في السنوات الأخير لفت انتباهي كمية الكليبات الفنية المونتجة في صنعاء، كليبات راقية وهادفة وبعيدة كل البعد عن المشاريع الفئوية والمناطقية والسلالية، وتكتنز قدر كاف من الذوق الذي يمكنها من الانتشار عربيًا. وعدن عاصمة الفن والثقافة لم يصدر منها إلا كليبات بعدد أصابع اليد، دون أن تحضى برواج إعلامي كتلك السابقة الذكر.
والسبب هو أن التكتلات السياسية والدينية والثورية في صنعاء تملك أدبيات فنية لمشاريعها وأفكارها وهذا ما ساهم في الحراك الفني بكافة أنواعه الإنشادي والغنائي، الكلاسيكي، والطربي، والشعبي وكلها تختزل هوية الفن الصنعاني.
كما أن الموهوبين هناك يقلب عليهم الطابع الحيادي تجاه سلطات الأمر الواقع، ويستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بحرفية عالية لنشر كل أعمالهم حتى البسيطة!
فمن مغني شعبي في مقيل بتخزينته الكبيرة إلى مسرح النجومية! ومن طفل يستخدم عذوبة صوته لجلب الزبائن لشتراء الماء إلى الشهرة العربية والنجومية!
بينما في عدن نعرف فنانين كثر، يحييون المهرجانات والاحتفالات، والمخادر، وكذلك يدندنون في الشوارع... ومع ذلك يجد الفنان في عدن صعوبة في الظهور للعالم العربي، ومن ظهر منهم بعد لي؛ كان بعيدا عن هويته الفنية متأثرا بأداء مطربي ومنشدي الخليج ومصر.
ويعود السبب لعدم وجود أدبيات فنية للتكتلات السياسية والثورية والديني في عدن، نعم هناك موروث فني شعبي لكنهم لا يحاولون إظهاره على وسائل الإعلام الحديث؛ لأن الجهات المسيطرة لا تدعم ذلك، ولا تحاول الربط بين مشاريعها وموروثها؛ وبهذا نتج الجفاف الفني عدنيا وذهب المستمع ليروي نفسه من الانتاجات الفنية الصنعانية والخليجية والمصرية وقليلا مما ترك الأجداد.
بل أصبحت عدن مدينة طاردة لكل المبدعين لأنهم لا يستطيعون أن يصلوا فيها إلى النجومية، ولدينا نماذج عدة غادرتها لتجد لنفسها بيئة فنية تساعدها على الظهور للنجومية.
الفنان عبود خواجه وعمر ياسين وكذلك عامر اليافعي وكثير هم المطرودون من البيئة العدنية الغير داعمة للجانب الفني، ومن بقي فيها ضل بعيدا عن مسرح النجومية رغم الامكانات التي يمتلكونها أمثال: الفنان عمر باقيس، والمنشد عبدالرحمن عبدالكريم، وعبدالمجيد عامر... والائحة تطول.
كما أصبحت عدن غائبة بأصوات الفنانين الصغار عن المشهد المحلي فضلا العربي، خلافا لصنعاء التي تمثل اليمن في المحاضن الفنية المهتمة بالمبدع الصغير غنائيا وإنشاديا.
وهذا بحد ذاته يشكل خطرا كبيرا على نفسيات الشباب، فلا أحد ينكر قدرة الفن على تهذيب النفس، وترويضها، ورفع قيمة المعاني الإنسانية كالحب والأخوة، والوفاء، والكرم.
كما أن خروج الفن من وسائل التغيير والتعبير عن المشاعر والآراء يجعل الحلقة تضيق أمام الإنسان ويلجأ لاتخاذ وسائل خالية من المعاني التي يرفع من شأنها الفن وبهذا تزيد حدة الطباع.
علينا الاهتمام ولو قليلا فقط بموروثنا الفني، ومساعدة الموهوبين في هذا المجال ليتمكن لهم الربط بين طموحهم وموروثهم، يطوروه ويظهروه بصورة أكثر تناغما مع موسيقى العصر الحديث واسعة الانتشار.