في زيارتي أمس إلى مستشفى النصر في الضالع لفت انتباهي رجل متقدم في السن يفترش الأرض بجانب المستشفى يده اليمين ملفوفة في قطعة قماش عبارة عن شال مسنودة إلى عنقه تتدلى على جبينه تجاعيد الشيخوخة الناتجة عن الكفاح المستمر والحياة البائسة، توجهت اليه وبعد التحية جلست بجانبه لكنه كان مشتت الإنتباه وكأنه يسبح في بحر أو محيط عميق من المعاناة، تتدلى على جبينه تجاعيد الشيخوخة الناتجة عن المعاناة والكفاح المستمر سألته خير يا والد لماذا ترقد هنا ولم تدخل المستشفى ؟ سلامات ايش حصل لك هل تعرضت لحادث مروري ؟ سكت قليلاً ثم أجابني بمرارة وقهر ينبثق من عمق المعاناة عن اي مستشفى تتحدث يا ابني !! ها أنا قد خرجت للتو من هناك لم يقدموا لي شي سوى أنهم أخبروني بالذهاب إلى إحدى المستشفيات الخاصة لكوني احتاج الى عملية جراحية نظراً ل تفتت عظام المرفق ، عفواً يا والد لكنك لم تخبرني بعد عن سبب إصابتك بهذه الكسور، هل أصبت في أحد الجبهات القتالية ؟ لكنه أخبرني أنه حقاً أصيب وهو في جبهة الكفاح لأجل البقاء جبهة الانتصار على المعاناة وكسب الرزق الحلال ، أخبرني أنه بينما كان يرعى الغنم في أحد الجبال ومعه أبنه سقطت أحد الصخور حينها شعرت أنها متجهة إلى ابني ومن دون تردد حاولت التصدي لها بكل ما أوتيت من قوة ومع انها كسرت يدي ومزقت أوتارها لكنني سعيداً جداً بأني حولت مسارها باتجاه اخر عن فلذة كبدي وفضلت أن تتمزق اوتار يدي ولا تتمزق اوتار قلبي بتعرض طفلي للخطر، شعرت ب قشعريرة في جسدي وهو يتحدث مجسداً حب الاب لابنة، واصل حديثة قائلاً كان هذا قبل أكثر من عشرة أيام مرة وانا أكابد مرارة الالم واكتفي بشرب بعض المسكنات فقط وبعد إصرار شديد من أبنائي وأمهم على أن اذهب لبيع واحدة من تلك الأغنام التي تعتبر مصدر رزقنا وافقت على ذلك ولكن للاسف قيمة الشاة ضاعت بين المواصلات وعمل كشافة ومقابلة الطبيب الاختصاصي الذي بدورة قرر لي إجراء عملية جراحية وبدوره اسرع في تحديد وقت العملية وتكلفتها الإجمالية وهو لا يعرف أن قيمة الشاه قد خلصت قبل الوصول اليه، وانا في انتظار سيارة للعودة إلى البيت كما أتيت أو مرة . ولكني اراها متورمة وحركتها تزيد من توسع الكسر وازدياد الالم، هو عن اي الم تتحدث يا ابني ليس هذا ما يؤلمني الم اخبرك سابقاً اني فضلت تمزق اوتار يدي لعلي احافظ على ما تبقى من اوتار قلبي، اه يا ابني ما يؤلمني حقاً وبين كل لحظة واخرى هو فلذت كبدي تلك القطعة من قلبي ابني الآخر الذي يعيش في صارع مستمر مع احد الأمراض الخبيثة حينما انظر اليه وهو يتألم وانا عاجزاً من أن أعمل له شي يخفف عنه ذلك الالم حينها أشعر بأن أحدهم يغرس سكين في أعماق قلبي ثم ينزعها بكل قساوة ويكرر الخطوات مع كل نظرة أختلسها من ذلك الطفل بين لحظة وأخرى، اقتربت منه كثيراً حاولت أخذ موافقته على نشر معاناته في وسائل التواصل الاجتماعي لعل الله يسخر له ولابنه بفاعل خير يتكفل في علاجهم ، نظر إلي ثم قال: صدقني يا ابني اني ارتحت للحديث معك مع انني لا اعرفك ولا احب الحديث عن مثل هذه الأمور لاحد غير الله وانا مؤمن بقضاء الله وقدره اعرف ان الشكئ لغيره مذلة ولذلك الحمد لله منذ أن عرفت نفسي لن انتظر شي من أحد غير الله، بامكانك ان تتحدث عن المعاناة دون التطرق لذكر الاسم او باقي التفاصيل التي تخصني حينها عرفت كم يقبع من الفقراء والمساكين في معاناتهم ولا يعلم بذلك إلا الله، فيهم من عزة النفس والثقة بالله ما تجعلهم يمتنعون عن إظهار إحتياجهم لمخلوق قط .