اتلاف 25 طنا من البضائع المنتهية في البيضاء    قراءة في بيان قائد الثورة بمناسبة ذكرى الاستقلال    مباريات اليوم الثلاثاء في كأس العرب 2025    الخرطوم تفتح الباب لوجود روسي دائم في البحر الأحمر    صراع النفوذ السعودي الإماراتي يطفئ مدن حضرموت    8 سنوات على فتنة ديسمبر.. الخاتمة السوداء للخائن عفاش    تنافس القوى الكبرى في البحر الأحمر في رسالة ماجستير للمقطري    هيئة الأوقاف في البيضاء تعيد تأهيل مقبرتي الخرقاء الشرقية والغربية    النائب المقطري يكشف عن توجيهات رئاسية بشأن المقاطرة ومصادر محلية توضح حول تسليم الجبولي    الحباري يرفض العودة الى نادي الأهلي    توقف الشركات النفطية في حضرموت مع انتظار ساعة الصفر لتفجير الأوضاع    الذهب عند أعلى مستوى في 6 أسابيع والنفط يرتفع 2%    صفقة معدات عسكرية أمريكية للسعودية بمليار دولار    حقول النفط في حضرموت: معاناة الأهالي مقابل ثراء فئة قليلة    تحركات عسكرية واسعة للمنطقة الأولى نحو بن عيفان يرافقها نشاط إخواني سري    المقاومة الجنوبية تعلن التعبئة العامة لتحرير وادي حضرموت    جاهزية صحية قصوى في وادي حضرموت وسط مخاوف من تطورات وشيكة    قوات الجنوب تتصدى لهجوم إرهابي في عومران وتلاحق القاعدة في جبال مودية    حضرموت.. وساطة محلية توقف القوات المتصارعة على خطوط التماس، وفتيل التوتر ما يزال قابلاً للاشتعال    منسقية الأحزاب بحضرموت ترحب بمبادرة التهدئة وتؤكد رفضها لاستقدام قوات من خارج المحافظة    عيد الجلاء... ذاكرة التحرر ووعد المستقبل    جرح يتنكر    أزمة غاز مفاجئة تضرب عدن    فلسطين تطيح بالعنابي وسوريا تتجاوز تونس في أولى مباريات كأس العرب    تسجيل هزة أرضية في محافظة الحديدة    مليشيا الحوثي تغلق محطة وقود في إب وتواصل استهداف التجار لصالح مشرفيها    عدن.. لملس يفتتح حزمة مشاريع خدمية وأمنية وحدائق عامة    منحة سعودية ب90 مليون دولار لدعم دولة فلسطين    الإمارات في عيدها 54.. اتحاد راسخ ورؤية تنموية رائدة    لملس و الحريزي يفتتحان مشروع إعادة تأهيل شارع معارض السيارات في الشيخ عثمان    الهيئة النسائية في تعز تدشن فعاليات إحياء ذكرى ميلاد الزهراء    نسائية حجة تنظم فعاليات بمناسبة ميلاد فاطمة الزهراء    تهريب مئات القطع الأثرية من اليمن خلال شهرين فقط    8 وفيات و12 إصابة بحمى ماربورغ في إثيوبيا    عقب الإخفاقات.. تطورات بشأن مستقبل الونسو مع ريال مدريد    المغرب يستهل كأس العرب بمواجهة غامضة واختبار صعب للكويت والسعودية    حضرموت.. بترومسيلة تعلن إيقاف إنتاج وتكرير النفط نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية    لا تخطئوا.. إنها حضرموت    خط ملاحي دولي يستأنف نشاطه إلى ميناء الحديدة    قراءة تحليلية لنص "أسئلة وافتراضات" ل"أحمد سيف حاشد"    "صور".. صقيع يضرب أجزاء من المرتفعات ويلحق أضرارًا بالمحاصيل الزراعية    الرئيس الكافر والرئيس المؤمن.. حكاية إيمان على طريقة الملتحين ومتاجرة بالدين    منتخب اليمن للناشئين يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا 2026    الليغا ... ريال مدريد يستمر في السقوط    باحث يمني يكشف عن تهريب 200 قطعة أثرية    شؤون وشجون تعليمية..!!    أبو الغيث يؤكد على أهمية تعزيز الدعم الإغاثي في الحديدة    مرض الفشل الكلوي (30)    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن محمد علي حمود في وفاة والدته    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس تنفيذي الحزب في البيضاء بوفاة شقيقه    رحيل الشيخ المقرمي.. صوت التدبر الذي صاغته العزلة وأحياه القرآن    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    إليه.. بدون تحية    رسائل إلى المجتمع    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    في وداع مهندس التدبّر    الشيخ المقرمي.. وداعا    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن المشردين والمجانين والكلاب الضالة!!
نشر في عدن الغد يوم 22 - 10 - 2020


( للكاتب/ماجد زايد )
مات رجل من مدينتنا، مات واحد من شعب التائهين في الطرقات، مات آخر صباحات المشردين والكلاب الحزينة، مات جائعًا، باردًا، مريضًا، ووحيدًا بلا أقرباء، مات وترك خلفه صورة واحدة فقط لكنها تحكي كل شيء، وتخلد ذكراه وحكايته لما وراء الأبد..!
كان هذا الإنسان طيلة حياته يتجول في الشوارع مع رفاقه الكلاب، كان الآخرون يطلقون عليه فاقدًا للعقل، لم يكونوا يعلمون أنه أعظم العارفين..!
قضى حياته وحيدًا بلا أهل، بلا وطن، بلا رسول، بلا حياة، وبلا بداية أو نهاية، مرت الأيام عليه وتغيرت الأعوام كثيرًا ووهبه الزمان رفاقًا أوفياء من سلالة المهاجرين والأنصار، كان يصحو باكرًا ليطعمهم، ويجلب رزقهم من اللا شيء، يجلب أكلهم وشرابهم طيلة سنين، كان نشيطًا، مكابرًا، طيبًا، وقلبه البشري يشبه قلب سيدنا الكريم، كان يسير كل يوم في الشوارع والطرقات، قليلًا ثم يجلس، ثم ينهض، ثم يسير مجددًا ورفاقه بجانبه لا يلبثون قليلًا حتى يسرعون للمشي بجواره، كانوا يتباهون بصديقهم الوحيد والوفي وربما الأخير.
كانت الكلاب تسير مع خطواته وتعرجاته كطفل يساير أباه، يتقمص دوره، يحبه ويخاف عليه، وهو في الأثناء يتخيلهم ك أبنائه وعياله، أبنائه الذين تخلوا عنه منذ زمن، كان يحبهم بالفعل ويشتاق إليهم ويخاف منهم وعليهم، ويتذكرهم آخر الليل كل يوم، كان يتذكرهم حينما خانوه وتركوه مشردًا في الأرصفة والمتاهات، حينما تخلوا عنه وتبرأوا من صلتهم به، كان يعرف ما حدث، وكيف حدث؟، ولماذا حدث؟، لكنه يتجاهل الحزن ويدعي الجنون.!
لا خيار آخر عدا ادعاء الجنون في عالم المجانين..! كان لا يزال يتذكر جيدًا أين يعيش أبناؤه وعياله، لكنه يخاف من تخليهم عنه مجددًا، يخاف من استحقارهم له مرة أخرى،لا يسع القلب الموت مرتين..!
هكذا كان يقول في قلبه حينما يشتاق اليهم ويخاف منهم،ولا يريد العودة أبدًا، كان كبرياؤه في القلب يتلاشى مع الزمن بالتدريج وتوهجه ما عاد بذلك الخفقان، لكنه يأبى أن يكون عبئًا حقيرًا على أحد.
كان قد حصل بالشارع على أسرة جديدة ووفيه وعيال مطيعين أنقياء، ووطن لا ينتهي من الطرقات والممرات والميادين الكبيرة، كان يتحدث الى رفاقه الكلاب كل يوم قبل النوم، كان يحكي لهم عن شبابه وزوجته وبيته القديم،عن معسكره البعيد وأصدقائه القدامى، عن عقوبات الفندم القوي -محمد ناصر-،عن سخريتهم منه وخوفهم منه وحبهم الكبير له، كانوا يقضون أيامهم في المعسكر ينتظرون المعاش ليعودوا الى البيت، هذا فقط، كانوا يعودون بشغف لا ينتهي وبحر هادر من الأشواق والحكايات، يعودون من المعسكر ليشتروا لأبنائهم ملابس وجعالةالعيد كانوا وكانواوكانوا،وكان يبكي دائمًا بالليل إذا تذكر أبناءه، ثم يعود ويضحك من ذكريات أصدقائه في المعسكر،كان يحب الجميع ويتذكرهم ويخاف عليهم، كانت هذه الكلاب تفهمه وتحبه وتنام بالقرب منه، كان دفئًا ووطنًا وأمانًا وسلامًا عليها،كانوا بالفعل يخافون على بعضهم، وطيلة سنين يتحدثون كالمجانين في غرف الوطن الكبير، وطن المشرين والمجانين والكلاب الضالة.
كانوا مجانين في الطرقات والميادين والجولات والأسواق المزدحمة، كانوا يجلسون مع بعضهم دائمًا،يتجولون ببعضهم كل يوم، يضحون لأجل بعضهم ويبحثون عن بعضهم في كل مرة يزداد توهانهم أكثر.
كانت حياته فقيرة ومشردة ووحيدة لكنها سعيدة، كان يدرك هذا ويصر عليه، كان قد عرف بالفعل غاية الكون وغاية البقاء وغاية الضمير، عرف كل شيء وفهم كل شيء وتجاهل كل شيء وعمل بناءً على ذلك، هكذا يصبح من أحب الشيء وعاش في سبيله..!
كان الشارع بيته ووطنه ومملكته الأخيرة،الكلاب عياله وأبناءه وأسرته الوحيدة،والسماء سقفه وستارته ومثواه الأخير..!
كان واحدًا من شعب المشردين، جزءًا كبيرًا من هويات التائهين والمتروكين، نموذجًا دائمًا عن تشردنا وبؤسنا الكبير..!
كان نحن في أصدق عبارات البقاء والخلود.!
كان هذا نحن وكان أبونا جميعًا، ودموع كلابه وأوفيائه دموعنا نحن وحزننا نحن وذكرياتنا نحن، ونحن هذه اللوحة وخيوطها المنسوجة من بؤس العالمين.!
نحن كل هذه الكتابات الحزينة في هذه الصورة الأخيرة.!
ونحن الكلمات الأخيرة لنبي المشردين قبل تركه لكلابه..!
ونحن الرعشة الأخيرة بقلب غاندي قبل أن يموت مشردًا مع كلابه.!
نحن قاطنو العشوائيات الفقيرة من الحب والوطن، العشوائيات المزينة بالكذب والنفاق والكثير من الأوغاد..!
ونحن هؤلاء السائرون في الطرقات بلا أم وبلا حكايات قديمة.!
ونحن أيضًا أصحاب الأدمغة العتيقة، الأدمغة التي تعجز كل مخدرات العالم عن تهدئتها من الحزن في هذه الصورة.!
ونحن بالفعل من لا يهتم لهم أحد، لكنهم أيضًا لم يعودوا يهتمون لأمر أحد..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.