كثيرة هي الجرائم في عالمنا اليوم وبشكل مخيف لا يكاد يخلو منها مجتمع او شعب وهي تختلف في خطورتها بحسب إضرارها واثارها ، إذا زاد ضررها زادت خطورتها وقد تصل الى ما يسمى بالجرائم الكبرى ومن يعتدي على فرد واحد ليس كمن يعتدي على قرية ، وإيذاء قرية ليس كالاعتداء على امن واستقرار مدينة بكاملها ،وهي أشد خطورة عندما يكون المستهدف وطنا بكامله. واليوم نرى الدول الناجحة لا تتهاون في حق من يعتدي على مصالح الوطن او ماله العام وتحاكمه بأقسى أنواع العقوبة لأنها تعي حجم الضرر الذي يلحقه بالمجتمع عاجلا أم آجلا غير أن المؤلم أن المجتمعات التي يسودها الجهل والتمزق ويسيطر عليها المرتزقة وضعاف النفوس ومحبي السلطة تنقلب فيها الموازين رأسا على عقب اذ يتحول المسؤول من حماية الوطن والحقوق إلى نهبه واتخاذه مصلحة شخصية لجمع الثروة وتأسيس طرق غير شرعية تحت مظلة القانون للتكسب له ولذريته من بعده حتى اضحى التفنن في نهب المال العام وبيع خيرات الوطن علامة واضحة للعيان تارة باسم رسوم وخدمات وتارة باسم ضرائب وجمارك وتارة بذريعة المعاملات والقائمة تطول وكل اموالها تذهب الى جيوب المتنفذين بلا رقيب ولا حسيب ، ناهيك عن سرقة الأراضي العامة واستغلال المنصب للتجارة الشخصية وبسط النفوذ على مصالح الآخرين حتى يضيق الوطن بأبنائه رغم اتساعه فالمطامع تحول أصحابها إلى مجرمين ، يقتلون بجشعهم راحة الآخرين ويدفنون معها أمن وطن جريح ولا أبالغ لو قلت بأن أول لقمة يأكلها مسؤول فاسد أو موظف حكومي بغير وجه حق فانها بمثابة رصاصة حية تقتل العشرات بل المئات من أبناء الوطن فهم من سيدفعون الثمن من راحتهم ونهضتهم وراحة ابنائهم وذويهم و لسنوات طويلة والتجارب على مر التاريخ كثيرة. فكل نظام فاسد يتعرض للنهب من مسؤوليه فإنه يترك أبناء وطنه يموتون جوعا وتشريدا وقهرا فتسمع حينها عن جرائم قطع الطريق والقتل والاغتصاب والعنف بمختلف اشكاله وظهور عصابات اللصوص في ثياب فاخرة وتحت مسميات مختلفة اذ لا حماية لأي حق أو عرض أو دم. وحينها يتحول المجتمع الى غابة من الوحوش التي يأكل القوي فيها الضعيف وتكثر المرتزقة وباعة الوطن بين مسؤول آمر وأتباع له وينضوي تحت عباءتهم الكثير من المتسلقين واللصوص سواء بايديهم او بافكارهم وربما باقلامهم فالهدف الذي يجمعهم واحد وفي سبيل ذلك يلبسون كل لباس ويتلونون بمختلف الالوان بين مهاجم ومدافع أو مادح وناقد أو ثائر ومهادن أو من يكون حينا مع النظام ويكون ضده في وقت آخر وبين أعينهم جميعا ثالوث الفساد ( مال وسلطة وإعلام ). ومع تزايد الفساد يوما بعد آخر يصبح الوضع في الوطن أكثر خطورة ، فالتمزق والاستبداد والطغيان والفساد المتزايد في كل اتجاه تقتل كل ماهو جميل في بساتين الوطن وربوعه وتدفن معها قصة نجاح ونهضة كان الجميع يحلم بها ،كماهو الحال في اليمن الجريح اليوم وغيره من الدول الكثير ، كل هذا من لقمة ينهبها مسؤول فاسد تتبعها لقمة ثم تكبر حتى تصل الى مليارات الدولارات ظنا منه انها نوع من الشطارة والذكاء أو من رشوة يتقاضاها كاتب او اعلامي لتحريف الحقائق أو من بندقية قاطع طريق يحركه مسؤول متنفذ أو من تاجر مستغل لايريد غير تحقيق الارباح باسرع الطرق المشروعة وغير المشروعة على حد سواء. والمؤسف أن البعض منهم يظن أن التوبة والاستغفار قبل فوات القطار كافية لمحو ما فعل طوال سنواته من سرقات ونهب وغش وكذب ومؤامرات وهذه احدى سقطات الاخلاق التي فتحت باب الشر على مصراعيه ودفعت بهم للتمادي في النهب والسرقة والفساد ، ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن هؤلاء هم قتلة لا يمحى ذنبهم بتوبة ولا يغسل عارهم باستغفار ولو بلغ استغفارهم عنان السماء فقد ظلمت نفوس وأوذيت وارهقها العناء والتشريد والجوع والعراء وربما ادماها الظلم حتى خرت صريعة في غياهب السجون والمنفى ( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) لذلك فهم عمر رضي الله عنه أن الله قد يسأله عن البغلة لو عثرت بالعراق لماذا لم يمهد لها الطريق وهو نفس السبب الذي جعله يوجع ظهر أبن عمرو بن العاص عندما ضرب القبطي ظلما بغير حق وقال قولته الشهيرة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا. وهو ما دفع كوريا الجنوبية إلى أعدام رئيسها الأسبق شون دوهوان عام 96م ، ودفع الفلبين إلى حبس استرادا حبسا مؤبدا بتهمة الفساد والرشوة ، وإعدام تشاوشيسكو في رومانيا في غمرة احتفالاتهم بأعياد الميلاد رميا بالرصاص عام 89م وكذلك الحال مع رئيس ليبيريا السابق تايلور الذي حكم عليه بالسجن 50 عاما لفساده والامثلة تطول إذ أن الشعوب اليقظة لا تتهاون في معاقبة من يتلاعب بمصيرها وحياتها ولو كان في يوم من الايام رئيس للبلاد بأكملها. إن الذين ينهبون الشعوب ويبيعون ذممهم ويسرقون الوطن ويستغلون مناصبهم ومن يسير على شاكلتهم وأعوانهم على ذلك الظلم جميعا هم في الحقيقة مجرمون بل يفوقون بجرائمهم كل انواع الاجرام الاخرى فالجائع والمريض والمتشرد هم ضحاياهم وكذلك الطفل المحروم والمرأة الضعيفة ، والشيخ المسن المتعب ، ورب الاسرة الذي ارهقته الصعاب ، والشباب الضائع ،وأصحاب الحقوق المنهوبة ، وأصحاب المواهب ، والتراب الغالي للوطن وكل غال فيه ونفيس هم في الحقيقة ضحايا هذا الاجرام ، وتطول القائمة في ضحايا هؤلاء المجرمين القتلة … فهل علمتم من هم القتلة الصامتون ؟؟