لقد بدأ الحوار اليمني بعد أن سبقته مقدّمات تشير لشيخوخة النظام القائم واستحالة مسايرته لمتطلبات المرحلة القادمة محليا واقليمياُ ودولياً ، والجديد في هذا الانتقال أن يأتي سلمياً، وإن سبقت ذلك سيول من الدماء ، لكن ما جرى حتى الآن أن النظام لم يفقد إلا رأسه ، فقط وتسعى قوى نفوذ النظام لإحلال رأس بديل من بين رؤوس النظام القديم المتعددة ... فهل ينجح المتحاورون في الانتقال السلمي الى بناء الدولة التي لا زالت غائبة في اليمن " الشمال " ؟؟ الجديد في الحوار ايضاً أن يلتقي فيه مختلف الأطياف ويعبرون كلً عن ما يراه وما يطمح لتحقيقه دون خوف " بمعنى آخر" أن يتقاتل الجميع بقوّة الكلمة والحجّه ويخرجون من القاعة يد بيداً .. هذا الحوار الجاري تحت الإشراف والتوجيه الإقليمي والدولي ربما يأتي بحل لقضية الشمال بكل مناطقها وهذا يعتبر بزوغ مرحلة جديدة تبشّر بقبول التنوع وبناء نظام الدولة المركّبة في الشمال ... لكن قضية الجنوب مختلفة ولن تحل وفقاً لقواعد هذا الحوار .. هذا الاختلاف الذي لم نرى اعتراف به في هذا الحوار من قبل كل أطياف الشريك " الشمالي " عدى المطالبة بإعادة الحقوق المنهوبة للجنوبيين في ظل تمترس القوى النافذة الشمالية التي لازالت تتحكم في مجريات الأحداث .. نحن في الجنوب نريد من إخواننا في الشمال قوى نافذة وقوى معارضة وغيرها من القوى الفاعلة الشمالية التي تتفق كلها في مواجهة الجنوب بموقف موحد .. نريد من هذه القوى إن ارادت حلول سلمية أن تعترف بأن وحدة مايو90م جرت بين دولتين في ذلك الوقت وأن الوضع القائم قد نشأ عن حرب على الجنوب جاءت قبل أن تتوحد الدولتين بمؤسساتها وقوانينها ..
ليعاد بعد الانتصار في 94م العمل بقوانين ومؤسسات الجمهورية العربية اليمنية، وبالتالي فإن مناقشة القضية الجنوبية تحتاج إلى اعتراف الأخوة الشماليين بأن حلها ينبغي أن يأتي بنفس الطريقة التي أتت بها الوحدة مع الجنوب ( حوار ندّي ) .. أما الإصرار الذي يتفق عليه الشماليون بكل اطيافهم ومناطقهم بالتعامل مع الوحدة (عودة فرع لأصل) ومناقشة قضية الجنوب في إطار حوار شامل مثلها مثل بقية قضايا الشمال ، فإن هذا الموقف يزيد من خوف الجنوبيين وإصرارهم ليس فقط على إعادة بناء الدولة المستقلّة في الجنوب بل ايضاً بتغيير الهوية السياسية للجنوبيين ، والفضل في وصول الجنوبيين إلى هذا الأمر هو تعصّب الشماليون دون استثناء تجاه الجنوب والجنوبيين ، إن موقف الطيف الشمالي دون استثناء في حوار اليوم يؤكد مواصلتهم للعمل بعقلية النظام المراد تغييره ، هذه العقلية التي لا ترى من الوحدة مع الجنوب غير مشروع للفوز بالغنيمة ...
الشارع الجنوبي اليوم مقتنع بأن الشماليين لا يرون في الوحدة مع الجنوب غير تحقيق أطماع في الأرض والثروة وتوسيع النفوذ ، الذي عجز نظام الإمامة في تحقيقه بحروبه التي لم يأخذ فيها من الجنوب غير سلطنة الرصّاص واجزاء أخرى .. في هذا الظرف على الشماليين أن يغيروا من مواقفهم تجاه قضية الجنوب إن أرادوا بناء جسور جديدة للتواصل مع الجنوبيين مستقبلاً ، هناك قناعة راسخة عمّت الشارع الجنوبي ترفض استمرار الوحدة ولا أعتقد أن الشماليين أو حتى الإقليم والعالم سيفرض على الجنوبيين استمرار الوحدة بالقوة وينكرون عليهم خيارهم في تقرير مصيرهم .
فهل يستخدم الأخوة الشماليين ( الحكمة اليمانية ) ويسارعوا إلى الاستجابة لمطالب الجنوبيين قبل أن تستجيب لها دول المبادرة والدول الراعية ؟؟ سنرى ما يدّعيه اليمنيون من أن الحديث الشريف " الإيمان يمان والحكمة يمانية " هم المقصودين به ، ستتجلى حكمتهم في الموقف من القضية الجنوبية ، إن الأطماع التي ظهرت جلياً في سلوك ومواقف الشماليين دون استثناء قد رأى فيها الجنوبيون تهديداً جدي لمصير الأجيال القادمة من أبناء الجنوب ، الأمر الذي وحّد موقفهم الرافض للوحدة والهوية اليمنية .. فهل يستطيع الشماليون بالحكمة تغيير هذا الموقف الجنوبي ؟؟ هذا ما سنراه في المستقبل القريب.