليا قبل الإقدام على أي مهمة عسكريا يمكن أن تؤدي بحياة الجنود هكذا وبدون مبرر، فهنا رغم أهمية المدفع والقذائف للجيش، إلا أن أهمية الجنود اكبر بكثير مكن هذه المعدات، وهنا إشارة إلى أهمية الإنسان في المعركة حتى لوكأن ذلك على حساب المعدات.
المخاطرة في الحرب
كل جندي في ارض المعركة في خطر، حيث يمكن أن يسقط مصابا أو قتيلا، نتيجة التعرض للقصف من الأعداء، والمقصود في المخاطرة ليس هذه الحالة، ولكن شيء آخر، مثل إرسال جنود إلى مكان أو موقع واحتمال النجاة معدوم أو شبه معدوم، مثل هذه المخاطرة يقول عنها ما ميش اوغلي" المخاطرة عمل نبيل، لا، فالمخاطرة بلا حساب ليس بعمل نبيل"ص428وهنا يتضح بأنه يجب التوقف كثيرا قبل الإقدام على عمل يمكن أن يعرض الجنود للقتل، كما يتضح بان من يقدم على القيام بالمهام الخطيرة هو جندي شجاع ويحمل في نفسه معني الرجولة والبطولة ونكران الذات، من هنا يجب احترام وتقدير هؤلاء والمحافظة عليهم وعدم إرسالهم هكذا بدون حساب، لأنهم الأكثر صدقا وإخلاصا لقضيتهم
الرشاشات
قد يبدو للوهلة الأولى أن الجنود الذين يستخدمون الرشاشات أكثر أمنا وسلامة على حياتهم من بقية الجنود، وذلك لأنهم غالبا ما يكونون في موقع حصين، وثانيا لان سلاحهما كثر فاعلية ضد الأفراد، ولكن ما ميش اوغلي يعطينا معلومة مغايرة عن مفهومنا لهؤلاء الجنود فيقول" ويجب تغطية انسحابنا أيضا، فبم؟ بزوج من الرشاشات، في الحق أن أصعب المهمات، أن أبعد المهمات عن طاقة البشر، تقع على عاتق هؤلاء الناس، أعني رجال الرشاشات، الذين سيبقون الأخيرين، وسيواجهون وجها لوجه، العدو المندفع الذي يعود إلى رشده، ولن يكون ثمة من يغطي انسحاب هؤلاء،ولذلك فلن يكتب لهم الانسحاب، وهذا العمل، وهذه البطولة تتطلب أصلب الرجال وأخلصهم، تتطلب أولئك الذين سيطلقون النار حتى آخر نفس من أنفاسهم، ويؤدون واجب الجنود المقدس حتى النهاية، وينفذون الأمر بعدم الانسحاب، انه لصعب... صعب أن أقول ولو بيني وبين نفسي"أن آخر من سيبقى طقم رشاش بلوخا"ص426، يتضح لنا بان كافة الجنود معرضين للموت وأكثرهم عرضة رجال الرشاشات، حيث يوجب عليهم طبيعة عملهم العسكري أن يقوموا بتغطية زملائهم في حالة الانسحاب، وان يكونوا آخر المنسحبين إن أمكنهم الانسحاب وبعد أن يتأكدوا بتعطيل تقدم العدو.
المدفع
تعطينا الرواية صورتين لتأثير المدفع على الجنود، الأولى تأثير المدفعية الألمانية على القوات الروسية، والأهوال التي تخلفها على الأرض، ومن ثم في الجنود "قد كان الألمان يقذفون بعربات كاملة من القذائف، بكل ما جروه إلى هنا من المؤخرة في أثناء توقفهم، ممزقين الأرض شر ممزق راغبين على الأرجح في تكنيس الخط وسحقنا حتى يتم المشاة الأمر بسهولة في اندفاع سريعطص264،يتضح لنا دور المدفع التي تهيأ الأمر للمشاة لكي يتقدموا بسهولة وبأقل الخسائر، حيث تكون القذائف قد أجبرت الطرف الآخر على التراجع إن لم تفنيه وتسل حركته، من هنا تأتي أهمية هذا السلاح في المعركة.
والصورة الثانية التي يذكره لنا ما ميش اوغلي، تأثير المدفعية الروسية على الألمان، التي استطاعت أن تدمر القوات الألمانية وتوقفها عن التقدم" ولكن مدافعنا كانت قد توزعت في الغابة، بوه بوه ، لقد كان وقت الذخيرة الاحتياطية، فالتفت وانأ راكض فرأيت دبابة محطمة الجنازير تدور على نفسها كالدوامة العظيمة مصدرة هديرا، أما الأخريات فقد وقفت في أماكنها، حقا أن المدفع لا تهان، فهي منيعة على الدبابات وراء أشجار الصنوبر الأزلية، وهكذا دخلنا الغابة كالطير، وانسحب الدبابات راجعة وهي تهدر وتواصل إطلاق النار"ص433، من خلال هذه الفقرة يتضح لنا أهمية المدفع في تغطية انسحاب الجنود، فهي احد أهم الأسلحة الفاعلة التي بواسطتها ينجح الجنود في تغطية انسحابهم بنجاح وبأقل الخسائر، وأيضا تبين لنا الفقرة أن المدفع هو السلاح الأمثل للرد على المدرعات والدبابات، فهي تبيدها وتعطل مفعولها تماما.
وهناك معلومة إضافية يقدمها لنا ما ميش اوغلي عن المدفع فيقول" وهي أن يقابل مشاة العدو في الوجه، هل تعرف ما هو الضرب في الوجه؟ هو أن القذيفة الملقاة من ماسورة المدفع تنفجر في الحال وهي طائرة في الهواء وتتناثر منها مئات الرصاصات، مئات الشظايا الحامية القاطعة التي تضرب المشاة الهاجمين في وجوههم بقوة رهيبة"ص420،إذن المدفع يمكن أن يستخدم كسلاح ضد الأفراد وليس الآليات فقط، فهنات يحدثنا الراوي عن قذائف تنفجر قبل وصولها الأرض مما يؤدي إلى قتل وإصابة جنود العدو.
تعليمات عامة عن الحرب
كرجل مارس الحرب و كقائد كتيبة في أهم الحروب التي خاضتها البشرية، يقدم لنا ما ميش اوغلي تعليمات عامة ينصح الأخذ بها لكل عسكري جندي أم قائد" اسمعوا أوامري... يجب أن نعمل ليلا حتى يكون كل محارب قد أنهى قبل طلوع الفجر من حفر خندق كامل، ثانيا، يجب ألا نسلم أنفسنا كأسرى وألا نأسر أحدا من العدو، أمنح جمع الآمرين الحق في إعدام الجبناء على الفور، ثالثا يجب توفير الذخيرة، امنع استعمال البنادق والرشاشات على مسافة بعيدة، ولا يجوز إطلاق النار إلا إذا كانت الإصابة مؤكدة، يجب إطلاق النار حتى الخرطوشة قبل الأخيرة ن أما الأخيرة فهي لأنفسنا، رابعا يجب على المدفعية إلا تطلق نيرانها إلا مباشرة وعلى الهدف الحي، ويجب إطلاق النار حتى القذيفة قبل الأخيرة ، وإما الأخيرة لنسف المدفع، خامسا آمر أن تعلنوا هذا كله للمحاربين"ص350، يستدل من خلال هذه التعليمات على ضرورة العمل في الخفاء سرية العمل التخفي ليلا، ومنها ما يتطرق إلى الاقتصاد في الذخائر وعدم إهدارها بدون فاعلية، ومنها ما يشير إلى الاستبسال وعدم الاستسلام تحت أي ظرف ومهما كانت الأسباب، ومنها ما يتعلق بدقة التصويب، ومنها ما يتعلق بالهاربين من المعركة، هي تعليمات وإرشادات مهمة لكل عسكري
الجنود
الجنود في الحرب هم العنصر الأهم، وبدونهم لا يمكن خوض أي حرب أو معركة، وللجنود حياة خاصة يمارسونها أثناء الحرب والمعارك، تختلف كثيرا عن حياتهم قبل الحرب، فقوانين الحرب تتباين كثيرا مع القوانين المدنية، وأولويات ومتطلبات الحياة غيرها في الحياة العادية، يعطينا ما ميش اوغلي صورة الجندي في المعركة " المحارب يهجم مع سريته، ورصاص الرشاشات مصوب إليه، والى جانبه يتساقط رفاقه، وهو يزحف ويزحف، وتمكر ساعة، ستون دقيقة، وفي الدقيقة ستون ثانية، وفي كل ثانية يحتمل أن يصاب في مقتل، ولكنه يزحف"ص26، الوقت بالنسبة للجندي يحسب بالثانية وليس بالساعة، حياته تتوقف على رصاصة أو شظية، رفاقه يتساقطون وهو متجاهلا ذلك مستمر في التقدم نحو الهدف، إننا أمام إنسان خارق للعادة بمثل هذه الصفات وبهذه الوضعية.
ويوضح ما ميش اوغلي أن الهدف من إرسال الجنود إلى المعركة ليس الموت وإنما لكي يقتلوا الأعداء" أن المحارب يذهب إلى القتال لا لكي يموت بل بكي يقتل العدو"ص57، هذه العبارة تحمل تطمين الجنود بأنهم ليسوا ذاهبون ليموتوا، وإنما ليقتلوا من يريد قتلهم ومن يريدون احتلال وطنهم، من هنا يتحدد هدف الجندي، حماية الوطن من الأعداء بقتلهم، كما يجب عليه مجابهة الأعداء في المعركة وهنا تكون الغلبة للأقوى، أما الجنود وإما العدو، " أن الوطن يطلب منا أن نموت إذا لزم الأمر ولا نترك العدو يدخل، إننا محاربي الجيش الأحمر ملزمون بان نحارب غير ضانين بأعز ما نملك، هو الحياة"ص68، وهنا تكمن ذروة العطاء عند الجنود، وهي تقديم الحياة إذا لزم الأمر والتعرض لخطر الموت في سبيل الأهل الذين يتركهم في الخلف.
وبين إشكالية الموت للجندي وقتل الأعداء يطرح بانفيلوف قائد الفرقة توضيحا لهذه الإشكالية" حياة الجندي قاسية، قاسية بلا شك، ويجب قول هذا للجندي وبصراحة... لا تشفق على الجندي قبل القتال أيها الرفيق شيلوف، أما في القتال فحافظ عليه، حافظ على الجندي في القتال، لم يكن هذا أمرا ولكنه كان أكثر من أمر، كان وصية، أخذتني القشعريرة، لكن بانفيلوف كرر حالا بلهجة أخرى، بلهجة الرئيس وبصرامة: حافظوا عليه فليس لدينا ما نصد الآن هنا ، عند موسكو، قوات أخرى وجنود آخرون، إذا فقدنا هؤلاء لم يبق لدينا ما نصد به الألمان"ص201،وصيه احد قادة المعارك في الحرب العالمية الثانية تدعوا إلى الحفاظ على الجندي، وكأنه كنز ثمين وهو كذلك فيجب عدم زجه إلى الموت بدون حساب ويجب الحفاظ عليه وعدم التفريط به، كما يدعو بانفيلوف إلى عدم الشفقة عليه في التدريب ، حتى يشتد عوده، ويكون أكثر صلابة أمام العدو، وهناك قول صريح عن حياة الجندي "حياته صعبة" وقاسية أكثر مما ألفه في السابق، هذه المعلومات الثلاث مهمة جدا لأي قائد حربي.
ويعود ما ميش اوغلي في توضيح ما قد يتعرض له الجنود في المعارك" لا يجوز اللعب بالغميضة مع الجندي، لا يجوز التنهد أمامه قائلا" قد لا تصاب" انه في الحرب وعليه لن يعرف انه جاء إلى حيث القتل، جاء لكي يقتل العدو"ص290،هذا لتوضيح والمكاشفة للجنود مهمة جدا، فالجندي إما أن يكون قاتلا وإما قتيلا، وعليه أن يختار، هكذا هي الحرب، ليس نزهة أو رحلة صيد، وإنما مكان يمكن أن يقتل فيه إذا لم يحسن التصرف، ويضيف ما ميش اوغلي عن أصعب الأمور على الجنود واشد الأوقات وأطوله تكون أثناء الانتظار لبدأ الهجوم "وكان المحاربون مستلقين، ممسكين ببنادقهم، منتظرين اللحظة التي فكر فيها كل شخص منذ أن دعي للخدمة في الجيش والتي تبدو لكل شخص أرهب لحظة في الحرب منتظرين الأمر بالهجوم"ص312، في وضعية الهجوم على الجندي ممارسة دورة ، القتل وهذا الأمر ليس بالسهل أن يقتل أنسانا إنسان آخر، وهذا الأمر من اشد الأمور صعوبة على كل كائن بشري، والمهمة الثانية عليه الحفاظ على حياة، وهذه المعادلة من أصعب الأمور على الجندي، من هنا يظهر عند المحاربين قانون أخلاقي وعليهم أن يتبعوه يتمثل" أما العزة أو الموت"ص384، وهذه المقولة تعني أما النصر على الأعداء أو الموت، وليس هناك خط وسطي بين الأمرين، وها هو بانفيلوف يقول عن الجنود" ما هو المحارب؟ المحارب يخضع للجميع، ويقف متهيئا أمام كل آمر، وينفذ الأوامر، أنها وظيفة حقيرة كما كان في السابق، ولكن ما هو الأمر بدون المحارب؟ انه فكرة، لعبة ذهن، حلم من الأحلام، أن خيرة الأوامر وأكثرها دلالة على الذكاء تبقى حلما وخيالا إذا كان المحارب غير مستعد الاستعداد اللازم، أن استعداد الجيش للقتال أيها الرفاق هو قبل كل شيء استعداد المحارب له، أن المحارب في الحرب هو القوة الفاصلة"ص150 هذا التوضيح لعمل الجندي وما يجب أن يقوم به، يبن العبء الكبير الملقى على كاهله، فهو دائما ينفذ الأوامر وبدون نقاش، ويقف باحترام أمام القادة، كما لا يوجد حرب بدون جنود فهم العنصر الأهم لخوض الحرب ولتحقيق النصر
حياة الجنود
حياة الجنود في الحرب صعبة وشاقة جدا، وعليه أن يتكيف مع الظروف الجديدة، ففي الحرب عليه أن يعد طعامه بنفسه، وعليه حفر الخنادق إعداد الأماكن المحصنة، وعليه أن يصوب جيدا وان يقتل، وعليه أن يصبر على الجوع والعطش، وعليه نحمل الم الجراح ومشاهد رفاقه وهم يسقطون قتلى وجرحى،وعليه أن يتقبل الأوامر من القادة وينفذها بدون امتعاض أو تردد، كل هذا تم توضيحه في قصة العرب والجرأة، فها هو ما ميش اوغلي يأمر احد الجنود بإعادة بناء الخندق من جديد" ما صنعت؟/ خندقا أيها الرفيق آمر الكتيبة/ وما هذا الذي من فوق؟/ أخشاب أيها الرفيق آمر الكتيبة/ اخرج من هناك، سأريك الآن أية أخشاب هذه، فقفز الجندي، فأخرجت مسدسي وأفرغت في الدورة الأمامية عدة رصاصات/ عد وانظر، هل اخترقها الرصاص؟/ فخرج بعد نصف دقيقة وصرح بعجلة/ اخترقها أيها الرفيق آمر الكتيبة/ ماذا أنشأت؟ كوخ ناطور كما في آسيا الوسطى؟ هل ستحمى هنا من الشمس؟ لماذا لا تتكلم؟/ فقال الجندي غصبا عنه/ انه ينال الإنسان في كل مكان/ من هو؟/ فلم يجب وعرف أنه يخاف الموت فسألت/ ألست تريد الحياة؟/ بل أريد أيها الرفيق آمر الكتيبة/ وإذن اخرج من هنا كل هذه القضبان، وضع أعمدة يغلظ أعمدة البرق، في خمسة صفوف، حتى لا تدخل القذيفة إذا سقطت"ص63+64، من خلال هذا المحاورة يتبين بان العمل يمكن أن ينجز، ولكن ليس حسب المطلوب، فيجب إعادة العمل من جديد، وهذا الأمر يمكن أن يتكرر لعدده مرات إلى أن يكون جاهزا لظروف الحرب. وإذا تتبعنا الحوار نجد تكرار كلمة أيها الرفيق آمر الكتيبة من الجندي فرغم عبء العمل والتعب إلا انه مطلوب منه أن يضبط نفسه أمام القائد ويجيب باحترام، ثم عليه إعادة تنفيذ الأمر من جديد، فأي إنسان يحتمل مثل هذا الوضع؟.
كما أن مفهوم الحياة والموت والقتل والوطن تختلف وتتباين عما كان يعتنقه الجنود في السابق، وهذا المر ليس بالسهل أبدا، فتغير المفاهيم والمعتقدات بهذه السرعة من أصعب الأمور وأشدها تأثيرا على الجنود، حيث أنها تمس وبشكل مباشر الفكرة التي يعتنقها
" هل تعرف ما هو الوطن
اعرف أيها الرفيق آمر الكتيبة
قل إذن
انه اتحادنا السوفييتي، انه أرضنا
اجلس
وسالت آخر
وأنت ماذا تقول
الوطن هو... الأرض التي ولدت فيها... هو ... كيف اعبر عن ذلك... هو المكان
اجلس. وأنت؟
الوطن؟ انه حكومتنا السوفيتية... انه ... لنأخذ مثلا موسكو... إننا ندافع عنها الآن إني لم أزورها... لم أرها، ولكنها الوطن
وإذن فالوطن أم تره؟
فسكت
إذن ما هو الوطن؟
فبدوا يطالبون مني أن اشرح لهم
حسنا، سأشرح ... هل تريد أن تعيش؟
أريد
وأنت؟
أريد
وأنت؟
أريد
ليرفع من لا يريد العيش يده
لم ترتفع يد، لكن الرؤوس لم تعد مطأطئة، بل ظهر الاهتمام على المحاربين، لقد سمعوا كثيرا في هذه الايام كلمة الموت، وها أنا أتكلم عن الحياة
كلكم يريد الحياة؟ هذا حسن
وسألت أحد الجنود:
هل أنت متزوج؟
نعم هل تحب زوجتك؟
فاستحيا
لو لم أكن أحبها لما تزوجتها
صحيح. وهل عندك أطفال عندي صبي وبنت
وبيت موجود
هل هو جيد
ليس ردئالي.....
هلي تريد العودة إلى بيتك ،معانقة زوجنك وتقبيل أطفالك؟
ليس الوقت الآن وقت البيت يجب أن نحارب نعم، ولكن بعد الحرب ،هل تريد
ومن يدري
كلا،انك لا تريد
وكيف لا أريد؟
إن العودة وعدمها متوقفان عليك.إن ذلك بيدك.إذا كنت تريد أن تبقى في الأحياء فعليك أن تقاتل من يسعى لقتلك.
فماذا فعلت لكي تحافظ على حياتك في القتال ولكي تعود بعد الحرب إلى بيتك؟ هل تطلق النار جيدا من بندقيتك؟
كلا
هل رأيت؟....وإذن تقتل الألماني بل هو الذي سيقتلك.إن تعود حيا.هل تحسن الدو
نصف على نصف
وهل تحسن الزحف
كلا
وإذن....سيقتلك الألماني. فلماذا إذن تقول انك تريد أن تعيش؟هل تحسن قذف القنبلة اليدوية؟هل تحسن التمويه؟هل تحسن حفر خندق؟
إني أحسن ذلك
تكذب انك تحفر الخندق متكاسلا. كم مرة أجبرتك على رفع العوارض؟
مرة واحدة
وتقول انك تريد العيش؟كلا .لا تريد؟هل صحيح ما أقول أيها الرفاق؟هل يريد حقا أن يعيش.
أصبحت أرى البسمات على وجوه ،وعاد إليهم شيء من أريد أيها الرفاق آمر الكتيبة.الرغبة وحدها لا تكفى...يجب دعم الرغبة بالأفعال. أما أنت فبلاقوال.فقط تؤكد رغبتك في الحياة ،مع انك بالأفعال تندس في القبر ،وانأ أجرك منه بالكلابات.
تعالى الضحك من أعماق القلب سمعته في اليومين إلا خيرين.
استمر:
عندما آمر برفع الغطاء الخفيف عن خندق،إنما افعل هذا لأجلك، لأنك أنت الذي ستجلس فيه وعندما أوأنبك على قذارة بندقيتك إنما افعل هذا لأجلك فلست إنا الذي سأطلق النار منه.إن كل ما اطلبه منك،وكل به،إنما افعله لأجلك.فهل فهمت ما هو الوطن؟
كلا أيها رفيق الكتيبة.
الوطن هو أنت.فاقتل من يريد قتلك.منذا الذي يحتاج إلى ذلك؟ تحتاجه أنت. تحتاجه زوجتك وأبوك وأمك وأولادك"ص70-74، نعتقد أن ما ميش اوغلي نجح تماما في إقناع الجنود أولا ودفعهم للعمل بكل طاقتهم ثانيا، عندما اخذ الجانب الشخصي من حياتهم وأعطاه مفهوم الوطن، كما أوضح أن كل الظروف التي يعيشونها والأعمال الشاقة التي يقومون بها هي لمصلحتهم هم وذلك لأنها ستسهل عليهم العمل في ظروف الفعلية المعركة وكل مل يقومون به وسيقدمون عليه فقط للحفاظ على أنفسهم وعلى أطفالهم وزوجاتهم وآبائهم وأمهاتهم، وهنا تكن صورة التوحد والتماهي بين الهم العام والهم الشخصي، لكي يندفع الجندي للعمل من اجل نفسه أولا ثم من اجل من يحبهم ثانيا، من هنا عليه أن يبذل أقصى ما عنده من طاقة وفاعلية ليحافظ على ما يحب، فهنا كافة الأعمال التي يقوم بها الجنود حفر الخنادق، التصويب، تنظيف السلاح، الطاعة وتنفيذ الأوامر، الهجوم ، الدفاع، القتل، كلها نتيجة الحب والإخلاص لمن يحب، وهذه قمة العطاء عند الجندي
الأمر والتنفيذ
مسألة تنفيذ الأوامر الصادرة من الآخرين خاصة عندما تأتي من مفهوم الفوقية والسادية ليس من السهل تقبلها من الأفراد الذين تربوا على حرية العمل والتحرر من كل شيء، وهذا الأمر تقبل الأوامر وتنفيذها من اشد المسائل صعوبة على الجنود، فهم لم يتعودوا على التنفيذ هكذا، بدون أن يكونوا مقتنعين بما يقومون به، لكن الحرب عالم آخر، عليه أن ينفذ وبدون نقاش، بل عليه أن يقول حاضر سيدي، ومع عدم قناعته بالأمر الصادر، وعليه تطويع نفسه لتقبل الأمر أولا وتنفيذه فعليا ثانيا"بالأمس كنتم أناسا مختلفين من حيث المهن من حيث الحالة المادية، بالأمس كان فيكم الكولوخوزيون العاديون والمدراء، أما اليوم فمن الآن وصاعدا انتم جنود وآمرون صغار في جيش العمال والفلاحين الأحمران وأنا آمركم، آمركم فتطيعون، أملي عليكم إرادي فتنفذون، كل واحد منكم سينفذ كل ما آمر به، بالأمس كان بوسعكم مجادلة رئيسكم، بالأمس كان لديكم الحق في المناقشة، ما يقول:هل صحيح ما قال وهل حق ما فعل، ومنذ اليوم يسلبكم الوطن هذا الحق، منذ اليوم ليس عندكم إلا قانون واحد، هو أمر الآمر "ص116 الظرف الجديد توجب على الجميع أن يتكيفوا مع الواقع الحرب وبهذا الأسلوب الآمر والجندي المطيع والمنفذ ليس هناك مكان وسطي مع ظرف وقانون الحرب، فليس من حق احد النقاش أو رفض المر وعدم التنفيذ، وليس لأي جندي أن يرفض الأمر ولا ينفذ، بل عليه التنفيذ قبل الأمر واقتنع به أم لا، كما يجب التنفيذ وبإتقان،وقد عرفنا كيف تم إعادة بناء الخندق من جديد وبمواصفات أكثر صعوبة من السابق.
لكن لا يتم التعامل بهذه الكيفية مع الجنود بدوافع سادية عند القادة، ولكن لان قوانين وظروف الحرب تختلف وتتباين كثيرا مع ظروف وقوانين الحياة المدنية" أن النظام العسكري قاس، ولكن الجيش يصان به، هل تريدون أن تصدوا العدو الذي انقض ليستعبد بلادنا؟ فاعرفوا انه هكذا يجب لإحراز النصر"ص116، أن تقبل كل هذه الظروف الحياتية والنفسية مقابل شيء احد هو تحقيق النصر بعد دحر العدو،ومن يريد أن يعود لحياته السابقة الرغيدة، عليه التكيف مع الحالة الجديدة.
ويعود ما ميش اوغلي إلى تأكيد أن أصعب الأمور على الإنسان في الحرب هي التكيف مع قوانينها ونظمها، وها هو في حواره مع الجندي مورين يؤكد بان أصعب الأمور هب الطاعة" قلت لك مرتين: انصرف، وأنت؟ يخل إليك انك تدعو نفسك لأصعب الأشياء وهو إطلاق النار، كلا أيها الرفيق مورين، إن أصعب الأمور وأشدها وطأة على الإنسان في الجيش هو الطاعة" ص121، الطاعة والتنفيذ الآمر اشد على الجندي من إطلاق النار، وكما قلنا سابقا أصعب الأمور هي المسائل المتعلقة بالأمور النفسية للإنسان، ومرة أخرى يتطرق ما ميش اوغلي إلى حالة أخرى عن نفسه هو كيف كانت وتألمت قبل أن تصبح إحدى مخرجات الجيش الفاعلية والناجحة في الحرب" وتذكرت كيف جعل مني جنديا، أنا الكازاخي الطليق، حصان البادية، الذي لا يطيق المقود، لقد كانت الأشهر الأولى التي قضيتها في الجيش ثقيلة ثقيلة، لا تطاق، لقد بدا لي مهينا أن اقترب من الآمر راكضا، وان أقف أمامه بتهيؤ، وان اسمع قوله الآمر الموجز" بلا كلام، در"، لقد ثار ما في داخل نفسي" لماذا بلا كلام؟ماذا أكون عنده؟ من أنا، الست أنسانا مثله؟... وبالتدريج أدركت ما للطاعة العمياء لمشيئة الآمر من ضرورة مطلقة، وعلى هذا تقوم دعامة الجيش، بدون هذا لن ينتصر الناس في القتال مهما كانوا محبين لوطنهمطص122و123، إذن هناك معادلة واضحة وسهلة في الحرب تكران الذات وإخضاعها بالمطلق لرغبات القادة لتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم، بالضرورة سيكون نتيجة ذلك الانتصار، ومهما كانت هذا النفس جامحة ومتمردة وحرة إلا أنها يجب أن ترضى بالواقع الجديد إذا أرادت أن تحافظ ذاتها وعلى وطنها، ونعتقد أن إعادة التطرق لمسألة الطاعة في الرواية ولأكثر من حالة إنما جاء ليؤكد صعوبة الأمر والضغط الكبير الذي تسببه للأفراد عندما يجدون هذه الطاعة الحالة الجديدة التي ترهقهم نفسيا وفكريا
وها هو ما ميش اوغلي يتحدث عن احد الجنود الذين يعتبرهم من أجرأ من غيرهم ويملكون الذهن الصافي ومع هذا بدون الطاعة وليس الطاعة العادية بل العمياء" كان با شكو يبدو أجرأ الجميع، ولكن رأيت أن أول صفة من صفات الجندي، وهي الطاعة العمياء الكاملة للآمر غريبة عليه، وإذا لم يكن الجندي معدا فلن تحصد إلا الشوك، ولو كان رأسك من ذهب"ص374، رغم الصفات النادرة والفريدة التي يملكها باشكو إلا أن الأهم بالنسبة للجندي الجيد هي الطاعة، وكل الصفات الجيدة ليس لها مكان في المعركة إذا فقد الجندي الطاعة، وتصبح كل صفاته الحميدة بدون فائدة للجيش لاذ لم ليزم نفسه بها، فالطاعة هنا بمثابة الرئة التي يتنفس بها الجيش و لا يمكن أن يحيى بدونها أبدا.
القائد
العنصر البشري الثاني الذي سنتطرق إليه هو القائد، فليس كل جندي يمكن أن يكون قائدا، وإنما يمكن لمن خاضوا تدريبا أكثر ومارسوا حياة الجندية بالطريق الصحيح، بالإضافة إلى امتلاكهم لصفات وقدرات ذهنية وفكرية أكثر من الآخرين والقيادة ليست شكلا وإنما مضمنونا وممارسة، من هنا فان القائد يجب عليه أن يمارس دور الجندي والقائد معا، وهذا سيكون أكثر صعوبة عليه واشق من بقية الجنود.
الرواية تطرح مسألة القيادة ومهمتها في المحافظة على الجنود في المرتبة الأولى، وها هو بانفيلوف قائد الفرقة يطرح على ما ميش اوغلي أول درس في مفهوم القيادة"تستطيع أن تخوض مع الكتيبة عشر معارك، عشرين معركة، ثلاثين، ثم تحتفظ بها سليمة، على هذا يشكرك الجندي... أنا نفسي أيها الرفيق ما ميش اوغلي ، الجندي لا يريد الموت، انه يذهب إلى القتال لا ليموت بل ليحيا، وهو بحاجة إلى آمرين كهؤلاء، وأنت تقول بكل سهولة: " سأموت مع الكتيبة" في الكتيبة أيها الرفيق ما ميش اوغلي مئات الأشخاص، فكيف تردني أن أأتمنك عليهم؟
... هل تتولى أمرهم في القتال لا ليموتوا بل ليحيوا؟"ص106، هذه أول التعليمات التي وجهها بانفيلوف آمر الفرقة إلى ما ميش اوغلي آمر الكتيبة، ونستدل منها بان واجب القائد في الحرب الحفاظ على حياة الجنود في المرتبة الأولى وقبل أي شيء، كما أن مهمة القائد في الحرب مع جنوده ليس الذهاب بهم إلى الموت بل إلى الحياة، والحياة في الحرب تعني الاستعداد الجيد والتدريب على فنون القتال ، الدفاع، الهجوم وكافة نواحي الحرب قبل المعركة، ومن ثم الخضوع التام والطاعة الأوامر الصادرة من القيادة وتنفيذها بدون تلكؤ، كما أن القيادة ليسن شكلا بل مضمونا، من هنا هي إعطاء الأمر والتعليمات بالطريقة السهلة التي يفهمها الجندي ويتقبلها، وليس بتاتا بالزعيق والصراخ"اعرف أيها الرفيق ما ميش اوغلي أن القيادة لا تكون بالصراخ"ص107، فلس المطلوب رفع الصوت وجعل القاصي والداني يسمع بل المهم أن يتم فهم الأمر وإيصاله بطريقة سلسة وسهلة.
من صفات القائد العسكري، القوة التي تكون نتيجتها تكون نتيجتها الرحمة وحفظ الجنود من الخطر المحدق بهم"لماذا أنت قاسي"؟ إني لا استطيع أن أجيب هؤلاء باعتزاز بهذا الجواب نفسه:"اخدم الاتحاد السوفييتي"ص140، مفهوم الرحمة في الحرب ينعي الشدة وجعل الجنود يخرجون كامل طاقتهم وان يعوا بان قوانين وحياة الجندي في الحرب تختلف عن حياتهم السابقة، كما أن القائد يجب عليه أن لا ينتظر الفرص بل عليه البحث عنها حتى يجد القوت والمكان والعمل المناسب لإنجاح عمله"لا تنتظر الفرصة بل ابحث عنها، وما أن تسنح حتى تضرب، احسب... واضرب، فكر في هذا أيها الرفيق ما ميش اوغلي"ص153، وهذا المر الذي يميز القائد الناجح عن غيره، فهو يبادر إلى استخدام كافة مهاراته وخبرته في خدمة الخطط والتعليمات الصادرة، كم لا يسلم بالظروف التي تحول دون تنفيذها، فيحدثنا الكسندر ربيك عن سمات أخرى للقائد الناجح فيقول" ليس من السهل على المرء أن يصبح جنديا، وليس من السهل على الآمر أن يضبط القوات، والأعصاب من هذا وذلك أن يحارب"ص170،وهنا يعود ما ميش اوغلي إلى التأكيد على صعوبة الحياة للجندي وكذلك الأمر بالنسبة للقائد والأصعب والأشق، على الآمر أن يسيطر على جنوده ويخوض معهم المعركة، من هنا يجب عليه أن يستخدم قدراته الذهنية والبحث عن حلول لكل عملية حربية هجوم أو دفاه أو انسحاب وان يتم ذلك بأقل الخسائر وبنجاح، وها هو ماميش اوغلي يتحدث عن كيفية الخروج من مأزق الوضع الذي تعاني منه الكتيبة، وكيف استطاع إيجاد مخرج عندما يفكر بعقلية الألمان وليس بعقلية هو" اليوم أيها الرفيق الجنرال حطمت رأسي تفكيرا طوال النهار، إني عندما أفكر بعقل العدو انتصر بسهولة، ولكن عندما لفكر بعقلي لا أرى كيف أضربه وكيف أصده عنا"ص189، المسألة إيجاد الحلول في المعركة وهي من متطلبات القائد، ففي الحرب في كل ساعة هناك مستجدات ومتغيرات جديد لم تكن في الحسبان، توجب على القائد البحث عن مخرج لهذا الظرف الجديد، وكأن الكسندر ربيك في هذه الفقرة يقول يجب الاهتمام بالمضمون أكثر من الشكل، فليس المهم الالتزام الحرفي بالتعليمات ولكن الأهم هو القيام بالمهمة بنجاح، حتى لوتم الخروج عن الخطة، وهذا الأمر أكده بانفيلوف عندما قال" طبيعي أيها الرفيق ماميش اوغلي أن كل شيء قد يجري في القتال بغير المجرى الذي أجريناه فيه أنا وأنت، فالذي يحارب ليس القلم ولا الخريطة المرسومة بالقلم، بل الإنسان"ص195،فالذي يدير المعركة البشر وليس آلة، من هنا تأتي التغيرات وعدم سير الأمور حسب ما تم وضعه على الورق، فيمكن أن تكون التعليمات تتناقض مع التغيرات على ارض المعركة، وهذا يتطلب من القائد وجنوده العمل حسب التغيرات وليس حسب الأوامر التي أعطيت لهم.
كما من واجب القائد الحفاظ على الجنود وعدم زجهم إلى المخاطر بدون مبرر، فهنا العنصر الأهم في المعركة وبدونهم لا يمكن خوض الحرب، وها هو بانفيلوف يقدم مع التعليمات عن كيفية التعامل مع الجنود" لا تشفق على الجندي قبل القتال أبها الرفيق شيلوف، أما في القتال فحافظ عليه، لم يكن هذا امرأ ولكنه كان أكثر من آمر كان وصية"ص201،المقولة السابقة تبين أهمية الجندي ، حيث انه محور الاهتمام ونقطة الارتكاز لأي جيش، وبما أن حياة الجندي قي التدريب ليست معرضة للخطر كما هو الحال في المعركة، فيجب عدم الشفقة عليه، والمقصود بعدم الشفقة هنا العمل على إخراج الطاقة الكامنة عند الجنود غير منقوصة، وعليه يجب أن يقوم بكافة التدريبات العسكرية، أما أثناء المعركة فيجب الحفاظ والحرص عليه، ولا يعني هذا عزله عن مجريات المعركة، ولكن يفهم منه عدم زجه إلى التهلكة بدون دواعي، وواجب الجندي القيام بكافة العمليات الحربية والهجوم والصمود والدفاع والانسحاب وكل ما يتطلبه العمل الحربي، ويمكن أن تشكل تلك الحالة الحرب والحفاظ عل الجندي إشكالية إذا أراد القائد العمل ضمن المفهوم الجامد، من هنا يجب عليه التعامل حسب ما يمليه عليه مجريات المعركة وما يتطلبه الأمر من أعمال عسكرية.
ومن السمات الأخرى التي يجب أن يتحلى بها القائد الشدة والصرامة" كانت الشدة والصرامة الضروريتان لكل آمر"ص208، من هنا يجب أن يتعامل القائد مع الجنود بكل وضوح ومكاشفة، فليس هناك أثناء المعركة أي مجال لتساهل أو المماطلة في تنفيذ التعليمات العسكرية أبدا، وإلا سينقلب الأمر رأسا على قبل إذا تم الأخذ والرد من قبل الجنود.
ويدعو بانفيلوف إلى عدم تغير وتبديل القيادات أثناء الحرب، لان ذلك يربك الجنود بحيث يصعب عليهم التكيف والانسجام مع القيادة الجديدة"لا يجوز تغير مناصب الرجال إلا عند الضرورة القصوى، فالجندي يعتاد آمره كما يعتاد بندقيته" ص450،هنا توضيح للعلاقة بين الجنود وقائدهم، وهي اقرب إلى العلاقة العائلة في انسجامها، فيجب الإبقاء على الانسجام وعدم إحداث خلل أو ما يعكر هذه العلاقة من خلال التغيرات والتبديلات في مواقع القيادة، هذا مجمل ما تضمنته الرواية حول القيادة وما يتوجب عليها فعله والعمل به .
العدو
بما أن الحرب تقع بين مجموعتين من البشر، أحداها معتدية وأخرى معتدى عليها، كان لا بد من التطرق إلى الطرف الثاني من الحرب المعتدي فقد تناول الكسندر ربيك إلى الألمان وكيف كانوا في المعارك، فأول شيء يجب أن يعرفه الجندي عن المعتدين أنهم بشر ويخضعون لكل ما يخض له البشر"كنت أريد أن يوقن المحاربون بان الذي يتقدم إلينا ليس حيوانا عجيبا مذنبا وله درع، ليس غولا من أغوال الغابات ولا تنينا ينفث النار من فمه، بل أناس نفوسهم ساقطة شقية، ولكن أجسامهم كأجسامنا وجلودهم بشرية يسهل طعنها بالحربة وخرقها بالرصاص، مخلوقات يمكن قتلها"ص154،ماميش اوغلي أراد من جنوده أن يعرفوا أن هؤلاء الألمان الذين استطاعوا أن يصلوا إلى مشارف موسكو عاصمة السوفييت ليسو كائنات فضائية، وإنما هم أناس يتماثلون تماما مع الجنود الروس، وإنهم لسو بجيش لا يقهر، رغم نجاحهم في كافة المعارك التي خاضوها، يمكن لأي جيش مدرب ومستعد للحرب أن يلحق بهم الهزيمة، من هنا المعركة بين جنود بشر ليس أكثر من هذا.
ومرة أخرى يتطرق آمر الكتيبة إلى الجنود الألمان فيقول" أن العدو يظل رهيبا ما لم تذق طعم دمه، فاذهبوا أيها الرفاق وجربوا من أي شيء خلق الألماني، هل يسيل منه الدم بسبب رصاصكم؟ هل يعوي إذا ما تغلغلت في أحشائه حربتكم؟ هل يعض بأسنانه الأرض وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة؟"ص160، هنا توضيح أن هؤلاء الألمان الذين لا يقهرون ما هم إلا بشر مثل الروس تماما وأكثر من ذلك، سيبدي منهم الخوف والصراخ من الألم وسيقتلون، ومن من سيبكي طلب للنجاة ذا ما اقترب منه الموت، وهناك دعوة لكل محارب أن يتقدم باتجاه العدو لأنه باستطاعته أن يوقع به اشد ا الخسائر القتل فمهما كان العدو يبدو "خارق" إلا انه يمكن للجندي الوطني إذا ما استعد جسديا وفكريا أن يلحق الهزيمة بهذا العدو، وهنا تنقلب المعادلة، يمسي الذي لا يقهر يعاني من الهزيمة ويصبح الضعيف هو القوي الذي يلاحق العدو، وهذا ما حدث فعلا حيث استطاع الجنود الروس أن يلحقوا الهزيمة بالقوات الألمانية" قتلت الوحدة حوالي مئيي هتلري، وبثت الألغام في الطرقات، وأحرقت كثيرا من السيارات وبعض المستودعات، بما فيها البنزين، ولكن الألمان استطاعوا عند احد أطراف القرية حماية بعض الأشياء، ولكن الشيء الرئيسي تم بلوغه، وهو أن المحاربين شاهدوا الهتلريين وهم يهربون من أمامهم، وسمعوهم وهم يزعقون لاهثين، وجربوا رصاصهم وحرابهم بجلودهم"ص166، إذن يكمن أن يضخم جيش العدو حتى يصبح أسطورة في خيال البعض، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، فيمكن أن يتم هزيمته هؤلاء ببعض الإرادة والعمل الصحيح، ونعتقد أن معركة الكرامة التي حدثت بين الفدائيين الفلسطينيين بإمكانياتهم المتواضعة جدا ،وبين والجيش الإسرائيلي المدجج بالعتاد يظهر حقيقة القول بأنه لا يوجد جيش خارق لا يمكن قهره.
النصر
النصر الهدف النهائي لأي حرب يخوضها الجيش، وليس هدف الحرب مجرد خوضها فقط، وقد ذكر ماميش اوغلي أن النصر يعتمد على عنصرين أساسين في المعركة، أولا الطاعة وتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من القيادة" وبالتدريج أدركت ما للطاعة العمياء لمشيئة الآمر من ضرورة مطلقة، على هذا تقوم دعامة الجيش، بدون هذا لن ينتصر الناس في القتال مهما كانوا محبين لوطنهم"ص123،هذا الأمر يجعل الجندي يعمل ضمن المجموع، الذي يعمل ضمن فريق واحد ولتحقيق هدف واحد هو النصر، والعامل الثاني لتحقيق النصر هو التدريب والاستعداد قبل المعركة" النصر يصنع قبل القتال"ص385، فلا يمكن خوض حرب وتحقيق النصر فيها بدون أن يكون الجنود مدربين على فنون القتال والعمل العسكري.
الهرب من المعركة
لا بد أن يكون هناك بعض العناصر من الجيش غير قادرة على خوض الحرب، فتلجأ إلى الهرب كوسيلة لحماية النفس من الموت أو بسبب الخوف من التعرض لإصابة، فليس هناك جيش لا يوجد فيه مثل هذه الحالات، وكلما كانت عملية الهرب اقل كان الجيش أكثر سلامة واقرب لتحقيق النصر والعكس صحيح، الرواية تطرقت بكل جرأة لهذا المر وكيف تم التعامل مع حالات الهرب من المعركة، وحتى أن أول حدث في الرواية كان بتحدث عن حادثة الملازم الهارب وكيف تم التعامل معه عسكريا، رغم قناعة الآمر بتوبته وصدقه، واستعداده للقيام بأعمال حربية تأكد صدق توبته وتكفر عن جرمه، مع هذا أصر الأمر على تنفيذ حكم الجيش في الإعدام لكن الذي حدث في الحرب العالمية الثانية كان يمثل خلط والتباس بين حالة الهرب وعملية الانسحاب، فقوة الألمان دفعت الروس إلى ترك مواقعهم أما هربا وأما بناء على أوامر بالانسحاب وعدم ترك شيء يستفيد منه الألمان، ومع هذا الوضع المشين، استطاع ماميش اوغلي أن بفصل بين حالة الهرب والانسحاب،ونجح في وقف نزيف الهرب من الكتيبة، لا وعمل على دفع الجنود للتقدم للأمام من خلال مهاجمة الألمان.
عملة الهرب ليست بالعمل البسيط، وإنما جرم يعاقب عليه فاعله مهما كان وأيا كان، وكان هاجس ماميش اوغلي كيف سيتمكن من إيقاف حالات الهرب"كنت اعرف أن رجالي ناس شرفاء، وان الخجل يعذبهم الآن، فكيف امنعهم في مرة ثانية من هذا الإحساس الأليم، كيف أنقذهم من العار؟ هل أنا موقن بأنهم لن يهربوا في مرة ثانية ولن يفهموا أيضا بعد ذلك كيف حدث هذا لهم؟ ماذا افعل معهم؟"ص48و49،من هنا جاء تفكير ماميش اوغلي العميق بكيفية تحرير الجنود من هذا الكابوس الهرب الذي لن يحققوا شيئا ما داموا يفكرون فيه ويقدمون عليه، كان لا بد استأصله من الجذور، وهكذا تم تنفيذ أول حكم بالإعدام في الرواية، وبدون رحمة، ورغم التعاطف الذي أبداه ماميش اوغلي وبعض الجنود الذين نفذوا آمر الإعدام، إلا انه كان عمل لا بد منه كما يقول آمر الكتيبة"وهكذا فعلت الآن أنا، إذ قطعت بمديتي قطعة من لحمي، إني إنسان، وقد صرخ كل ما كان في من إحساس أنساني: لا لزوم لذلك، ارحمه واعف عنه، ولكني لم اصفح، إني آمر، أي أب، وقد قتلت ابنا لي، ولكن كان يقف أمامي مئات من الأبناء، لقد كان على أن أطبع بالدم في النفوس هذه الجملة: لا مكان للرحمة ولن يكون مكان للرحمة عندنا للخائن "ص62، أن أفضل فصل جاء في الرواية الذي تحدث عن الناحية الإنسانية "فصل الخوف" ففيه وصف دقيق جدا لمشاعر الجندي الهارب ومشاعر القائد الآمر ومشاعر الجنود المنفذون للأمر، القائد كان يعرف صدق وتوبة الهارب ولكنه وجد أن من مصلحة الجنود أن ينفذ أمر الإعدام.
" يستطيع آمر الكتيبة أن يستخدم على أشكال مختلفة سلطته تجاه الضابط الذي لم ينفذ أمر القتال، فأما أن يعيده إلى القتال أو يعزله من ألوظيفته، أو يحيله للمحكمة، أو يرميه بالرصاص"ص236، هناك مجموعة من العقوبات التي يتم معاقبة الجنود الهاربون من المعركة، وكلا منها يستخدم حسب الحالة المناسبة لها، فأما الإعدام أو الإرسال إلى القتال من جديد ليثبت انه قد تخلص من جبنه، أو بتنزيل رتبته، أو بتوبيخه أمام الجنود، وقد استخدم ماميش اوغلي كافة هذه العقوبات في الرواية، فكان أول عمل تطرق له الإعدام.
والحادثة الثانية كانت التعامل مع الهارب تتمثل بتوبيخه أمام الجنود، وإعطاءه فرصة ليكفر عن جرمه وذلك بالسماح له بالذهاب منفردا إلى الألمان، وها هو برودي الهارب يعود بعد أن استطاع أن يثبت لذته أولا وللقائد ثانيا انه لا يهاب الألمان ويستطيع لن يلحق بهم الخسائر ويوقع فيهم القتل، فيعود ومعه إثبات براءته" وبعد دقيقة فتح الباب، واقترب برودني نحو المائدة التي اجلس إليها، دون أن ينطق بكلمة، ضاغطا على شفتيه، ووضع بندقيتين رشاشتين ألمانيتين ودفترين من دفاتر الخدمة الألمانية، ورسائل وكراسة، ونقودا ورقية ومعدنية ألمانية"ص253، لقد تم التكفير عن جرم برودني وعدم اعدامه كما حصل لصاحبه سابقا، ونعتقد أن ماميش اوغلي ندم على عملية الإعدام الأولى باطنينا من هنا جاء عفوه، واستخدامه أسلوب آخر مع برودني التكفير ففي الحالة الأولى كان ماميش اوغلي على يقين بان الإعدام لم يكن لتنطبق عليه القوانين والأحكام العسكرية في تلك الحالة، كما أن الهارب أبدى من الندم ووعد بالتكفير عن جرمه، وكان الهارب حتى اللحظة الخيرة يقف أمام الجنود برجولة ورباطة جأش.
والحالة الثالثة التي تتطرق إليها الرواية هب العرب الجماعي للجنود،بحيث تكون الحالات الهاربة من المعركة ليس فردا بل جماعات من السرايا وحتى كتيبة، وهنا يتم التعامل مع هذه الحالة ضمن المصلحة التي تقتضيها الحرب، من هنا جاء الحكم على هذه المجموعة بازدرائها وعدم استقبالها
" وإذا بهم يركضون ورائي
أيها الرفيق الآمر... أيها الرفيق الآمر
ماذا تريدون؟
أيها الرفيق الآمر... خذنا معك أيها الرفيق الآمر
فأجبت
أوقفوا هذه الجلبة، هل سمعتم أمري؟ لن يدخل احد من الغرباء إلى موقع الكتيبة
أي غرباء نحن؟ إننا رجالكم، أيها الرفيق الآمر، انك تعرفني شخصيا، فانا بولزنوف، لقد تحدث الجنرال معي أمامك، هل تذكر؟
... وأنت؟ هربت
فقال بولزونوف في عبوس
لقد كنا هلكنا عبثنا... وليست ثمة رغبة أيها الرفيق الآمر في الموت عبثنا
وقال احد إلى جانبه بجرأة
والى أين كان يجب أن نذهل وقد ضربنا من الخلف؟ وهل كان علينا أن نجلس في أوكارنا وننتظر حتى يمعسنا؟ لهذا هربنا، أقول بصراحة: لقد هربت أنا أيضا ... ماذا كانت الفكرة؟ اليوم أنت تغلبني، وغدا أتمكن أنا منك... ونصفي حسابنا لن اذهب أيها الرفيق الآمر حيثما أشرت، سأبقى ولو وحدي، سأحارب حرب الأنصار ولو وحدي، أقول بصراحة: افعل بي ما تريد، ولكني لن اذهب"ص372و373، هذه الحالة خليط بين الالتزام الجامد بالأوامر وبالتعامل الدينميكي مع الواقع، فهؤلاء الجنود وجدوا أنفسهم أمام الموت المحتم، فقرروا الانسحاب، كانت التعليمات بعدم الانسحاب أو التراجع إلى الخلف، فوجدوا في تنفيذ هذا الآمر الموت بدون فائدة، ومع أنهم قاموا بما هو موضوعي في نظرهم وحسب ظرف المعركة، إلا أنهم يمثلون حالة الهرب ويجب التعامل معهم على أنهم هاربين، وبما أن حقيقة ليسوا كذلك فقط أبدى العزيمة على مقارعة الألمان ولو بشكل فردي، ولكن الحرب ليست أقوال جميلة بل أفعال وواقع ملموس، من هنا جاء تعامل ماميش اوغلي لهذه الطريقة
" أيها الرفيق الآمر، ثمة من هو أعلى مني رتبة
سنرى الرتب فيما بعد، أما الآن فلديكم جميعا رتبة واحدة هي: الهارب"ص374 كان الجمع بدون استثناء هاربين، وسيعاملون على أساس هذا الوضع، وعليهم إثبات إخلاصهم للجيش من خلال المهمات التي توكل إليهم، فالمعركة لا تعرف إلا الفعل والانجاز على ارض الواقع، فالشيء الوحيد الذي يبين الصادق من الهارب هو العمل
"وابلغ بولزونوف أن في الصف معه سبعة وثمانين محاربا ، قلت
غير محاربين، وإنما سلعة وثمانون هاربا، سلعة وثمانون دجاجة مبتلة، لن يكون لي معكم حديث طويل، لقد تباكيتم وقلتم خدنا معك، ولكن موسكو لا تثق بالدموع، ولا أثق بها أنا، إن أمري سيظل دون تغير: لن يدخل جبان واحد، لن يدخل هارب واحد الخط، إلى موقع الكتيبة، لن يدخل صفوفنا إلا محاربون، أما انتم فستذهبون إلى المكان الذي هربتم منه، ستذهبون الآن، وستعودون على جثث الأعداء، وعند ئذ سيكون الباب مفتوحا أمامكم، أعين القائد السياسي بوزجانوف آمر للوحدة، إلى اليمن در، ورائي سر"ص375، إننا أمام معادلة معقدة، فكل من لا يقوم بالعمل الموكل له سيقوم بعمل آخر إضافي، وهكذا تبدو المعادلة، فليس هناك مجال لترك عمل أوكل لأحد أبدا، وفي هذه الحالة أما الإعدام أو القيام بالعمل السابق وعمل آخر جديد إضافي، لا يقل خطورة عن الأول.
الرحمة والقسوة
للحرب عالم خاص بها تدفع الجميع مهاجمين ومدافعين إلى الفعل القاسي والوحشي، فعملية قتل الإنسان أن كان من الأعداء أم الأصدقاء " الهاربين" ليست سهلة أبدا، وأنها من اشد الأفعال صعوبة على كل كائن يحمل صفة الإنسان، وقد أوضح الكسندر ربيك أكثر من حالة في الرواية تم التعامل معها بقسوة شديدة، وما عملية الإعدام الأولى إلا احد تلك الأفعال القاسية، كما أن الرواية تذكر لنا بعض الأحداث عن عملية قتل الألمان وان جثثهم قد دوست بالأقدام وتحت الوحل والطين،فالحرب من أصعب الأفعال التي يقوم بها البشر، لان فيها فقدان لإنسانيتهم، وقد عالج الكسندر ربيك مسألة الرحمة والقسوة في الرواية ضمن المعركة التي خاضها ماميش اوغلي فكان يتبنى فلسفة خاصة به أثناء المعركة،ونحن لسنا حكاما لنقول إن أصاب أو أخطأ، ولكن من حقنا أن نقف عند ما كتبه الكسندر ربيك عن فلسفة الشفقة أو الرحمة" واقتضى الأمر أن اعزل الآمر السابق، لقد أطلق العنان للجند، لقد أشفق عليهم، غريب الأطوار، فالشفقة هنا تعني عدم الشفقة"ص187يخبرنا بانفيلوف أن الشفقة تعني في الحرب إلغائها تماما، فهي إن وجدت كانت الطاعون الذي يهلك بسببه الجنود والجيش، فيجب المعاملة بكل قسوة وشدة مع الجنود والأعداء معا، فليس هناك سوى القتل والتقتيل، وها وهو ماميش اوغلي يردد بكل وضوح هذه الفلسفة"إني آمر بان تقتل بلا إنذار كل جبان إذا هرب"ص412، هذه الشدة التي نمارس في الحرب، وهي التي تحمي الجنود وتحافظ على سلامتهم حسب رأي الكسندر ربيك فليس هناك متسع للتعامل بغير هذا الأسلوب القاسي والصارم مع ظروف الحرب.
فلسفة الإعدام
" لقد عضت والدي البدوي، مرة ، وهو في الصحراء، رتيلاء سامة، وكان وحده بين كثبان الرمل، ليس معه احد إلا الناقة، وكان يعرف أن سم هذه الرتيلاء مميت، فاخرج مديته وقطع قطعة من لحمه في المكان الذي عضته فيه الرتلاء.
وهكذا فعلت الآن أنا، إذ قطعت بمديتي قطعة من لحمي، إني إنسان، وقد صرخ كل ما كان في من إحساس بشرية، لا لزوم لذلك، ارحمه واعف عنه، ولكن لم اصفح، واني لآمر ، أي أب، وقد قتلت ابنا لي، ولكن كان يقف أمامي مئات الأبناء، لقد كان على أن أطبع بالدم في النفوس هذه الجملة: لا مكان للرحمة ولن يكون مكان للرحمة عندنا للخائن"ص62، لو طرحنا محاكة هذا الجندي أمام العامة سيتهمون ماميش اوغلي بالقتل، ولكن هو أعطانا المنطق الذي تعامل معه وفكر من خلاله، والحالة التي وضع فيها كآمر للكتيبة، فقد تعلم من بانفيلوف أن الرحمة تعني عدمها وإلغائها، وقد سرد لنا قصة والده في الصحراء مع الأفعى وكيف تعامل مع مكان السم، هو يعتقد أن الشدة هي وحدها سيدة الموقف في الحرب، وبدونها سيخسر المزيد من الجنود ثم المزيد من الأرض، فكان لا بد من إظهار واستخدام القسوة بهذه الكيفية وبهذا الظرف.
الموت والقتل
في الحرب هناك من يقتل وهناك من يقتل، وهناك من يريد الموت دفاعا عن الأرض، وهناك من يريد الموت في سبيل تحقيق النصر، ولكن الكسندر ربيك أعطانا معادلة جديدة لمسألة الموت والقتل والموت والانتصار " لني واثق أيها الرفيق الجنرال بان كتيبتي لن تنسحب وإنها قادرة إذا اقتضى الأمر أن تموت عند الخط، ولكن... فقاطعني بانفيلوف قائلا: لا تستعجل الموت، بل تعلم القتال"ص190، لقد أراد آمر الفرقة تعليم مفهوم القتال لماميش اوغلي بدل مفهوم الموت، فكان يريده أن بتعلم بان معرفة فنون الحرب والقتال سوف تبقيه حيا مع جنوده، وهي أفضل من الموت حتى لو كانت الدوافع نبيلة وشريفة، فليس المهم الموت، وإنما قتل الأعداء بطريقة صحيحة والحفاظ على النفس، وقد نطرق ناجي علوش لهذا الموقف عندما قال " ليس المهم أن تستشهد، بل الأهم أن تقوم بالعملية وتبقى حيا" فهي دعوة لكل من يريد أن يحقق أمر ما أن يقوم بإنجازه مع الحافظ على حياته، فالنجاح في المعركة يعني تحقيق المهام والحفاظ على النفس.
وأعاد الكسندر ربيك الحديث عن الموت فقال" مفهوم أيها الرفيق آمر الكتيبة يجب الوقوف حتى الموت..
كلا يا دونسكيج، لا يجب الوقوف بل العمل، أتحب المناورة، يجب الهجوم"ص211،فهنا توضيح بأنه يجب الاستعاضة عن الموت بطريقة أكثر فائدة وفاعلية، هي التعامل مع الظرف بحيوية وتفاعل وليس بجمود يشل الحركة ويمنع الفعل، فبدل البقاء حتى الموت يمكن استبدال ذلك بالحركة يمين، يسار، تحت، فوق،الهجوم بدل الدفاع،هذا هو الذي يحافظ على نجاح العمل ثم يحقق النصر، أما إذا أراد كل جندي الموت فلن يبقى من يقاتل في المعركة أو يصد العدو عن ارض الوطن، وجاء كلمات ماميش اوغلي للجنود تؤكد هذه الرؤية" عندما يظهرون يجب التصويب والتقتيل، فإذا لم نقتلهم قتلونا هم"ص288، خلاصة المعالة إما أن تكون قاتلا وإما أن تكون قتيلا، فعلى الجندي أن يكون قاتلا ليحقق النصر ويحمي نفيه ووطنه.
الجندي المبدئي
ليس كل الجنود مخلصين لقضيتهم بشكل متساوي، وحتى أن البعض غير مخلص لقضيته أصلا، فكما تحدث الكسندر ربيك عن الهاربين تحدث عن الجنود المبدئيين والصادقين مع أنفسهم قبل أن يكونوا صادقين مع قائدهم، وها هو ماميش اوغلي يتحدث من بانفيلوف عن تسلمه القيادة وعن عدم أهليته لهذه المهمة فيقول" واجبي أبها الرفيق الجنرال أن أكون شريفا، إني لا استطيع قيادة فوج المدفعية، إن تعلمي غير كاف"ص102، هذه إحدى سمات الجندي الذي يعرف إمكانياته ويريد أن بحفظ كرامته ويحفظ حياة الجنود الذين سيقودهم، فهذا العزوف عن المنصب رغم المكاسب الشخصية التي ستتحقق بصاحبها ، إلا أنها عند من يحترمون ذاتهم ليست بأهم من احترام الذات والصدق معها.
ويضيف ماميش اوغلي عن الصفات الحميدة للجندي المبدئي صفة الحياء، فبدون الحياء يصبح الإنسان وقحا شاذا،منه هنا يجب الإبقاء على الأخلاق والمثل الحميدة في نفوس الجنود وعدم جعلهم مجرد آلة للقتل لا تعرف سبيلا للمشاعر الإنسانية "الحياء..ز هل فكرت فيما هو الحياء؟ إذا قتل حياء الجندي في الحرب، إذا سكت في الجندي هذا الصوت الداخلي الرادع، فلن يمسك الجيش عند ئذ تدريب وانضباط"ص243 وهذه رسالة أخرى يقدمها الكسندر ربيك لنجاح الجنود في مهمتهم العسكرية، الأخلاق والحياء، وها هو الجندي شيلوف يفضل الحفاظ على العتاد الحربي على حياة" سألت: هل ذهب إلى المركز الطبي؟ هل العظم سليم؟
ومن يدري... المحاربون هم الذين ضمدوني والمدافع تركوها اللعنة على هذا كله كانت هذه أول شتيمة قوية تصدر من فم شيلوف أخيرا وحملوني أنا"ص243و244، مثل هذا الموقف النبيل ما كان ليكون لولا أن شيلوف يعلم أن المدافع هي أهم من حياته، لأنها تضرب الأعداء الذين جاءوا ليقتلوا ويسلبوا الوطن، فكان المدفع هو الشيء الأكثر فاعلية لصد الألمان وليس هو الإنسان، من هنا جاء اهتمامه بالمدفع على حساب ذاته؟
ومن المعاني السامية التي ذكرت في الرواية مقولة جاءت على لسان سوفوروف" إن الانتصارات السلة لا تغري قلب الروسي"ص386، هذه العبارة أيضا تبين أهمية بذل الجهد لتحقيق النصر، وان النصر الذي لا يكون ثمنه العمل الشاق والمضني لا يمكن أن يشبع الروسي، فهو لا يريد نصرا سهلا، يأتي بطريقة ما، لكن نصرا يجعل الروسي يحس ويتمتع بنشوة النصر، فكأننا هنا أمام دعوة لنكون محبين للعمل الشاق والصعب، لنحصل بعد ذلك على النشوة والفرح العظيم.
كما كانت كلمات ماميش اوغلي عن الأخطاء التي ارتكبها أثناء قيادته للكتيبة، تنم على صدقهم نفسه لولا ثم ومع جنوده" فالمذنب أنا ... ولقد خاطرت وأرسلت الرجال إلى المؤخرة العدو ليأتوا بقذائف ومدافع متروكة، ولقد جيء بالمدفع، ولكن الكتيبة انعزات وانقطعت صلتها... ليوبخني الناس على هذه الغلطة إذا كنت استحق"ص413.
دنيا الوطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.