عندما كنا صغار يوهمونا في المدارس بالوطنية، وانه يخلدها اصحاب السمو من المسؤولين وذوي السلطة في البلاد..الذين أصدروا ملاحم في التضحية والبطولة حتى أنهم جعلوا منها مادة أساسية، يرسب فيها ابناء الفقراء ممن لم تدرج في أذهانهم ولم ولنّ تدخل في عقولهم اطلاقاً. كنت دائماً ما أرسب في هذه المادة، بسبب المؤلف الذي مجد اصحاب السيادة والقيادة ؛ وصفهم ب النزيهين والامناء و حامين الحمى؛ حتى شتت أفكاري ، وجعلها صعبة الفهم. كان دائماً ما يضربني ذلك المدرس على رسوبي في مادة الوطنية. تباً لك ايها الاستاذ مقابل جهدك وتعبك الذي تبذله في تعليم الاجيال..ونهوضك في الصباح الباكر ، وتاديتك لنشيد الوطني صباحاً؛ كل ذلك ولم تتقاضا الا حفنه من المال البسيط اي ما يعادل قيمة شكلاته لابن احد المسؤولين - في احد الماركات العالمية- ممن تصفهم بالوطنية. و بعد ان كبرنا شاهدنا عندما تقرع طبول الحرب، سرعان ما يهرع ويلذ المسؤولون وابناءهم بالهروب إلى خارج البلاد مع أسرهم وذويهم. ويبقا ذلك المواطن المسكين الكادح يكافح، ويصارع وحيداً دون احد ممن كانوا سموا بالوطنيين.. وتهدم منازلهم.. وييتم ابنائكم.. وترمل نسائهم..! ليس كل هذا لانهم درسوا مادة الوطنية. بل لانهم درسوا مادة الجغرافيا ،وعرفوا ايش يعني الوطن يعني الكرامة..الشرف..الأرض الذي نشأت فيها وترعرعت بين جبالها وفوق صحاريها، وغصت في بحارها و طعمت فيها كل حالي ومُر لم يكتمل المشهد هنا، بل ياتي من كانوا يغردون خارج السرب و يصفوا أنفسهم بالوطنيين، وهم الذين كان لا يفرق عندهم السمر في مقهئ ليلي، والتفرج على أشلاء اطفال بلدهم وهي تطاير يسرقوا المرتبات..يختلق الازمات..يوصفون من كانوا يدافعون على الوطن بالمخربين و الأغبياء الذي لا يفقهون شيء.كل ذلك من اجل ان يربحوا من ظهر المواطن. آه المؤلف ألم يغير في مادة الوطنية، ويمجد فيها من هم اهلا لها من للفقراء ، وذوي الدخل المحدود اللذين عانوا حتى يعود للبلاد أمجادها.