قصة قصيرة -الواقف على قائمين منذ أن استشعرت مداركهُ الحياة ، وهو يمشي على أربعة قوائم ، تعلّم أن يهز ذيله بإذلال لما تتفضل به القمامة من طعام مُجمله من العظام ، يلعق بواقي نكهة لحم كان يكسوها .
لا يذكر أنه استخدم أسنانه ليمضغ شيئاً طرياً ، كل ما يعرفه أن أسنانه تستخدم للقتال فقط . لشد ما كانت دهشته عظيمة عندما أخبره جده ذات يوم أنهم كانوا يمشون على قائمين ، لم يتصور يوماً أن يسمع هذه الحقيقة ، بلهفة سأل جده :
_ كيف يكون هذا يا جدي ؟! _ أجل يا عزيزي ! كنا نمشي على قائمين ، وكنا كِراماً عزيزين ! إلى أن جاءنا الشيطان وسلبنا كرامتنا فصرنا على هذه الحال !
_ وكيف تركتموه يسلبكم كرامتكم ؟! تنهد جده وقال في أسى : غلطة الآباء يدفع ثمنها الأبناء ! _ لماذا لم تحاولوا استرجاعها ؟!
_ كل من حاول ذلك كان مصيره الموت أو الحبس ! _ ألا توجد وسيلة تعيدنا إلى ما كنا عليه ؟!
صمت الجد برهة قبل أن يقول : هنالك حكاية ! في فضول سأل الحفيد : حكاية ؟! أية حكاية ؟!
_ لست على يقين من صدق هذه الحكاية ، لكنها تقول أنه في وادٍ بعيد يدعى وادي الحياة تعشش في قمته حمامة بيضاء ! يُقال أن من يرتشف قطرة من دموعها يصبح له قائمين !
_ حقاً ؟! وأين هذا الوادي ؟! _ إنه يبعد عنا مسافة عشرة أيام ! _ ولماذا لم يذهب أحدُ إلى هناك !
تنهد الجد في أسى وقال : لأننا رضخنا وتقبلنا مصيرنا ! _ أما أنا فلا !! وسأذهب لأغير مصيري !! _ أنتظر يا بني ! لا أحد يعلم كيف هو الطريق إلى هناك ! قد يصيبك مكروه ! أجاب الحفيد بصرامة : الموت عندي أهون من أن أعيش في الذل !
مضى في رحلته ، صبر على مشقة السفر ، قاوم الجوع ، حتى وصل إلى وادي الحياة ، صعد إلى قمته ، ليجد الحمامة البيضاء قابعة على عشها ، كانت أجمل شيئاً رأته عيناه ، كان لونها الأبيض يسطع من نصاعته ، بشراهة افترستها نظراته الجائعة ، توترت الحمامة ، وهتفت : من أنت ؟ وماذا تريد ؟!
تدلى لسانه حتى كاد يلامس الأرض وهو يقول لاهثاً : أريد دموعك ! _ يجب أن تكون جديراً بها ! _ كيف ؟!
_ عليك أن تروي لي قصتك ومعاناتك .. فإن كنت صادقاً سأتأثر بها وأذرف لك الدمع أما إن كنت كاذباً فلن تنالها ! وأعلم أنني أميز الصدق من الكذب ، فلا تحاول خداعي! لم ينصت إلى كل ما قالته لأن الجوع كان قد استبد به ، فقال لنفسه لِمَ الانتظار حتى يروي لها حكايته طالما يمكنه أن يحصل على دمعها ولحمها في آن معاً ، أنقض عليها يفترسها بوحشية ، ولأول مرة يتذوق فيها لسانه لحماً طرياً وشهياً ، أشبع غريزة الجوع لديه وراح في سبات عميق لم ينعم به في حياته ، وعندما استيقظ ، نهض عن الأرض ليجد نفسه يقف على قائمين ، أطلق صرخة فرحة وانتصار ، عاد إلى دياره ، نادى على جده ، أقبل عليه جده ، لكنه عندما رآه هرب فزِعاً ، استغرب الحفيد ردة فعل جده الغير متوقعة ، وتساءل إن كان به خطب ما ، تحسس شكله ، ففوجئ بقرنين نبتا على رأسه ، هز كتفيه بلا مبالاة ، وقال لنفسه ، لماذا أشغل نفسي بقرنين طالما أني أقف على قائمين!