وفاة عبدالقادر عبد الرحمن باجمال، الخبر الذي أعاد الى أذهاننا شخصية سياسية لعبت دورا محوريا في أهم منعطفات التاريخ السياسي اليمني المعاصر، جنوبا وشمالا، نائبا لسكرتير اللجنة المركزية، وزيرا للصناعة، وزير النفط والمعادن، برلمانيا وحدويا، ومنظرا إقتصاديا، وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي، وزيرا للخارجية الى أن تعاقب على ترأس الحكومة لتشكيلات وزارية ثلاث. عبدالقادر باجمال رحمة الله عليه، على الرغم من إختلاف الآراء بشأن السياسات الإقتصادية التي إنتهجها . لكن يبقى الأكيد أن الرجل كان له تأثيره في الإقتصاد والسياسة في اليمن وسيظل ذلك التأثير لعقود قادمة. أثناء ترأسه للحكومة اليمنية للمرة الأولى عام 2001م وضع عبد القادر باجمال أمامه مهمة الإلتزام بتنفيذ توصيات البنك الدولي بشأن إقتصاد اليمن، تميز باجمال في تلك الفترة بإتخاذ قرارات جريئة كالخصخصة وقرار وقف التوظيف الحكومي لمدة عشرة سنوات، بمثل تلك الإجراءات نال ثقة البنك الدولي وقاد حينها عملية إصلاح إقتصادي منفتح عزز من إقتصاد السوق والتنافسية ورفع القيود وخفف من البيروقراطية، و تبنى خطة سميت إستراتيجية الأجور لرفع مستوى دخل الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي، كانت تلك الإستراتيجية على مراحل، أتت ثمارها في تحسين المستوى المادي و المعيشي وخلق طبقة وسطى، في تلك المرحلة. أختير عبد القادر باجمال مجددا لترأس الحكومة اليمنية في العام 2003م، هذه المرحلة كانت فترة النقلة الإقتصادية الكبرى والمشاريع الضخمة التي لم تشهدها الجمهورية اليمنية من قبل تمثل ذلك بمشروع الغاز الطبيعي المسال في اليمن ومع العام 2004 بدأت الخطوات العملية في مد خط أنابيب رئيسي من حقل الغاز في مأرب إلى منطقة بلحاف في شبوة على البحر العربي لمسافة طولها حوالي 320 كم، وفي أغسطس من العام 2005م وقَّعت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال بإشراف عبد القادر باجمال بصفته رئيسا للحكومة على عقود بيع طويلة الأجل (تمتد لعشرين سنة) مع ثلاثة من كبريات الشركات العالمية وهي شركة سويس للغاز الطبيعي المسال ومؤسسة الغاز الكورية الجنوبية(كوغاز)، وشركة توتال للغاز والطاقة المحدودة .بلغت تكلفة المشروع حوالي 4 مليار دولار أمريكي. رغم الإنتقادات الكثيرة التي وجهتها المعارضة لمشروع بلحاف الغازي إلا أن المشروع ربط بين المحافظات الشمالية و الجنوبية حاملا بعدا و حدويا وكذا عمل على توفير الآف من فرص العمل وأسهم في إكتفاء السوق المحلي من الغاز، وتحسنت الكهرباء بإنشاء محطة كهرباء مأرب الغازية ضمن المشروع، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل الكوادر اليمنية على طريق يمننة المشروع مستقبلا. (هكذا كان مخططا له). لا يستطيع أحدا تجاهل كفاءة باجمال الإقتصادية وشجاعته في إتخاذ القرار ، حتى خصومه لم ينكروا عليه ذلك. عند إختياره مجددا لتشكيل الوزارة الجديدة في العام 2006م غلب عبد القادر باجمال السياسي على الإقتصادي، فشرع بإصلاحات سياسية بدأها بفسح المجال للجنوبيين في المشاركة في الأطر القيادية العليا لدولة الوحدة فكان أكثر من نصف وزراء حكومته ينتمون للجنوب، وترأس لجان الحوار مع المعارضين للرئيس السابق علي عبد الله صالح في أحزاب اللقاء المشترك ، و توسع في النشاط السياسي ليكون الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الحاكم في تلك الفترة. بذلك شكل حاجز صد وجنب الرئيس اليمني السابق كثيرا من المواجهات السياسية، فكان من أكثر السياسيين قربا منه. لن أستطرد كثيرا في الحديث عن عبد القادر باجمال، القومي ثم الماركسي الذي تشرب كتاب رأس المال، وكانت المادية الديالكتيكية مرجعه في بداية عمله نائبا لسكرتير الدائرة الإقتصادية للحزب الإشتراكي اليمني ، فالحديث عن شخصية سياسية بحجم باجمال تتطلب دراسات عديدة تتعمق في فكره و أسلوبه القيادي المتفرد . كان باجمال رجل دوله بأمتياز وتحمل مختلف المناصب الرفيعة بأقتدار لما يملكه من ثقافة واسعة وصفات قياديه استثنائية . رحم الله الاستاذ القدير عبدالقادر باجمال والهم اهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان . انا لله وانا اليه راجعون .