*- شبوة برس- د. حسين لقور بن عيدان شعب يعيش ضمن دائرة مدمرة من احتكار غذائي ودوائي، في ظل قيادة وحكومة عاجزة عن ضبط الأمور، بينما تتآكل حياة المواطنين وصحتهم بتواطؤ مباشر أو غير مباشر من السلطات، يرافقها غياب إعلام نزيه بل أن جزءًا كبيرًا منه إعلام مرتزق ومنافق. هذه ليست أزمة عابرة أو مرحلة حرب تُلام فيها فقط الظروف؛ إنها جريمة اقتصادية وسياسية منظمة وممنهجة، تُمارس ضد هذا الشعب بحماية واضحة، ولا نشهد أي مساءلة أو عقاب.
من يتابع مسار الاقتصاد منذ عقود، يدرك أن ما يجري اليوم من غلاء فاحش في أسعار الغذاء والدواء ليس نتيجة ظرف عابر أو أزمة عابرة، بل هو نتاج منظومة احتكارية مُتجذّرة، تحالفت فيها رموز نظام الحكم في صنعاء خصوصا بعد 1994، مع شركات تجارية كبرى، تتصدرها مجموعة هائل سعيد أنعم، التي كافأها علي صالح على دعمها لغزو الجنوب، بمنحها امتيازات وتسهيلات لا يمكن أبدا تصديقها، لتصبح اللاعب الرئيس في الاقتصاد وفي السيطرة على قوت المواطنين ودوائهم وبالطبع بلا رقيب أو حسيب.
سيطرت مجموعة هائل سعيد على مفاصل الاستيراد والتوزيع للسلع الأساسية: القمح، الدقيق، السكر، الأرز والزيوت. وبحكم نفوذها الممتد داخل مؤسسات الشرعية السياسية وفي الوزارات المالية والتجارية إلى البنوك (من أصحاب القرية) تمكنت من التحكم في السوق وفرض أسعار فوق طاقة المواطن، في ظل غياب أي منافسة حقيقية. هذا الاحتكار جعل الغذاء أداةً سياسية واقتصادية، لا بل سلاح بيد قلة من المتنفذين، تُستخدم للضغط على المجتمع وإخضاعه لأهواءها السياسية وفرضها عليه بينما يتم استنزاف مدخراته وحرمانه من أبسط حقوقه.
الكل يعلم أنه لم يتوقف الأمر عند الغذاء. فقد امتد جشع الاحتكار إلى سوق الأدوية، حيث ترتفع أسعار المستورد منها إلى أضعاف تكلفتها الحقيقية، وتُسحب أدوية أساسية من الصيدليات لخلق ندرة مصطنعة، ثم يعاد ضخها بأسعار جديدة تفوق قدرة أكثر من 90٪ من اليمنيين. وهم هنا بعدما هندّسوا سياسة التجويع من الطبيعي أن يعاني الناس المزيد من الأمراض ونقص المناعة بسبب سوء التغذية وغلاء المعيشة، ثم يُتركونهم ليواجهوا مصيراً أكثر قسوة: العجز عن شراء العلاج، في عملية يمكن وصفها بأنها قتل بطيء وممنهج.
من المؤكد أنه لا يمكن أن تستمر هذه الجرائم الاقتصادية دون غطاء سياسي. فالحكومة ومجلس القيادة ليسوا مجرد متفرجين، بل جزء من الشبكة: بعضهم على شراكة مباشرة مع هذه المجموعات التجارية. آخرون يتلقون دعمًا وتمويلًا غير معلن لضمان صمتهم وتمرير سياسات تخدم المحتكرين. بينما تتحول الأجهزة الرقابية والقضائية إلى أدوات شكلية عاجزة عن محاسبة أو حتى فضح هذه الانتهاكات، والحال أسوأ في الإعلام حيث أصبحت أجور الدعايات لتلك المجموعات الاحتكارية هي مصدر دخل تلك الوسائل الإعلامية الوحيد.
بهذا الواقع، لا يبقى أمام المواطن سوى مواجهة منظومة جشعة تمارس التجويع والابتزاز والقتل الاقتصادي بدم بارد. وما يزيد خطورة الأمر أن هذه الشركات لا تواجه أي مساءلة لا من حكومة محلية ولا من هيئات رقابية دولية، بحكم قدرتها على شراء النفوذ داخلياً وخارجياً.
باختصار، نحن أمام اقتصاد أسير في قبضة قلة احتكارية، تحولت من مجرد شركات عائلية إلى أذرع سياسية واقتصادية تمسك بخناق المواطنين. فهل يمكن في ظل هذه الهيمنة أن نتحدث عن قانون أو عدالة أو دولة؟ الحقيقة أن هذه الشركات، بتواطؤ مع القيادة، أعادت صياغة العلاقة بين السلطة والمال لتصبح علاقة تجويع منظم وقتل بطيء للغالبية العظمى، بينما يعيش المتحالفون معهم في حصانة من الأزمات.