عجزت قيادات الحراك وكافة السياسيين والنشطاء - رغم الحشود المليونية التي كررها الشارع الجنوبي خمس مرات متتالية - من توصيل رسالة القضية الجنوبية للعالم.. وبكلماته البسيطة وصوته الشجي وأدائه المتميز استطاع عبود خواجة وحده إيصال صوت الجنوب الحر وقضيته لكل من تجنب سماعها ولعل الكثير منهم كانوا يغنون "اليوم يا شعب الجنوب انزع حقك وجهز للعمل زانه، نعيد دولة والعلم يرفع من فوق صيرة يوم إعلانه"..
صوتك ثورة يا عبود خواجة وأغانيك ثورة هي وحدها من تلهب حماس الجماهير وتقودهم دون ما شعور إلى الميادين لمواصلة نضالهم حتى نيل الحرية وما أروعك وأنت تنقل رسالة الشعب المقهور بكل حرقة "تسريح قادة جيشنا كانت نهاية غشنا، حتى بمصدر عيشنا والرزق سديتوا الخناق".
وعن محاولة تكميم أفواهنا مع انطلاق بداية حراكنا السلمي يقول خواجة "أصواتنا قالوا رصاص ردوا عليها بالقصاص الغدر أسلوب الرخاص" ومن حينها والشعب يغني رداً على رصاصهم "لا عاد ابا وحدة ولا أنا وحدوي" والأغنية التي تعمدت ساحات التغيير ترديدها "والله ورب العرش ما نخضع للطاغية الفاسد وأعوانه" دون أن تكمل باقي الأبيات التي تخص الجنوب، أكدت للجميع أن ثورة الشمال كان ثورة العائلة الحمراء التي تتقاتل على الجنوب وفهمت حينها أنه في عهد ثورتهم سيظل الجنوب وصوته مستبعدين وإن تغنوا بالحرية وبالتغيير.
ذات صباح لم تشرق شمسه.. ولم يغادر ذاكرتي كان صوت المؤذن للصلاة لم يحن، وهناك كان الصوت يجلجل عبر مكبر صوت - حي على الجنوب - يسبح للحرية ويوقظ كل عشاقها.. "شف صاحبي جف ريقه واحنا دمانا تراب" وما هي إلا لحظات والعشرات من أبناء منطقتي الصغيرة يتهافتون للوصول إلى ظهر سيارة العم يوسف التي تقضي ما تبقى من عمرها في خدمة وطني "المحتل" كقلبي.
قريتي الصغيرة التي تبعد الكيلومترات عن مركز المديرية "الشعيب" كنا نسابق الشمس قبل طلوعها للوصول إلى الضالع عبر طريق جبلية وعرة وقبل البدء بدق طبول فعاليتنا التحررية وقبل احتشاد الأحرار لتشيع جنازة "الوحدة المغدور بها من الخلف" كلنا كنا نسمع عبود خواجة يدندن للكرامة والآلاف من الحناجر تكررها بعده "واليوم ماتت عظم الله أجركم يا ذي قتلتوها ادفنوها وسط طين".
وعن وحدة سبعة سبعة تقول الأبيات التي يغنيها خواجة: "ودي الوحدة شطبها الخيل واكتاست كلع، وحدة بدبابات محنا شي بها راضين ويا درعان هذا العام يحنق من حنق اما انتصرنا ولا دخلنا الصوملة الاثنين" رسالة من رسائل خواجة المختصرة لا تحتاج للكثير من الإيضاحات ومن لم يفهمها حتى الآن لن يفهمها بعد ذلك.
يمكنني الاستغناء عن خطابات البيض وباعوم، عن كلمات شلال علي شائع وعن سماع الشيخ بن شعيب وغيرهم الكثير والذين لم أعد أتذكر كلمة واحدة من كلماتهم التي نسمعها كثيراً.. ولكن لا يمكنني التخلي عن سماع الربان خواجة يوماً واحداً حين يصدح ومليونية (القرار..) تكررها بعده "أما استعدنا الكرامة أو موت وسط الميادين".
نحتاج لوطن يغني له منذ زمن عبود خواجة، ونفتقد أكثر لقيادات تشبهه حين يتحدث عن الجنوب فقط ويصمت حينما يتحدثون عن المناصب والزعامات والألقاب.. نحتاج حقاً لعبود آخر يعلمهم كيف يغنون لأجلنا ويقدرون تضحيات شعبنا ويمتنعون عن الحماقات التي تستعدي مسيرتنا النضالية وتصيبها بالخجل حينما يكثر الحديث عن ال"أنا".
تحرير العقول والقلوب أولاً والكف عن استغلالنا قبل "الاستقلال" مهم جداً ومن يتقنون فقط منح صكوك الوطنية لمن يريدون ونزعها ممن لا يروقون لتوجهاتهم "الوحدوية" يجب عليهم التوقف عن تعكير جونا المفعم بالثورة وبعبود الذي يختمها .. فوطن الرأي الواحد قد انتهى وغدا سينتصر الوطن الذي يناضل من أجله خواجة لسان حال شعبنا الموجوع مرتين، ويبتسم ويعود له الأمل ويشتعل من جديد وصوته من بعيد يردد "عدن يا رمز عزتنا سنبقى للأبد نهواك".وبعد كل هذا "ملعون من غذى الفتن او لنا استغل وملعون من يكذب علينا وهو عميل "..