طه العامري إنهم يسرقون كل شيء: الوطن وقدراته، والمواطن وأحلامه. لم يكتفوا بسرقة ثروات الوطن من فوق الأرض ومن تحتها، ومن أعماق بحاره ومحيطاته، بل سرقوا هوية الشعب ولوثوا انتماءه، واستبدلوا الهوية الوطنية والانتماء الوطني بهويتهم الذاتية، واختزلوا الانتماء الوطني في الانتماء إلى ذواتهم. جعلوا من أنفسهم أوطانًا متنقلة، وفي ذواتهم اختزلوا الوطن والهوية والانتماء. إنهم "لصوص الجيل الخامس"… "لصوص فايف ستار"! يمارسون أقذر وأبشع السلوكيات بكل ثقة واطمئنان، لأن أحدًا لا يستطيع محاسبتهم أو الدفاع عن حقوق الوطن والشعب. كلهم يدّعون "الوطنية"، نعم، ويزعمون "الشرف والنزاهة"، نعم، لكنهم يزعمون ما يزعمون لخداع الشعب وتضليله. فجميعهم، دون استثناء، "لصوص وفاسدون وحرامية"، يساند بعضهم بعضًا في نهب الوطن، وليس فيهم من يملك القدرة أو الصلاحية لمحاسبة الآخر، فجميعهم متشابهون، يستمدون من بعضهم شرعية فسادهم، ويتآزرون ويتساندون ويدعمون بعضهم عند الحاجة، لأن "اللصوص إخوان، والفاسدون كذلك"، خاصة في بلادنا اليمن، حيث يتحدث الجميع، من الطفل إلى الشيخ الكبير، عن "الفساد والفاسدين"، ولكن منذ قرون لم نعرف أن "فاسدًا" عُوقب، أو "لصًا" دخل السجن، أو "حراميًا" أُقيم عليه الحد! اليمن هي الدولة الوحيدة فوق الأرض وتحت الشمس التي تُكافئ اللصوص والحرامية والفاسدين، وتمنحهم مناصب قيادية عليا. وكلما كان الحرامي والفاسد واللص أكثر جرأة ونهبًا، كانت المكافأة أعظم! في اليمن فقط، الحرامي واللص والفاسد يمتهنون مهنة رديفة تحصنهم من العقاب، وهي مهنة "القتل". والقتل يحصنهم من أي مساءلة، فهم أكبر من الدولة والنظام والقانون. فهذه المسميات وضعت للضعفاء والمساكين، الحالمين بدولة يسودها النظام، في مجتمع يسيطر عليه ثالوث "اللصوص والحرامية والفاسدين"، ورابعهم "ترويكا القتلة"، بالإنابة والأصالة والوكالة. أما أحرار الوطن وشرفاؤه ونزهوه، فقد عرفوا الزنازين والمشانق ومقاصل الجلادين، التي – ويا للأسف – كانوا هم من شيّدها لبناء دولة النظام والقانون، وردع الخونة والمارقين. لكنها تحولت لاحقًا إلى مأوى للخونة والعملاء والمارقين، وللحرامية واللصوص والقتلة، الذين أصبحوا – بقدرة قادر – هم الوطن، وهم من يمسك بزمامه، ويتقاسمون النفوذ فيه. أما الأحرار الشرفاء، فأصبحوا نزلاء السجون والزنازين، أو قُتِلوا على مقاصل القتلة بتهمة "خيانة الوطن"؛ وهي تهمة أقبح من الذنب، لأنهم لم يخونوا وطنهم، ولا شعبهم، ولم يقتلوا، ولم يسرقوا، ولم ينهبوا، بل قاوموا الفساد واللصوص والخونة بكل شجاعة، وقالوا لهم "لا" بعلو الصوت. لم يساوموا على وطنهم، ولا على شعبهم، ولا على ثورتهم، فكان جزاؤهم السجن أو الإعدام. قوافل من الشهداء الشرفاء الأحرار سقطوا في ميادين العزة والشرف دفاعًا عن إرادة الشعب وسيادة الوطن. وآلافٌ قضوا أعمارهم في السجون، وكوكبةٌ منهم قضوا على مقاصل الجلادين، دفاعًا عن كرامة الشعب وأحلام الوطن، الذي شاءت له الأقدار أن يبقى ضحية لثالوث الشر: اللص والفاسد والحرامي، بعد أن عاش قرونًا تحت ثالوث الجهل والفقر والمرض. هكذا كان قدر هذا الشعب: إما أن يعيش تحت وصاية الفقر والجهل والمرض، أو إن حاول التحرر، يجد نفسه تحت وصاية ثالوثٍ آخر أشد لعنة: اللصوص والحرامية والفاسدين، ورابعهم القتلة! ولا يزال الشعب غارقًا في مستنقع الجهل والتخلف والتبعية والارتهان، رغم كل التحولات الظاهرة التي توحي بوعي وثقافة، لكنها في حقيقتها سراب، ك"سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء". نعم، ما زال معظم اليمنيين محكومين بالتقاليد، وللأسف، التقاليد السلبية منها، بينما تخلّوا عن التقاليد الإيجابية. فما يزال المواطن اليمني، سواء كان أميًا لا يفرق بين الألف والعصا، أو خريج أرقى الجامعات، خاضعًا لوصاية "شيخ القبيلة"، أو للرمزية التقليدية. ولا تزال العصبية تحكمه وتتحكم في خياراته وحياته وعلاقته الاجتماعية، وعلاقته بوطنه. كل مظاهر التطور التي شهدها اليمن لم تخرج الشعب من دائرة الارتهان الاجتماعي، ومن هيمنة الرموز القبلية أو الطائفية أو المذهبية أو المناطقية أو الحزبية. فالأحزاب تحوّلت إلى أدوات تبعية جديدة، مثلها مثل القبائل التي لا تعترف بدولة أو قانون أو هوية وطنية. كل قبيلة ترى نفسها هي الوطن، وعلى الوطن أن يخضع لها. لقد أثبت لصوص الوطن وحراميته وفاسدوه وقتلته، أنهم أكبر من كل مشاريع التغيير وأبطالها، سواء كانت وطنية أو دينية أو قومية. تمت تصفية تلك المشاريع، وحلّت مكانها مشاريع النهب والإجرام، فتحوّل الوطن إلى رهينة لرباعي الإجرام: اللصوص والحرامية والفاسدين والقتلة. فمن يجرؤ عليهم؟! وما زال هناك شعبٌ تابعٌ ومرتهن، شعاره: "من تزوج أمنا صار عمّنا"، حتى وإن كان هذا "العم" هو قاتل أبيهم ومغتصب أمهم! صنعاء، لحظة شعور بالقهر 9 يوليو 2025م