يرى العديد من الفلاسفة بأن أرتقاء الدول وهبوطها يتوقف على ركنين اساسيين هما "حكمة الحاكم وطاعة المحكومين" ولكننا نرى بأن في الأنظمة الديمقراطية أرتقاء الدول يتوقف على مستوى وعي الشعب وثقافته السياسية لأن الشعب هو الذي ينتخب الحاكم وبرنامجه السياسي فإذا كان الشعب يطلب البناء فسينتخب الخبراء والتكنوقراط وإذا كان الشعب طائفي سينتخب حكومة طائفية همها الحروب والتفرقة وهكذا تكون الحكومة تبع لوعي وأنتخاب الشعب، لذلك فمن أسباب المشكلة السياسية في دولنا العربية هي ثقافة الشعوب وعدم وعيها للنظام الديمقراطي وسنسرد هنا بعض الملاحظات على الثقافة السائدة في شعوبنا العربية التي تتحكم في المجال السياسي اولها الثقافة العشائرية وهي عبارة عن طبقة كبيرة من أبناء المجتمع يحملون الثقافة القبلية ونظرة العصبية لأبناء العشيرة ونصرتهم في الحق والباطل، والوقوف الى جانبهم في كل الإستحقاقات السياسية حتى وان كانوا غير مؤهلين وليست لديهم الكفاءة لإدارة المسؤوليات، بعد ذلك تاتي الثقافة القومية وغالبية الشعوب العربية يحملون ثقافة تعصب جهوية ومناطقية وعنصرية لبعضهم البعض العرب للعرب ولا ينظرون في الإستحقاقات السياسية لتزكية الشخص الأصلح مهما كانت قوميته وهذه الثقافة جعلت من البلدان العربية بؤر للصراع والتناحر وكل فصيل او جهة تسعى للحصول على قرارها السياسي والسيادي المنفصل لتكون الفدرالية هي المشروع الأنسب في مثل هذه الحالة، ثم تاتي الثقافة المذهبية حيث ان الشعوب العربية وعبر تاريخها الطويل تتكون من عدد من الطوائف الدينية اهمها الشيعة والسنة وما يدور من خلاف بين هذه الطوائف يلقي بظلال تأثيره على الأمور الأخرى، بعد ذلك تاتي الثقافة الدينية التي جعلت معظم الشعوب العربية تنخدع في اتباع بعض الأحزاب التي تدعى بالإسلامية بينما هي في حقيقة الأمر لا تلتزم بتنفيذ الشرع ولا تطبق النظام الإسلامي بحذافيره، ثم ياتي الجهل والتخلف وهذه السمة تنتشر بين أبناء الشعوب العربية بشكل كبير الأمر الذي جعل منهم فريسة سهلة الأصطياد من قبل شخصيات ماكرة وخادعة تتخذهم سلماً للوصول على الغايات والمآرب والإهداف السياسية، كما ان أنعدام الثقافة السياسية لدى غالبية الشعوب العربية التي لا يمتلك معظم سكانها ابجديات العمل السياسي حتى ان البعض منهم والى اليوم لا يعرف ما هو معنى (المصلحة الوطنية) وكيف ينتخب او يزكى الأصلح، ثم ياتي أنعدام الشعور بالمسؤولية فمن طبيعة الإنسان العربي أنه يرغب بالتغيير ولكنه يريد أن يأتي التغيير من غيره، فالإتكالية هي سمة سائدة عند معظم الشعوب العربية وهي سمة لم تسهم عبر التأريخ قط في تغيير نظام أو اسقاط طاغوت وظالم، بعد ذلك ياتي أنعدام ثقافة المحاسبة حيث تتمتع شعوبنا العربية بقابلية الصبر على الظلم وسلب الحقوق ولا توجد لدينا ثقافة محاسبة الفاسدين والفاشلين واللصوص بل أننا نجدد ثقتنا بهم مرات ومرات ولا نعتبر او نأخذ الدرس والعظة مما سلف ليعاد تدوير المفسيدن والفاشلين في مناصب السلطة ما دام لا يوجد حسيب او رقيب عليهم. لذلك فانه ومن اهم الحلول الاستراتيجية الثقافية التي يجب العمل بها للخروج من هذه الدوائر المظلمة اولاً تنمية الهوية الوطنية بحيث يلزم أن يشعر جميع ابناء الشعب في اية دولة عربية بهوية أنتمائهم للوطن رغم وجود الثقافات والقوميات والطوائف الدينية المتعددة، كما يلزم أن تكون الهوية الوطنية هي الخيمة التي يجتمع الجميع تحت ظلها ويفتخرون بالإنتماء لها ويقدمون المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة، ثانياً يجب تقليص الثقافة العشائرية بين اوساط الشعوب حيث يلزم أن تكون ثقافة الإنتماء الى العشيرة في ضمن حفظ الأنساب وصلة الأرحام وليس أكثر من ذلك، وأن يكون منصب شيخ القبيلة او العشيرة منصب تشريفي اجتماعي وليس صفة سياسية تخول لصاحبها اخذ الصلاحيات الدبلوماسية والدستورية والقضائية والحكومية، وعلى ابناء الشعب في كل قطر عربي اللجؤ الى السلطات الرسمية فقط لحل مشكلاتهم وأخذ حقوقهم ما دامت هناك جهات عادلة لا يضيع فيها حق لطالبه، ثالثاً السيطرة على القومية حيث يلزم أن يكون الإنتماء القومي ضمن التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد من أجل تكامله وتعدد مواهبه ولغاته، وليس من أجل العنصرية والمناطقية وعلى السلطات أعطاء حقوق القوميات والتشجيع على التلاقح والتبادل الفكري بينها ومحاربة مثيري النعرات والدعوات القومية وعدم السماح لهم بالتفكير في تمزيق اوصال الوطن الواحد، رابعاً السيطرة على الطائفية حيث يلزم أن يكون الإنتماء الطائفي ضمن حدوده المعقولة التي تندرج في حرية العقيدة وممارسة شعائرها وطقوسها بعيداً عن الغلو والتطرف، خامساً نشر ثقافة التعايش السلمي حيث يلزم أن تكون ثقافة المجتع الواحد تبتني على قبول التعدد الثقافي والأعتدال وعدم الأفراط والتفريط وإعطاء الحصانة للدماء والأموال والعقائد والأفكار والآراء والأتجاهات السياسية للأطراف الأخرى فلا يحق التقاتل لمجرد الأختلاف في الأراء والمتبنيات والمعتقدات، بل أن الأختلاف في وجهات النظر تنمي البحث وتزهر المعرفة وتلاقحها يثمر في الوصول الى الحقيقة وإصابة الهدف وملامسة الواقع، سادساً نشر ثقافة القرآن والإسلام بحيث يلزم أن يكون المجتمع ذو الغالبية المسلمة يبتني على مرتكزات الثقافة الإسلامية بأعتبار أن القرآن كلام الخالق فوق كلام المخلوقين ويشتمل على مناهج الحياة في القانون والسياسة والاقتصاد والمجتمع والنفس والأخلاق وكل ما يحتاجه البشر في حياتهم والأبتعاد عن الثقافات الجاهلية والشرقية والغربية الدخيلة والشاذة، سابعاً نشر الوعي السياسي حيث يلزم أن يكون المجتمع محصن بالثقافة السياسية التي تجعله يعرف القواعد والقوانين الأساسية للمسائل الداخلية والعلاقات الدولية ويستطيع أن يعرف أعدائه وأصدقائه ويشخص المصالح الوطنية بسهولة وكيف يختار الصالحين لتقلد سلطاته التشريعية والتنفيذية ويحمي الوطن من المؤامرات والفتن الداخلية والخارجية، ثامناً نشر ثقافة الحرية السياسية حيث يلزم أن تكون الثقافة الشعبية مبنية على تحمل المسؤولية تجاه الدولة والقضايا العامة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته"، فيلزم على ابناء الشعوب مراقبة حكوماتهم دائماً ومزاولة حقهم في التظاهر والأعتراض على القررات الحكومية الفاسدة التي يكون فيها التعدي على الحقوق او التقصير في انجاز الخدمات الحيوية والضرورية.
فما تمر به البلدان العربية اليوم من أزمات سياسية متعاقبة تعصف بها ما هي إلا جزء يسير من المشكلة الإساسية وهي ثقافة المجتمعات العربية، ومن أجل الخروج من هذه الدوائر الضيقة والأزمات المتلاحقة يجب إعادة صياغة بعض الأمور الثقافية وجعلها كاستراتيجية مهمة وقاعدة صلبة للسلطات الحاكمة تبنى عليها زوايا واركان تثقيف شعوبها المتخلفة وجعلها من اولويات برامجها العملية في الإعلام والمناهج الدراسية حتى تخرج هذه البلدان من حالة الدوران في حلقة الأزمات المتكررة.