حينما تتغلب البندقية على لغة السلام، تغدو الحرب مفتوحةً بلا أفق، وهدفًا بلا غاية، حربٌ من أجل الحرب، ومعركةٌ بلا قرار، يهتم ممولوها بشعارات أكثر حميمة لتصدير الشباب إلى الجبهات. هذا حال الضالع اليوم، تغتسل بالبارود كل نهار، وتصافح الموت عند كل غبش، يقاتل المقاوم هنا ولا يعرف قواعد الاشتباك الحديثة، ولا شفرات التباب المسالمة، يحمل كومةً من جسده الطري على ظهره ليتمترس به في خطوط النار الملتهبة، ويواجه الرصاص بروح منكشفة، كما لو أنه في معزلٍ تام عن أحاديث الجبهات اللزجة في أرض الله، تلك التي تصالحت مع الجميع وتنكرت لنا...! تخوض الضالع صراعًا أحاديًا مرعبًا مع الحوثيين كل يوم، تقفُ وحيدةً في مواجهة قوى الهضبة الشمالية مجتمعة، في معركة حقيقية، يصعب على ممثلي البوليود تنميط أداءها في مسرحية عابرة. هنا، يمسك المقاتل بالبندقية، وكأن عليه وحده أن يجتثَّ الحوثيين، أو يبيدهم، يدفع ضريبة باهضة الثمن كل يوم، يصنع البطولة بدمه، وتغادر روحه إلى السماء، ثم يأتوا من بعده للتغني بالبطولة، بكل بساطة كما لو أن هذا المقاوم ذهب نُزهة إلى السماء وسيعود نهاية الأسبوع ممتلئًا بالبهجة والدهشة إلى أبنائه وزوجته، يفعل المقاوم كل ذلك دون وعي بخطورة الاستهلاك البشري الفائر على ذاته، وعلى مستقبله المذرور في الجبال، ودمه المسكوب في الشعاب المفتوحة، يقاتل بحماسة اللحظة الأولى لمجيء التحالف، في حين قد تفلّتتْ كل القوى المحلية عن مجابهة آلة الموت الحوثية، وذهبت للسلام معها، ولم تتأخر المملكة في فعل ذلك، بل سارعت مبكرًا، وصنعت سلامًا لمنشآتها الحيوية، وبقيت الضالع وحدها تواجه الموت بمجهود ذاتي، دون أدنى مساندة من أحد، بل حتى طيران المملكة قد تفسّخ عن أداء مهامه هنا منذ أكثر من ثمانية أشهر..! نحن نتألم، نكره البندقية، لا نحب الموت، المقاوم الملتصق بخطوط النار المتقدمة يبغض الحرب، يريدها أن تنتهي، كان السلام وما زال هو هدفه المنشود، ذلك المقاتل الذي يحرس المدينة في "الجُبًِ" وأطراف "الفاخر"؛ هو يطلق النار دفاعًا عن السلام، وليس هوسًا في الحرب والموت أيها القادة المنفلتون، يا من تعيشون في الظل أنتم وحاشيتكم، وتسعدون برؤية هذا التجريف الممنهج للإنسان في مدينتكم...! عظمة القيادة تكمن في قدرتها على خلق حياة لمدينتها من قلب الموت، في تجنيب المدينة الدمار، وأرواح المزيد من الأطفال جراء الصواريخ، وكثيرًا من الرجال بفعل المواجهة المباشرة، إلا أن الطوباويين الصاعدين في المسئولية اليوم، يسرفون في تمني إطالة عمر الحرب، ولم يحاولوا قط التقاط أي فرصة للسلام، والتي تتمثل بالوقوف بالنار ومد يد السلام معًا للحوثين، ونعيش بسلام مثلنا كباقي المدن...! حين ننادي بحوار مع الحوثيين لإيقاف الحرب اليوم، فهذا لا يعدُّ خيانةً للقضية، ولا تراجعنا عن مقاومتهم، أو تخلينا عن الوقوف ضدهم إذا ما حاولوا المساس بحياضنا، هو فقط إعادة تأكيد على الهدف الأصلي للحرب المتمثل في تحقيق السلام، وأننا مستعدون لوقف قتالهم حالما استعدوا لوقف معركتهم ضدنا، وأذعنوا للسلام معنا..! هذا هو جوهر الدعوة للحوار مع الجماعة، بصرف النظر عن امكانية تحقق تلك الدعوة من عدمه، فهو بالأخير يظل موقفنا المبدئي المعبر عن نزوعنا للسلام، وتأكيد أننا لم نذهب لهذه الحرب الأخيرة بإرادتنا، وإنما فُرضت علينا قسرًا، وخضناها للضرورة، وليس لنا في الموت مكسب ولا طمع، فالحرب ليست هدفاً بحدّ ذاتها، ولسنا هواةً للدم أو عشّاقًا للبندقية.