سمعت الشوق – آه – آه – آه – الشوق يناديني من الهاتف – أيوه – لا والله مش عارف .. !! – ( ترن – ترن – ترن ) – ألو من معاي – ( ..... ) ..!! – نعم معاك – ( ..... ) ..!! – حوّل - رقم ما زالت آذاني مشنفة لسماع رناته منذ نعومة أظافري أيام الصباء وحتى اللحظة في الحلم واليقظة , رقم أكن له كل الحب والعشق حتى الثماله ومن المهد وحتى اللحد, حقاً أنه رقم سينفوني يعزفُ لحناً طربياً جميلاً يثلج الصدور ويطرب القلوب معاً , رقم يشع بالحياة وينبض بالدفئ , رقم ذات دلالات ومعاني من الأيام الخوالي , أيام الصولات والجولات والبطولات أيام صناديد الرجال الأشاوس الأبطال عندما كان يهابها الأعداء و يحترمنا الأصدقاء , معه وبه تعود بناء الذاكرة إلى أيام العزة والكرامة والسيادة والشموخ والإباء , أيام الأفراح والليالي الملاح , أيام سيادة دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية بين أبنائها قولاً وفعلاً نظرياً وعملياً , حقاً وعدلاً أيام دولة الخير والحق والعدل والجمال والعطاء والمساواة دولة لا يوجد فيها تمايز مناطقي وعرقي ووظيفي هذا وزير وهذا غفير , هذا قبيلي وهذا دوشان – ( ضعيف ) – هذا عبد وهذا سيد , هذا من أبناء الذوات وهذا من أبناء الحشم والخدم – ( خضعي ) – من الإسكافية والعتالين , هذا أبن الأفندم وهذا أبن الشاويش , دولة خيراتها وبركاتها لكل أبناء الوطن من أدناه إلى أقصاه من عدن شرقاً إلى حوف وجاذب غرباً الكل يحصل على حقوقه المشروعة على – ( داير مليم )- دون متابعة ولا مشارعة , الكل ينال مستحقاته بمقاس المسطرة تصله إلى موقع عمله أينما كان وفي أية موقع وفي وقتها لم يشد يوماً أحد قط الرحال إلى العاصمة عدن للمطالبة والمشارعة على الحقوق كما هو حال هذا الزمن الاستثنائي – ( الأغبر والأحمر والأدبر ) – الردي الذي يتطلب فيه من الموظف البسيط ربط الأحزمة وشد الرحال على كل صغيرة وكبيرة , لقد كانت حقاً دولة الجنوب دولة مواطنة متساوية وعاصمة حنون وعطوف على كل أبنائها ليس فيها من يتضور جوعاً ويقتات مما ليس يؤكل من الزبالات والقمامات , ليس فيها من يمارس النصب والخداع والغش والاحتيال كما هوحال اليوم الذي اضحت فيه ممارسات وأفعال كهذه تعد جزء من قيم الرجولة والبطولة بفعل سيادة أعراف القرون الوسطى العابرة للحدود أعراف العصر – ( الجرياسي والطباشيري ) – لا يوجد داخل مدنها وشوارعها وقراها شحات ومتسول واحد يشحت الشارد والوارد بلغة شي لله يا محسنين أو بلهجة يافندم عشرة حق – ( إمغدا ) – ( الله يلبسك الزنة ويدخلك الجنة ) – ولا بلغة ونبرة يا عاصي والديك هات أجرة الطقم وأتعاب الفنادم وحق الحفاظة , لا يوجد زنديق واحد داخل قراها ومدنها يظهر الإيمان ويبطن الكفر على طريقة زنادقة وهطارقة اليوم ممن يركبون أبو – ( تبه ) – ويلبسون العسيب والجبة , لا يوجد متنفذين وحرامية ونهابين داخل مرافق الدولة ومؤسساتها , لا يوجد راشي ومرتشي وما بينهما الرائش – ( الثلاثة الملاعين ) – هكذا كانت عدن خصوصاً والجنوب عموماً للجميع ومن أجل الجميع الكل يأكل من عرق الجبين – ( حلالاً بلالاً ) – هكذا كانت الغناء والحباء عروس البحر الأحمر وتاج ودرة الجزيرة العربية عدن الحاضرة والحاضنة والحضن الدافئ , عدن الطفولة والصبا والشباب والحياة العملية المثمرة عدن جبل شمسان وساحل العشاق , عدن جولد مور ورماله الذهبية الناعمة , عدن قلعة صيرة والهاشمي وحافة حسين والغدير , عدن رائحة الفل والكاذي والمشموم والياسمين والبخور اللحجي عبق الرائحة , هكذا كانت عدن بهوائها العليل وظلها الظليل وسحرها الجميل ونسيمها العليل الأخاذ أنها حضارة أوسان وصهاريج الطويلة أنها عبق التاريخ , أنها دياري ومهد جدي وأبي إنها – ( جنة عدن ) – هكذا كانت العاصمة عدن – ( كل شي معقول كل شي مقبول .. إلا فراقك ياعدن ) – ( يا طائرة طيري على بندر عدن .. زاد الهوى زاد النوى زاد الشجن ) – وماذا أحدثك عن صنعاء يا أبتي .. مليحة عاشقاها السل والجربِ ) – ستظل عزبة وقرية , إقطاعية ومربعات أمنية مهما تطاول فيها البنيان , ستظل عاصمة للفيد والقيد , ستظل وكراً للأجرام والغدر والمكر والخديعة , ستظل ما خور للفساد والإفساد والغش والزيف والنصب والدجل والشعبذة والشعبية والاحتيال , ستظل صنعاء الكهف والتي ما زالت كهفاً تغط في سبات كهف أهل الكهف والرقيم فيها العجب العجاب , ستظل صنعاء متمترسة غارقة في دياجير الظلام وغياهب التخلّف والانحطاط حتى يقرع طبل النحاس وينفخ أسرافيل بوق الحشر والنشر وتقوم القيامة , عالم اليوم أضحى قرية كونية بفعل التقدم العلمي والتكنولوجي وثورة المعلومات في زمن القرن الواحد والعشرون وصنعاء ستظل – ( قرية ) – ولكنها الكون بحاله وبرغم أنها تصدح صباحاً ومساء بشعاراتها الثورية المجلجلة والمدوية كهزيم الرعد وتدندن بخطابها الثوري والتعبوي من الساعة إلى قيام الساعة – ( الله الوطن , الثورة الجمهورية , الوحدة الزلط ) – لكنها تبقى صنعاء الظلم والظُلمات حتى عقر قوائم آخر بعير ونحر آخر ثور وذبح آخر كبش ونتف ريش آخر دجاجة حبلى وديك أعور وحتى التهام آخر – ( كدمة ) – وقرص – ( ملوج ) – وقصعة – ( حلبه )- ومطيبة – ( فحسة ) – وحرضة – ( سلته ) – وحتى آخر – ( فشنكه ) – وآخر طلقة من بندق قبيلي نافذ وأحمر عين وحتى آخر قطرة دم , سيظلون يقرعون الطبول ويذبحون العجول وينفخون في البورزانات على هواجل وزوامل – ( تربتي كلها ذهب .. وأنا صانع العجب ) – ( والباله والليلة الباله .. ) – هكذا سيظلون – ( العالم يخترعون وهم يبترعون ) – فما بال حال اليوم يا عدن ؟ !! – كيف كنتي بالأمس وما ذا أنتي عليه اليوم ؟! – كانت عدن بالأمس مركز إشعاع حضاري وفكري وفناراً ومناراً للعلم وقبلة للزائرين والوافدين من كل الأطياف والأعراق والأجناس عرباً وعجماً أيام – ( مجد أمه وتاريخ شعب ) – أيام النضال المجيد والكفاح العنيد , أيام الخلق والإبداع والعلم والعمل برغم – ( بدالتها المتواضعة ) – اليوم عدن تفوح من شوارعها رائحة الموت ونتانة القمامة المقززة والمقرفة ورائحة الجيف و مخلفات وفضلات الهوام والسوام وتطفح وسط شوارعها المجاري , اليوم يا عدن جلبوا لكي الآفات والأمراض والأسقام والوباء والبلاء والأذى , جلبوا لكي العطالة والبطالة والمجاعة بعد أن كنا ننعم في وطننا المعطاء الجنوب بالصحة والهناء والسعادة والعيش الكريم , يومها تم اختيار – ( ج 0 ي 0 د 0 ش ) – ضمن خمس بلدان طبقت شعار الصحة والتعليم للجميع من قبل منظمات التربية والثقافة والعلوم – ( الينسكو ) – ومنظمة الصحة العالمية , لقد كان شعبنا الجنوبي في عيش كريم من دون نفط ولا غاز اليوم ظهر النفط والغاز وأستولى عليه خُبرة – ( الشفط ) – يتنعم به – ( الجعلان والزعران والحمران ) – اليوم أضحيتي يا عدن مثخنة بالجراح والأتراح لقد دمروا كل ما فيك من جميل , دمروا معالمها الأثرية وشواهدها التاريخية وأرثك الحضاري والإنساني والثقافي وخربوا متنفساتك وشواطئك الجميلة والخلابة , يا عدن لقد حولوك – ( الأبالسة ) – ومن بعدهم – ( العمالسة ) – إلى حارة يحكمها عاقل من عقال حواري صنعاء – لقد كنتي يا عدن بالأمس أيام – ( النار والحديد والكفاح المجيد ) – أيام الرجال الأبطال مدينة ومدنية ودولة يومها كانت صنعاء قرية – ( قروية ) – وضيعة إقطاعية لا تعرف معنى الدولة ولن تعرفه طوال تاريخ وجودها وستظل صنعاء وكر وكهف ومغارة – ( للعماريط والوطاويط والعظاريظ ) – لن تعرف إلا – ( الدلالة والمرفالة ) – مهما تطاول فيها البنيان , مهلاً عدن مهما حصل ويحصل يا زهرة المدائن وخيرة المواطن يا قبلة الثوار وموطن الأحرار صبراً إن بعد العسر يسرى وما ضاقت إلا فرّجت وإن غداً لناظره لقريب , صبراً ومهلاً عدن مهما حصلت من كبوة لا بد من نهظة ستعود إليك الروح وتدب الحياة من جديد وعما قريب إلى طبيعتها بل وأفضل مما كانت عليه يوماً ما , صبراً عدن ستنتهي الأتراح وتُقبل الأفراح وستعود الأيام والليالي الملاح ويفوح ويضوع عرف الرياحين والمشموم والفل والكاذي والياسمين داخل شوارعك , ستعود البسمة إلى شفاه أبنائك ويعم الخير , ستعود أصوات الصباح – الصباح الجميل وسيعود الظل الظليل والنسيم العليل والعصافير حينها تزقزق , وستزول الغمة وتأفل العتمة وتعود الهمة , سيعود الخلق والإبداع وستنعمين أيها الحبيبة عدن يا خير أرض الأرض بالأمن والأمان والطمأنينة والسلام رغم أنف الحاقدين والطامعين والغاصبين والشامتين بإذن واحد – أحد فرد صمد وبسواعد أبنائك الشرفاء الأخيار والأحرار وبسواعد كل من لعدن مكانه في قلبه وتفكيره , ستعود رائحة البحر العبقة وسيكون كلما أصابك من تلويث على أيدي الملوثين وسيرحل عنك العشماوية ( الذئاب ) كما رحل قبلهم القتلة والمجرمين ( الكلاب ) وستكنس من شوارعك ( الذباب ) – وكل من مارس بحقك أبشع أنواع التدمير الممنهج خلال ثلاثة عقود ونيف من الزمن عجاف وفي ظل ( مايوووووووه الوحلة ) – هل عرفتم الرقم ( أثنين .. أربعة .. أثنين .. أربعة .. اثنين) .. !! الرقم ذات المعنى والدلالة , الرقم ذات النغم الطربي الجميل أنه الرقم الأقرب إلى القلب والتفكير والوجدان والضمير معاً أنه رقم بدالة ( دار الرئاسة ومعسكر الفتح ) – في الأيام الخوالي أيام العز وأكل الوز , أيام الأفراح والليالي الملاح , أيام العزة والكرامة والسيادة , أيام قيادة الدولة والثورة من قبل ( زعيم الثوار ونصير الكادحين ) – الشهيد – ( سالم ربيع علي ) – ( سالمين ) . الهامش : * لو يمر العمر كله في سهن .. لو أبات الليل ما ذوق الوسن كل شي معقول – كل شي مقبول .. إلا فراقك يا عدن . * يا طائرة طيري على بندر عدن .. زاد الهوى زاد النوى زاد الشجن عا الهجر مقدر أنا أشوف يومي سنه ذي جنة الدنيا حواها كل فن * ماذا أحدثك عن صنعاء يا أبتي .. مليحةً عاشقاها السل والجربُ ماتت بصندوق وضاحٍ بلا ثمنٍ .. ولم يمت في حشاها العشق والطربُ