يمر شعبنا بلحظة تاريخية فاصلة تستدعي من النخب السياسية إدراك خطورتها على مستقبل بلادنا وأجياله القادمة ، مما يضيّق من مساحة الخيارات أمام القوى الوطنية الفاعلة لتصبح إما الانتصار للوطن ولمستقبل ابناءه أو المشاركة بوعي أو بدون وعي في ضياع الوطن وتعميق المأساة التي تتجاوز آثارها هذا الجيل وتصبح لعنة تلصق بنخب اليوم .. الجنوب تعرّض للهزيمة في حرب عسكرية استمرت أكثر من شهرين بعد تدمير كامل القوة العسكرية الجنوبية ولم يعد أمام المنتصر غير شعب أعزل من السلاح والمال مما جعله يعتقد أنه لم يعد أمام الشعب الجنوبي غير الاستسلام لمشيئته وقبول التعايش مع الأمر الواقع بعد تجريده من كل عوامل القوة ..
لكن هيهات لم يقبل شعبنا الجنوبي بالهزيمة العسكرية التي تلاها تدمير كل مرتكزات دولته التي أقيمت بدم وعرق أبناء الجنوب .. وبدأ النزال بين نظام غاشم لا يؤمن بأنصاف الحلول وشعب أعزل لا يقبل الظلم والقهر والاستعباد ويرفض مشروع الصهر والإحلال بعد أن أدرك شمولية الضرر الذي يهدده ويهدد الأحفاد الذين لم يخلقوا بعد ، فتوحد تحت دعوة التسامح والتصالح الجنوبي /جنوبي وقاد ثورة سلمية عمت الجنوب من أقصاه إلى أقصاه ، واسترخص الدم والدموع وقدّم قوافل الشهداء من خيرة شبابه وأجبر نظام صنعاء على الاعتراف بمشكلة الجنوب والقبول بحلها وفق ما يرضاه الشعب في الجنوب .
إن هذا الإبتكار لشعب الجنوب ( المقاومة السلمية ) أثبتت لبقية الشعوب العربية إنها تمتلك قوّة جباره هي الإرادة الشعبية المصحوبة بقناعة عدالة القضية .. إنها الطريقة التي ابتكرها قادة الحراك السلمي الجنوبي منذ انطلاقته ..وافضت الى هزيمة المنتصر على الجنوب في حرب 94م ومطالبته للإقليم والعالم بالتدخل بعد أن تهاوت آماله في الاحتفاظ بسلطته ليس في الجنوب فحسب بل في عقر داره في صنعاء ..
اليوم انتقلت قضية الجنوب من ميادين الثورة السلمية إلى غرف المفاوضات السياسية .. شعب الجنوب أي حضرموت الكبرى هزم الاحتلال بالنضال السلمي وسجّل بذلك سابقه فريده في تاريخ الشعوب العربية .. ورمى بمهمة المفاوضات للسياسيين المؤمنين بأهداف الثورة المتمثلة ( بالتحرير والاستقلال واستعادة السيادة وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلّة ) ، لكننا نتابع تعثّرات السياسيين والشخصيات الجنوبية التي ظهرت مؤخرا وكأن هدفها حجز مكان لها في دولة المستقبل .
شعبنا دعى للتسامح والتصالح ولن يتراجع عن هذه الدعوة لكننا نطالب ما يطلق عليها القيادات القديمة/الجديدة أن تعي فحوى دعوة التسامح والتصالح الحراكية ، إنها لا تعني عودتهم لقيادة الدولة القادمة فلا يجرب المجرب إلا عقل مخرّب .. لكننا لا نرفض مشاركتهم إذا تخلوا عن ثقافة الماضي المأساوي عسى أن لا يكون الطبع غالب على التطبّع ، ومع ذلك نحن في بداية المشوار ، نرصد التحركات واللقاءات والتصريحات والتوافقات التي للأسف من السهل على البعض التخلي عنها وهو أمر معيب أخلاقياً ..
ونسأل ألا ترون أن شعبنا الطيّب قد سامحكم بل وقبل إعادة منحكم الثقة وتنازلت قيادات الحراك الميدانية لتعطي لكم إكمال الدور في المحافل الإقليمية والدولية .. فماذا انتم فاعلون ؟؟ نحن نرى اننا أمام قضية وطن في خطر ولم نصل بعد إلى بناء الدولة ، بينما كلً يدعو الى الاعتراف بزعامته !! لا تذكروننا بما نسيناه أو نحاول أن ننساه .. فلقد ضاع الوطن بما فيه وما عليه وتحمّل شعبنا العظيم وحراكه السلمي بدونكم مسؤولية فرض قضيته والإعتراف بعدالتها وضرورة حلّها فلا تعيدوا لنا المواجع فإما أن تفعلوا خيراً أو تتوقفوا عن فتح صراع يعيد ضياع قضيتنا .
يحق لنا الفخر بشعبنا فقد استطاع قلب الموازين وتكسير الأغلال التي طوق بها الجنوب بعد تسليمه لنظام صنعاء هدية مجانية ، ويستطيع اليوم أن يتولى إكمال قضيته فالقيادات الشابة النظيفة من ترسبات الماضي موجودة في الساحات وحان ظهورها لقيادة المفاوضات ثم الاشتراك في بناء الدولة القادمة ، والجنوب سيستعيد عافيته بمشاركتكم أو بدونها، لكن لن ينسى شعبنا أي خذلان في هذه اللحظة الحاسمة لا جماعة فلان أو علاّن أو لهثان تستطيع وحدها الانفراد بتمثيل الجنوب .
فكما كانت ثورة الجنوب السلمية شاملة شارك فيها كل أبناء الوطن نرى ضرورة مشاركة الجميع في أي خطوات من بدايتها وحتى نهايتها بدلاً من قيام أي طرف بالتفرّد بأي خطوة تثير حساسيات الماضي ، فلا أوصياء ولا أبوية في ثقافة الحراك وفي ميادين النضال الجنوبية ، تفحصوا أسماء الشهداء والجرحى والمعتقلين لتدركوا شمولية الثورة الجنوبية .
من يعتقد أنه بالمال يشتري زعامة الجنوب فهو وآهم ، ندعوا الى تشابك ايدي شخصيات الخارج كما تشابكت أيادي شباب الجنوب في الداخل في ميادين الشرف حيث تتجسد عقيدة الولاء للأرض والإنسان الجنوبي بتقديم سيول من الدماء الطاهرة التي ينبغي تجسيد احترامها من قبل شخصيات الجنوب في الخارج من خلال توافقها وشراكتها والتقيد بالسقف المعلن للثورة الجنوبية لتعود الإبتسامة على شفاه شعبنا الصابر المتطلع إلى إرساء قواعد جديدة تضمن الأمن والاستقرار من خلال بناء دولة جنوبية فيدرالية – وقبول التنوع بين القوى السياسية والتوقف عن إنتحال شرعية لم يقرها شعبنا الجنوبي الذي يرفض الوصاية على ثورته وقراره ، فلا تفتحوا أبواب أغلقها شعبنا فإن ذلك يعتبر اختطاف غير مشروع لثمرة ثورته ولمشروعه بشأن بناء دولته الجديدة ..