يوم الخميس يوم العائلة العدنية – إذا جاز التعبير- عن هذا اليوم المميز في عدن، نقول: قبل زمن ليس ببعيد وفي يوم الخميس كان إذا ما أذن لصلاة العصر تشم رائحة البخور كرذاذ لذيذ ينصب على أنفك.. وكأن هذه الروائح الزكية منصوبة في الشوارع. فما أن ينتهي دوام العمل، يعود رب الأسرة ممتلئا بالحيوية وتعلو وجهه ابتسامة مفعمة بالحياة، عكس بقية الأيام التي يعود فيها مكفهراً من ضغوط العمل، ربما لأنه اليوم الوحيد الذي سيجتمع فيه مع زوجته وأطفاله بجلسات حميمية خاصة يتفقد فيها كل شيء عنهم، يعود وفي يده الفل والمشموم والكاذي والقات- الذي كان في زمن ما قبل الوحدة لا يسمح بتناوله إلا في يوم الخميس والجمعة والمناسبات- ليرى وجها تجمل من أجله ورائحة طيبة تملأ المكان، رائحة البخور الخاص بيوم الخميس، وغداءً خاصاً مميزاً تهتم الزوجة بإعداد أكثر المأكولات التي يحبها الزوج، وبعد الغداء وأخذ قسط من القيلولة يجلس في زاويته المحببة والمعدة سابقا من قبل الزوجة- فراش و "مدكة ومخدة صغيرة" ودبة ماء بارد وقهوة أو شراب غازي؛ ليقوم بالتخزين "مضغ القات"، تكون الزوجة قد لبست الدرع العدني وتجملت بما أحضره من مشموم وفل وكاذي؛ حيث تضع المشموم والبعيتران والكاذي بين ثنايا شعرها بشكل جميل متناسق، وتضع عقد الفل على صدرها لتكتمل صورتها العدنية الرقيقة، وتكون قد سبقت كل تلك الطقوس بالبخور الخميسي المميز والعطر الرزين أو "المطبوخ" ومن ثم يجلسان معا جلسة حميمية رائعة، يتبادلان أخبار الأسبوع المنزلية ويهتم كل واحد منهم برضى الآخر وجعل اليوم مميزا.. وقد ارتبط المشموم والبخور والعطر والفل بيوم الخميس وبالعادات الحميمية بين الزوجين في عدن منذ زمن بعيد، ولا احد يعلم السر في ذلك؛ ربما تكون هذه النباتات العطرية ذات قدرة على تنشيط القدرات الجنسية وإن كانت الكثير من هذه العادات الرائعة قد اختفت نسبياً، بسبب ازدحام وقت الإنسان في عدن بالعمل وانتشار وتزايد أعداد مبارز القات التي خطفت الرجل من زوجته وبيته وأولاده. من موضوع بعنوان«ذاكرة المشموم»..