يشهد قاع البون الزراعي، أحد أبرز القيعان الخصبة في محافظة عمران، تهديداً متصاعداً في استدامته المائية نتيجة تفاقم ظاهرة الحفر العشوائي واستنزاف المياه الجوفية، ما ينذر بكارثة بيئية وزراعية تمسّ الأمن الغذائي المحلي، وتُلقي بظلالها على مستقبل الزراعة في المنطقة. ويمتد قاع البون على مساحة تزيد عن 25 كيلومتراً مربعاً، وتطل عليه خمس مديريات، ويُعرف بخصوبة تربته وقدرته الإنتاجية العالية في زراعة الحبوب، البقوليات، والخضروات. وتُقدّر نسبة المساحات المروية فيه بين 35% إلى 40% من إجمالي المساحة الزراعية، إلا أن هذه النسبة مهددة بالتراجع الحاد بسبب الاستنزاف الجائر لمخزون المياه الجوفية، لا سيما في مديرية ريدة التي تمثل إحدى أهم روافد القاع. وفي زيارة ميدانية نفذها فريق الإعلام التعاوني الزراعي صباح الثلاثاء إلى عدد من الآبار العاملة بمنظومات الطاقة الشمسية في عزلة غولة عجيب بمديرية ريدة، لوحظ استخدام مكثف للمضخات بهدف تعبئة قواطر المياه التي تُنقل يومياً إلى مزارع القات الواقعة في مناطق بني صريم، الغيل، وغيرها، وتُقدّر كمية المياه المنقولة يومياً بملايين الليترات، عبر أكثر من 100 قاطرة، مما يفاقم من خطورة الوضع ويُسهم في استنزاف سريع وغير منظم للحوض المائي. الحفر العشوائي بات ظاهرة مقلقة، حيث تقل المسافة بين بئر وأخرى عن خمسين متراً في بعض المناطق، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بصورة مقلقة، وأجبر عدداً من المزارعين على تعميق آبارهم بشكل متكرر، ما يضاعف التكاليف ويُهدد استمرارية الزراعة، خاصة في ظل الحصار والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد. وفي هذا السياق، أكد عدد من المزارعين أن مالكي بعض الآبار، الذين يستخدمون منظومات الطاقة الشمسية، باتوا يفضلون بيع المياه لمزارعي القات بمبالغ تصل إلى عشرين ألف ريال للقاطرة الواحدة، في توجه يُغلب الربح التجاري على المصلحة الزراعية العامة. هذه الممارسات لم تقتصر على الأضرار البيئية والاقتصادية، بل امتدت إلى الجانب الاجتماعي، حيث تسببت في انقطاع المياه عن قرى مثل بيت القحوم، واندلاع نزاعات بين الأهالي. وقد شهدت منطقة بيت صايل حادثة مؤسفة أُصيب فيها شخصان بجروح خطيرة على خلفية خلاف حول تعبئة القواطر، أحدهما فقد بصره، بينما أُصيب الآخر برصاصة في ساقه ولا يزال يتلقى العلاج. هذا الواقع يُحتم على الجهات الرسمية، وفي مقدمتها وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، ووزارة المياه والبيئة، اتخاذ إجراءات عاجلة وحازمة لضبط عمليات الحفر العشوائي، وتنظيم استخدام المياه الجوفية بما يتوافق مع القوانين واللوائح المعمول بها، بما يضمن الحفاظ على الحوض المائي في مديرية ريدة واستمرارية الزراعة في قاع البون. كما يُعد هذا الوضع دعوة مفتوحة لرفع مستوى الوعي المجتمعي، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية والمبادرات المدنية في التوعية بأهمية ترشيد استخدام المياه، وتوجيهها لخدمة الزراعة الغذائية التي تُعد ركيزة الأمن الغذائي الوطني. إن الحفاظ على المياه مسؤولية جماعية، تتطلب تكاتفاً مجتمعياً ومؤسسياً، لمواجهة هذه التحديات الجسيمة، وضمان مستقبل آمن ومستدام للزراعة في قاع البون، الذي يُعد أحد أعمدة الإنتاج الزراعي في اليمن.