أخذت مائة ريال و خرجت لأشتري خبزا او ( روتي) كما نسميه في اليمن للعشاء و لإفطار صباح الغد. الحمدلله تبقى لدى الخباز مائة ريال لم يرجعها لي بالأمس ولذلك سيعطيني اليوم خبزا بمائتين. سيارتي لم يعد فيها الا القليل من البترول. اقترن البترول بالراتب و انجبوا مواليد من الحزن و الاحباط الغاضب. المخبز الذي نحبه لا هو بعيد ولا هو مسافة مشي على الاقدام فسقت سيارتي اليه. على الاقل نأكل في بلادنا خبزا نحبه...لعل رائحته ساخنا تذكرنا برائحة اليمن قبل ستة سنوات. فاليمن هذه لا تشبه اليمن تلك. في طريقي إلى المخبزمررت بدكان يبيع مواد بناء. تمنيت لوكنت أملك المال لدخلت و أشتريت دهان أبيض أدهن به حيطان بيتي التي أننفخت و تقشرت من غزارة أمطار هذا العام. الدهان يحتاج للمال و الرجل الذي سيطلي الحيطان يحتاج لمال. ما عادت الأمور ببساطة التحدث عنها! كذلك أحتاج يد (أوممسك ) لباب الحمام لأنه ُكسر في يدي و أنا أحاول إغلاقه وحتى يومنا هذا لم نستطع استبداله. في كل شهر، تأتي أمور أخرى أهم و أكثر الحاحا. أريد أيضا أربعة مسامير لكي أعلق أربعة لوحات لم أشتريهن بعد! المسامير أولا ثم اللوحات! واصلت سواقتي مبتعدة عن دكان مواد البناء. ليس معي سوى مائة ريال، فلما التفكير؟ مررت بعدها بمحل أثاث رائع. فيه غرفة نوم تمنيتها من كل قلبي.غرفة نومي عمرها ألف عام ! تمنيت كذلك صالون لونه رمادي و كبدي ، عليه وسائد ملقاة بأناقة في زواياه المخملية. تمنيت أخذ صورة سيلفي وأنا أجلس فوق الكنبه غير أنني لم أفعل.سيضحك علي العمال في المحل ثم أنني معي مائة ريال للخبز فقط لا غير، ومائة أخرى لدى الخباز. واصلت قيادتي السيارة. جذبتني المصابيح الملونة المحيطة بمحبوبتي السوبر ماركت. في حضنها مائة منتج وصنف أتمنى شرائهن. أريد قارورة كبيرة من الزيت. أريد انواع كثيرة من الأجبان. أريد علب فول وفاصوليا.أحب العصائر الرائعة. أحتاج صابون ثياب وصابون يد. أتمنى انواع من مرطبات الوجه. أريد جدا شوكلاتة لذيذة لكن غالية، هل ذقتها يا قارئي؟ إسمها روشن. قدت سيارتي بسرعة كأنني أهرب من أمالي الغافية داخل السوبرماركت تستفزنني لدرجة أنني أشتم السوبرماركت حين أعبرمنها بسيارتي. مضحك أن يُسب الانسان سوبرماركت! خلف السوبرماركت الضخمة يوجد مول أضخم. لست من النساء المغرمات بالشراء. لكن في الدور الثاني محل في واجهته ثوب رماني استهواني. كلما دخلت المول صعدت الى الدور الثاني لأقف أمامه وابتسم له. لا تستغرب يا قارئي الإبتسامات، أنا مثل كل نساء الدنيا أحب الفساتين الجميلة الأنيقة! أتفرج على الثياب المعروضة في الواجهة كما يتفرج شخص عقيم على أطفل تلعب وتتزحلق في حديقة عامة! الثوب بثمانية عشر ألف.قد لا يكون الرقم كبيرا لدى البعض لكنه كبير جدا لدى الغالبية من الشعب اليمني مؤخرا. بجانب محل الثوب الذي لم أرتاح منه إلا بعد أن غيروا الواجهة بمحموعة ثياب أخرى ، يوجد بوتيك رائع أشتهيت منه حقيبة يد بيج وحذاء بلا كعب بيج و بني. أغمضت عيني ورأيتني ألبس الفستان و الحذاء وامسك الحقيبة. لكن ذكرني المائة ريال في يدي أنه في يدي مائة ريال لا أكثر ومائة عند الخباز. تجاوزت المول. قدعاهدت نفسي ألا ألعن " العيشة" لأنها هبة من الله لا نملك أمامها الا الحمد والشكر برغم الحرمان فهومن صنع طغاة البشر. لكن كان بداخلي بومة سوداء تلعن بصوت مدوي! بجانب محل الثياب، محل أخر للعطورات و مساحيق التجميل مما يستهوي النساء ومن ضمنهم أنا. مررت بمشفى صغير تمنيت أن أدخل وأجري فحوصات لأطمئن على صحتي. أريد أن أشتكي له من صدر يتخرج من مطاره يوميا عشرات الدفع من التنهيدات! تجاوزت المشفى. معي مائة ريال فقط و مائة لدى الخباز.مررت بدكان فواكه وأنا من عشاق البرتقال. لا أطيل في رصد قائمة الاحتياجات لأن اليمني أصبح يحتاج من الإبرة للصاروخ، هكذا صار الحال يبكيه حال الحال. أخيرا وصلت المخبز بعد رحلة لا أبالغ اذا قلت أنها رحلة تعذيب. رأيت طابور طويل من محطة في شارع أخر، يصل الطابور فيها الى المخبز. تمنيت لو أعرف ما القرابة الأسرية بيننا و بين الكذب ؟ أي سفن محتجزة والسوق السوداء في كل شارع، ركن،زقاق وحي. من أين بترول السوق السوداء اذا كانت السفن محتجزة؟ حولتم الشعب كله الى نفوس مذعورة وتحول الكل إلى هِرة. نزلت من سيارتي فتفاجأت أن الخبازالذي أعرفه غير موجود. ترك إبنه الصغير يبيع. ولد في الخامسة عشر من عمره. مددت يدي بالمائة ريال تتلقفها أصابعي لئلا تتساقط اجزائها و قلت له:-" روتي بمائتين ريال .هذه مائة و لدى والدك مائة أخرى لم يرجعها لي أمس." تفرس في ملامحي في ريبة. أجاب:- " لم يخبرني أبي أن عليه دين بأي مبلغ لأي زبون." مال هذا الطفل سيتعبني؟ هل أصبحت المائة ريال " مبلغ"؟ أشفقت على هذا البائس لأنه ولد في زمان أصبح المائة ريال فيه " مبلغ"! شرحت له:-" أعطيت أباك خمس مائة وأشتريت بمائتين لمدة يومين بقيت مائة عنده، وهذه مائة الأن أعطني روتي بمائتين." لم يقتنع الولد او لعله خاف اباه. ضقت من الانتظار وذقت في طرف لساني مذاق يشبه مرارة الاهانة. مددت يدي لأعطيه موبايلي قائلة له بعصبية:-" اتصل بالوالد و تأكد. هيا أنا مستعجلة." ثانية واحدة و أعاد موبايلي إلى قائلا بتشفي :" لا يوجد لديكِ رصيد للإتصال. سأعطيك بمائة فقط و تعالي غدا تفاهمي مع الوالد." يا للبؤس!!!! اغمرهم به يا رب من غمرونا بالبؤس. حدقت في وجه الصبي الحاذق غير مصدقة ما أسمع. أتفاهم مع الوالد؟ لماذا ؟ هل سنطبع مع إسرائيل أم ماذا؟؟ أغتظت منه وعدت أدراجي وأنا أقول له:-" خلاص لا أريد منك أي شيء. و سأكلم والدك غدا بأنك لم تكن مؤدب." التفت و أنا أركب سيارتي إلى الطفل فوجدته يحرك القات في خده. القات سبب ضياع اليمن صدقوني منذ الأزل. أما الأن فتعددت أسباب ضياعه. سقت سيارتي عائدة الى بيتي بدون روتي. كالأطفال داهمني بكاء. حاولت منعه فلم أستطع. وقفت لدى دكان صغير. نزلت فأشتريت روتي بمائة أكبر من سبابتي بقليل. يا شعب اليمن... أنت كل يوم تنتحب. لكني واثقة بأن الغيوم ستمضي.. و اليمن ستنجب قائد فذ. أجل ستنجب.
أخذت مائة ريال و خرجت لأشتري خبزا او ( روتي) كما نسميه في اليمن للعشاء و لإفطار صباح الغد. الحمدلله تبقى لدى الخباز مائة ريال لم يرجعها لي بالأمس ولذلك سيعطيني اليوم خبزا بمائتين. سيارتي لم يعد فيها الا القليل من البترول. اقترن البترول بالراتب و انجبوا مواليد من الحزن و الاحباط الغاضب. المخبز الذي نحبه لا هو بعيد ولا هو مسافة مشي على الاقدام فسقت سيارتي اليه. على الاقل نأكل في بلادنا خبزا نحبه...لعل رائحته ساخنا تذكرنا برائحة اليمن قبل ستة سنوات. فاليمن هذه لا تشبه اليمن تلك. في طريقي إلى المخبزمررت بدكان يبيع مواد بناء. تمنيت لوكنت أملك المال لدخلت و أشتريت دهان أبيض أدهن به حيطان بيتي التي أننفخت و تقشرت من غزارة أمطار هذا العام. الدهان يحتاج للمال و الرجل الذي سيطلي الحيطان يحتاج لمال. ما عادت الأمور ببساطة التحدث عنها! كذلك أحتاج يد (أوممسك ) لباب الحمام لأنه ُكسر في يدي و أنا أحاول إغلاقه وحتى يومنا هذا لم نستطع استبداله. في كل شهر، تأتي أمور أخرى أهم و أكثر الحاحا. أريد أيضا أربعة مسامير لكي أعلق أربعة لوحات لم أشتريهن بعد! المسامير أولا ثم اللوحات! واصلت سواقتي مبتعدة عن دكان مواد البناء. ليس معي سوى مائة ريال، فلما التفكير؟ مررت بعدها بمحل أثاث رائع. فيه غرفة نوم تمنيتها من كل قلبي.غرفة نومي عمرها ألف عام ! تمنيت كذلك صالون لونه رمادي و كبدي ، عليه وسائد ملقاة بأناقة في زواياه المخملية. تمنيت أخذ صورة سيلفي وأنا أجلس فوق الكنبه غير أنني لم أفعل.سيضحك علي العمال في المحل ثم أنني معي مائة ريال للخبز فقط لا غير، ومائة أخرى لدى الخباز. واصلت قيادتي السيارة. جذبتني المصابيح الملونة المحيطة بمحبوبتي السوبر ماركت. في حضنها مائة منتج وصنف أتمنى شرائهن. أريد قارورة كبيرة من الزيت. أريد انواع كثيرة من الأجبان. أريد علب فول وفاصوليا.أحب العصائر الرائعة. أحتاج صابون ثياب وصابون يد. أتمنى انواع من مرطبات الوجه. أريد جدا شوكلاتة لذيذة لكن غالية، هل ذقتها يا قارئي؟ إسمها روشن. قدت سيارتي بسرعة كأنني أهرب من أمالي الغافية داخل السوبرماركت تستفزنني لدرجة أنني أشتم السوبرماركت حين أعبرمنها بسيارتي. مضحك أن يُسب الانسان سوبرماركت! خلف السوبرماركت الضخمة يوجد مول أضخم. لست من النساء المغرمات بالشراء. لكن في الدور الثاني محل في واجهته ثوب رماني استهواني. كلما دخلت المول صعدت الى الدور الثاني لأقف أمامه وابتسم له. لا تستغرب يا قارئي الإبتسامات، أنا مثل كل نساء الدنيا أحب الفساتين الجميلة الأنيقة! أتفرج على الثياب المعروضة في الواجهة كما يتفرج شخص عقيم على أطفل تلعب وتتزحلق في حديقة عامة! الثوب بثمانية عشر ألف.قد لا يكون الرقم كبيرا لدى البعض لكنه كبير جدا لدى الغالبية من الشعب اليمني مؤخرا. بجانب محل الثوب الذي لم أرتاح منه إلا بعد أن غيروا الواجهة بمحموعة ثياب أخرى ، يوجد بوتيك رائع أشتهيت منه حقيبة يد بيج وحذاء بلا كعب بيج و بني. أغمضت عيني ورأيتني ألبس الفستان و الحذاء وامسك الحقيبة. لكن ذكرني المائة ريال في يدي أنه في يدي مائة ريال لا أكثر ومائة عند الخباز. تجاوزت المول. قدعاهدت نفسي ألا ألعن " العيشة" لأنها هبة من الله لا نملك أمامها الا الحمد والشكر برغم الحرمان فهومن صنع طغاة البشر. لكن كان بداخلي بومة سوداء تلعن بصوت مدوي! بجانب محل الثياب، محل أخر للعطورات و مساحيق التجميل مما يستهوي النساء ومن ضمنهم أنا. مررت بمشفى صغير تمنيت أن أدخل وأجري فحوصات لأطمئن على صحتي. أريد أن أشتكي له من صدر يتخرج من مطاره يوميا عشرات الدفع من التنهيدات! تجاوزت المشفى. معي مائة ريال فقط و مائة لدى الخباز.مررت بدكان فواكه وأنا من عشاق البرتقال. لا أطيل في رصد قائمة الاحتياجات لأن اليمني أصبح يحتاج من الإبرة للصاروخ، هكذا صار الحال يبكيه حال الحال. أخيرا وصلت المخبز بعد رحلة لا أبالغ اذا قلت أنها رحلة تعذيب. رأيت طابور طويل من محطة في شارع أخر، يصل الطابور فيها الى المخبز. تمنيت لو أعرف ما القرابة الأسرية بيننا و بين الكذب ؟ أي سفن محتجزة والسوق السوداء في كل شارع، ركن،زقاق وحي. من أين بترول السوق السوداء اذا كانت السفن محتجزة؟ حولتم الشعب كله الى نفوس مذعورة وتحول الكل إلى هِرة. نزلت من سيارتي فتفاجأت أن الخبازالذي أعرفه غير موجود. ترك إبنه الصغير يبيع. ولد في الخامسة عشر من عمره. مددت يدي بالمائة ريال تتلقفها أصابعي لئلا تتساقط اجزائها و قلت له:-" روتي بمائتين ريال .هذه مائة و لدى والدك مائة أخرى لم يرجعها لي أمس." تفرس في ملامحي في ريبة. أجاب:- " لم يخبرني أبي أن عليه دين بأي مبلغ لأي زبون." مال هذا الطفل سيتعبني؟ هل أصبحت المائة ريال " مبلغ"؟ أشفقت على هذا البائس لأنه ولد في زمان أصبح المائة ريال فيه " مبلغ"! شرحت له:-" أعطيت أباك خمس مائة وأشتريت بمائتين لمدة يومين بقيت مائة عنده، وهذه مائة الأن أعطني روتي بمائتين." لم يقتنع الولد او لعله خاف اباه. ضقت من الانتظار وذقت في طرف لساني مذاق يشبه مرارة الاهانة. مددت يدي لأعطيه موبايلي قائلة له بعصبية:-" اتصل بالوالد و تأكد. هيا أنا مستعجلة." ثانية واحدة و أعاد موبايلي إلى قائلا بتشفي :" لا يوجد لديكِ رصيد للإتصال. سأعطيك بمائة فقط و تعالي غدا تفاهمي مع الوالد." يا للبؤس!!!! اغمرهم به يا رب من غمرونا بالبؤس. حدقت في وجه الصبي الحاذق غير مصدقة ما أسمع. أتفاهم مع الوالد؟ لماذا ؟ هل سنطبع مع إسرائيل أم ماذا؟؟ أغتظت منه وعدت أدراجي وأنا أقول له:-" خلاص لا أريد منك أي شيء. و سأكلم والدك غدا بأنك لم تكن مؤدب." التفت و أنا أركب سيارتي إلى الطفل فوجدته يحرك القات في خده. القات سبب ضياع اليمن صدقوني منذ الأزل. أما الأن فتعددت أسباب ضياعه. سقت سيارتي عائدة الى بيتي بدون روتي. كالأطفال داهمني بكاء. حاولت منعه فلم أستطع. وقفت لدى دكان صغير. نزلت فأشتريت روتي بمائة أكبر من سبابتي بقليل. يا شعب اليمن... أنت كل يوم تنتحب. لكني واثقة بأن الغيوم ستمضي.. و اليمن ستنجب قائد فذ. أجل ستنجب.