هناك حقد تاريخي ضد البانكرية (مدراء البنوك و اصحابها) يمتد الى القرن التاسع عشر عندما تسببت البنوك في الستينات من ذلك القرن بأزمة اقتصادية خانقة مشابهة تذكرنا بالازمة التي مررنا بها مؤخرا. انعكس هذا الحقد و الكره في كثير من الاعمال الادبية و الفنية الساخرة ولا سيما من جانب اليسار الاوربي. تفجر هذا الكره و النقد المرير في السنوات الاخيرة عندما اتضح انه في الوقت الذي خسر فيه بسطاء الناس ألوف الدولارات بنتيجة سوء ادارة البنوك بل و ارتكاب بعض موظفيها جرائم تزييف و احتيال، تمادى بعض المدراء في غيهم و استهتارهم بمنح انفسهم علاوات و مكافآت مليونية. اثار ذلك موجة واسعة من السخط في وسائل الاعلام و البرلمان والرأي العام الغربي عموما، بل وحتى من الاوساط الرسمية بعد ان اضطرت الحكومات الى انقاذ البنوك المفلسة، مثل البنك الملكي لاسكوتلندا و لويدز ونورثرن روك في بريطانيا. وفعلت ذلك على حساب دافعي الضرائب.
هكذا تدهورت صورة البانكرية الى اسوء ما يمكن من القبح و الرفض. ولا شك ان بعضهم قد لاحظ ذلك و استاء منه. ظهر بينهم اخيرا عدد من رجال الاعمال و مدراء البنوك الشباب، نحو الف رجل و امرأة، ممن عقدوا العزم على تحسين هذه الصورة، صورة البانكير مصاص الدماء الى صورة البانكير الشريف و رجل الاحسان.
باركت على الفكرة مؤسسة الستي اوف لندن،City of London Corporation المؤسسة المكلفة بإدارة اعمال منطقة الستي، منطقة المال و الاعمال من العاصمة البريطانية، فعينت السيدة شرل جابمان لادارة المشروع الخيري الذي سيتولى توزيع مبالغ كبيرة من مدخول الستي الى الجمعيات الخيرية المختلفة في البلاد و نحو ذلك من اوجه الخير. إنها في الواقع نوع من الضريبة الطوعية التي سيجود بها رجال المال و الاعمال لتحسين صورتهم في اذهان الجمهور. قالت السيدة جابمان على هامش هذا المشروع: “يعتقد الناس انه لا يوجد غير نوع واحد من البانكرية: مصاص الدماء الذي لا يعنيه شيء غير مص اموال الناس. و لكن هذا حقا غير صحيح. غير ان الجمهور ينظر الى تبرع مدير بنك بشيء من المال مثل تبرع دراكولا (مصاص الدماء الاسطوري) بالدم للناس!”
الفكرة الغالبة ان الصدقات و اعمال الخير يقوم بها غالبا الشيوخ و كبار السن، بيد ان هذا المشروع التصحيحي و التجميلي مشروع شبابي كليا. وكان من هذه المبادرات الشبابية قيام عدد من صغار رجال الاعمال بتأسيس جمعية المحسنين الشباب. و شمل نشاطها تقديم وجبة فطور مجانية يوميا لنحو 8500 تلميذ و تلميذة في 250 مدرسة من مدارس الاحياء الفقيرة. و انتمى لهذه الجمعية حتى الآن 650 عضوا من رجال المال و الاعمال من نحو عشرين مؤسسة مالية و مصرفية كبرى. وقد تبرعوا حتى الآن بنحو مائة الف جنيه استرليني و المتوقع ان يتجاوز المبلغ المليون في نهاية السنة.
غير ان هذا المشروع لا يرمي فقط لتقديم المساعدات المالية و الخيرية و إنما يتضمن تنوير المؤسسات الخيرية في بريطانيا عموما بكيفية ادارة اعمالها و استثمار وارداتها بما يؤدي الى زيادة كفاءتها في الحصول على الاموال و المساعدات و استثمار هذه المداخيل استثمارا ناجحا يضاعف من مواردها و قدراتها في مساعدة المحتاجين. و كلي امل الا يظهر بين المشاورين الماليين هنا ايضا من يخطف اموالها و يهرب! بقلم : خالد القشطيني