انطوت أيام شهر رمضان المبارك سريعا كما أعتدنا على ذلك في كل عام، ولكن شهر رمضان هذا العام شابت أجواءه موجة حزن واضح خيم على سكان عدن، وذلك بسبب ازدياد عدد الوفيات وبشكل كبير نتيجة انتشار الحميات، ولم تكن الحميات السبب الوحيد في زيادة الوفيات وخاصة إنها كانت منتشرة قبل حلول شهر رمضان، ولكن يبدو أن الأمر أخطر وهو بدء انتشار جائحة كورونا في عدن، فمن المؤكد أن لهذا الفيروس دور بارز في زيادة الوفيات. بالرغم من أعلان الجهات الرسمية في عدن عن وجود إصابات بفيروس كورونا، ومع ذلك، لا يزال الغموض يكتنف أخبار هذا الوباء، كما لم تولِ السلطة في عدن هذا الوباء الأهمية اللأزمة، ولم يتعامل جهازها الإعلامي بشفافية ويعلن إحصائيات حقيقية لعدد الإصابات والموتى، ربما يعود ذلك لضعف الامكانيات، وعدم إستطاعة الجهات المسؤولة على إدارة هذه الازمة الصحية الخطيرة والسيطرة على الوباء.
غير أن هناك معاناة أخرى واجهها سكان عدن في شهر رمضان وكانت ناتجة عن ضعف الخدمات الضرورية وعلى وجه الخصوص الكهرباء والماء، فانقطاعات التيار لكهربائي زادت حدتها وبشكل لا يطاق تحمله في جو عدن الحار، وقد حدث في بعض ايام شهر رمضان، إرتفاع غير معقول لساعات انقطاع الكهرباء المتواصلة حيث بلغت أكثر من ساعات الصيام فيعود التيار لساعتين فقط، وليت عودته تتساوى بساعات الإفطار !، فهذه عقوبة جماعية في جو عدن الحار والخانق، وهل هدف السلطة دفع الناس للنوم على رصيف الشارع؟!، بينما تحض سلطات مختلف دول العالم مواطنيها على البقاء في المنزل، من أجل تفادي انتشار وباء كورونا!.
سارت أيام الشهر الفضيل بسكان عدن في طريق موحش على أحد جانبيه عذاب الكهرباء والماء وفي الجانب الأخر كابوس الحميات وفيروس كورونا، وبالصبر والايمان والتوجه لرب العالمين طلبا للعفو والعتق من النار، استطاع الناس كعادتهم تحمّل تلك الاعباء والمحن وتجاوزها وإستقبال عيد الفطر المبارك على أمل اقتراب الفرج.
واقبل عيد الفطر المبارك، بطابع مختلف عن بقية الأعياد التي مرت علينا ولعقود طويلة من الزمن، فالبهجة تاهت والفرحة مهما حاول الناس اصطناعها فهناك غصة في الصدور تطردها، ولا تسمح لها بالبقاء فعقوبات الكهرباء والماء تجددت وحرارة الصيف اشتدت والجائحة التي خنقت العالم، منعت زيارات ولقاءات العيد وأفقدته طعمه ونكهته المعتادة.
تكبيرات العيد هي اول فرحة للصائم، والذي ترددها المساجد بعد الافطار في آخر يوم من ايام شهر رمضان، فهي فرحة بقدوم العيد مصحوبة برجاء تقبل الله الصيام والطاعات، ومع ذلك يهفو لسماع تكبيرات العيد الصغير والكبير، فلها في النفوس معان عديدة، ولكنها في هذا العيد فقدت معانيها، بفقدان نغمتها المطبوعة في الوجدان، فانطلاق صوت التكبيرات عبر مكبرات المسجد المغلق الفاقد لحيوية وصدى المصليين، جعل الصوت خافتا مهما ارتفعت شدته، لإنه فاقد للإهابة، وهذا ما لمسته شخصياً، فالمسجد القريب من مسكني، مسجد النصر، كان قد اغلق ابوابه في الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك، وفقدنا بإغلاقه أيضاً أجر صلاة الجماعة، وقد أتخذ القائمون على المسجد ذلك الإجراء، من باب الحرص على سلامة المصليين، بعد ارتفاع أعداد الموتى في محافظة عدن ورحيل عدد من رواد هذا المسجد خلال فترة وجيزة وبصورة محيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.