بهذا البيت الشعري الجميل يلخص شاعرنا الكبير نزار قباني قصة حياته وصفات شخصيته الجدلية المؤرقة للمتابعين والمهتمين من القراء والنقاد ؛ فالعزة والكرامة التي تميز بها العربي منذ الأزل وما يرتبط بها من الشجاعة والمروءة والشهامة ؛ وعدم قبول الضيم ورده والاستبسال في المعارك ..تلك الصفات التي تميز بها العربي الأصيل حاول أن يجسدها شاعرنا : أنزفُ الشعرَ، منذ خمسين عاماً ** ليس سهلاً أن يصبحَ المرءُ شاعرْ ؛ ثم يقول في بيت آخر بي شيء من عزة المتنبي ! وبقايا من نار مجنون عامر ) وكأنه يقول لنا : لا تلومونني على ما فعلت!! فإنني سليل هذه السلالات وابن هؤلاء الآباء من الشعراء( المتنبي وقيس بن الملوح ) الذين يمتلئون عزة وشموخا وكبرياء وعاطفة ورقة وبكاء، ومن شابه أباه فما ظلم ..!! فأخذ يدافع عنها في حياته الحافلة وفي أعماله وما ديوانه الشعري ( هوامش على دفتر النكسة ) الذي منع من دخول أغلب دولنا العربية الا مثالا ساطعا لذلك .
وبما أن العربي الاصيل أيضا صاحب عاطفة جياشه لا يمكن انفصالها عنه أو محوها وازالتها لأنها من صميم تكوينه وطباع فطرته ، فهو لا ينسى التذكير بها والاعتراف بوجودها لديه حتى وان كانت بسيطة( بقايا من نار مجنون عامر ! ) فقوة العاطفة هي المحرك الاول للشعر والشعور لديه بكل انواعها ؛ ومنها بالطبع العاطفه تجاه المرأة التي بالغ نزار في التعبير عنها حتى ليقال عنه بانه شاعر المرأة الأول ؛ ووصف بذلك كثيرا رغم أنه ككثير من الشعراء لا يحب التخندق في غرضِ شعري واحد من أغراض الشعر الكثيرة والمتعددة .
ان الشجاعة ورقة العاطفة صنوان لا يفترقان وليس ذلك بغريب على شاعرنا فقد سبقه عنترة بقوله ل عبلة : (ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ **مني وبيض الهند تقطرمن دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها ** لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ) وهي صفة يشترك فيها العديد من الشعراء كأبي فراس الحمداني وغيره ... ان عالم نزار قباني حكاية وسيمفونية جميلة عزفها الدهر وغنتها الأطيار والبلابل والخمائل ، ورحيق جميل استنشقه العشاق ولن يتمكنون أبدا من نسيانه ...