ندوة تؤكد على دور علماء اليمن في تحصين المجتمع من التجريف الطائفي الحوثي    هيئة النقل البري تتخبط: قرار جديد بإعادة مسار باصات النقل الجماعي بعد أيام من تغييره إلى الطريق الساحلي    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    لقاءان لقبائل الغيل والعنان في الجوف وفاءً للشهداء وإعلانًا للجاهزية    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    الحديدة.. المؤتمر العلمي الأول للشباب يؤكد على ترجمة مخرجاته إلى برامج عملية    لابورتا يُقفِل الباب أمام عودة ميسي إلى برشلونة    شبوة تودّع صوتها الرياضي.. فعالية تأبينية للفقيد فائز عوض المحروق    فعاليات وإذاعات مدرسية وزيارة معارض ورياض الشهداء في عمران    بكين تتهم واشنطن: "اختراق على مستوى دولة" وسرقة 13 مليار دولار من البيتكوين    مناقشة جوانب ترميم وتأهيل قلعة القاهرة وحصن نعمان بحجة    شليل يحرز لقب فردي الرمح في انطلاق بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد بصنعاء    افتتاح مركز الصادرات الزراعية بمديرية تريم بتمويل من الاتحاد الأوروبي    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    من المرشح لخلافة محمد صلاح في ليفربول؟    مفتاح: مسيرة التغيير التي يتطلع اليها شعبنا ماضية للامام    منتسبوا وزارة الكهرباء والمياه تبارك الإنجاز الأمني في ضبط خلية التجسس    تألق عدني في جدة.. لاعبو نادي التنس العدني يواصلون النجاح في البطولة الآسيوية    المنتصر يدعوا لإعادة ترتيب بيت الإعلام الرياضي بعدن قبل موعد الانتخابات المرتقبة    دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    جنود في أبين يقطعون الطريق الدولي احتجاجًا على انقطاع المرتبات"    إيفانكا ترامب في أحضان الجولاني    الإخوان والقاعدة يهاجمان الإمارات لأنها تمثل نموذج الدولة الحديثة والعقلانية    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    خبير في الطقس: برد شتاء هذا العام لن يكون كله صقيع.. وأمطار متوقعة على نطاق محدود من البلاد    عين الوطن الساهرة (2)..الوعي.. الشريك الصامت في خندق الأمن    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الابداع الروائي بخلطات دان براون المشوقة
نشر في عدن الغد يوم 16 - 05 - 2013


قراءة في رواية الرمز المفقود لدان براون
سئل صحفي جابريل جارسيا ماركيز يوماً، هل تكتب من اجل الجوائز؟.. فأجاب ماركيز الروائي الكبير والحاصل على جائزة نوبل للاداب: كلا.. ثم استطرد ولكن لا اخفيك سراُ فهنالك من يفعل ذلك، وروى حكاية للصحفي مفادها ان احد اصحاب دور النشر الشهيرة ببارس اخبر ماركيز ذات مرة بأنه (والكلام لصاحب دار النشر) يبحث بطريقة تفكير النقاد ومانحي الجوائز ومعاييرهم التقيمة ثم يطلب من الكتاب الذين يتعامل معهم تقديم نصوصهم ضمن هذه (الخلطة السرية) والنتيجة حصد الجوائز!، وبطبيعة الحال فماركيز لم يعلق على رأيه بهذه الفكرة رغم انه عبر عن عدم سعيه لتطبيقها.. او هكذا ادعى!

اليوم نجد كاتباً خرج من الفراغ.. وليس تعبير الخروج من الفراغ انتقاصاً له بقدر ما هو تعظيم لشقه لطريقه نحو النجاح دون مقدمات.. بل بسلسلة اعمال لا تروق النقاد وما نحي الجوائز فقط بل تروق القراء من عدة ثقافات ولغات.. لدرجة ان كتبه القليلة ترجمت لما يزيد عن 40 لغة وحققت اعلى مبيعات على مستوى التاريخ.. حتى علق احد صناع عالم الكتب بالقول ربما ان نسخ كتبه ستصبح يوماً اكثر من نسخ الكتاب المقدس!.. انه الكاتب الامريكي دان براون.

الكاتب العبقري يقدم في روايته الاخيرة (الرمز المفقود) فرادة متناهية الدقة.. وعبر اجواء من الاثارة والشد.. وفيض من المعلومات والتفاصيل التي تدس بعمق وبسلاسة تشويقية.. يعاب عليها المبالغة بالتفاصل ضمن حدث مكثف.

دان..
دان براون عبقري لايمتلك صفة العبقرية الابداعية فحسب، بل يمتلك عبقرية استثنائية بثقافته الواسعة والعميقة وطرق عرضه لآراءه وافكاره.. يجد البعض بأن براون ابن الثماني واربعين عام، صيغت خلفيته الثقافية بتعاضد واقع بيئته، والده استاذ الرياضيات ووالدته الباحثة بالثقافة الدينية الفنية (الترانيم الدينية) وزوجته باحثة التاريخ.. وبالتأكيد هو كباحث مميز وقارىء نهم.. صب جام جهده على ملاحقة تفاصيل مطوية وعالم غامض من الرموز المؤطر بالابستمولوجيا وميثالوجيات التصوف الديني القديم والوسيط.. وعوالم التنظيمات الباطنية خاصة الماسونية وعوالم الاديان الخاصة.

شهرته الحقيقية لمعت عالمياً بعد روايته المميزة (شيفرة دافنشي) التي نشرت عام 2003 وترجمت الى عشرات اللغات محققة لمبيعات قياسية قيل انها تجاوزت المائة مليون نسخة فضلاً عن اعداد غير منتهية من النسخ المنسوخة، وتحول دان برون بسرعة الى نجم بارز تلاحقه الفضائيات وتتربع صورته على اغلفة المجلات.. حتى صنفته مجلة التايم بأنه واحد ضمن اكثر مئة شخصية اثرت بالعالم.. بالاشارة لتأثيره على طبقة عريضة من قراءه حول العالم.

روايات خارجة عن المألوف..
يمكن تقسيم اعمال دان براون الى قسمين، الاول هو روايات دان قبل الشهرة وهما روايتي (الحصن الرقمي) عام 1998 و(الخديعة الكبرى) عام 2001 والقسم الثاني من اعماله هي سلسلة محورها شخصية بروفسير في علم فك الرموز الاثارية القديمة اسمه روبرت لانغتون يقدمه دان براون في ثلاث روايات هن (ملائكة وشياطين) عام 2000 و(شيفرة دافنشي) عام 2003 و(الرمز المفقود) عام 2009.

يعتمد براون تلك الخلطة المميزة من التشويق ومزج الخيال بغياهب التاريخ والبحث عن المؤامرات وتوظيف الحدث الاني لملاحقة حقائق فلسفية من ميثالوجيات الدين وابستمولوجي الحياة.. وربما ان الدين والعلم هما محوران هامان لآعمال براون تارة بتضادهما وتارة بوفاقهما، كما ولبراون قدرة فريدة في زج القارىء بحياة عصرية كأنما يعيشها القارىء بالفعل وسحبه داخل الحدث لملاحقة وكشف معلومات مثيرة عن خفايا التاريخ وتنظيماته السرية ورموزه المخبئة بين المعابد والمتاحف والمحافل الماسونية واجهزة المخابرات العالمية.. براون رواياته تارة في الولايات المتحدة واخرى بفرنسا وقبلها باليابان.. انه كاتب موهوب جداً.

ليس هنالك من شك بأن (شيفرة دافنشي) كانت نقطة الانطلاق الحقيقية لبراون ولعالميته اللاحقة.. بل ان رواياته الثلاث قبل شيفرة دافنشي لم يجري ترجمتهم الى لغات عالمية اخرى الا بعد نجاح شيفرة دافنشي وذياع صيت كاتبها..

وقد تحولت روايتيه (ملائكة وشياطن) و(شيفرة دافنشي) الى افلام سينمائية بميزانيات باهضة ونجوم كبار فالبطولة انيطت للنجم العالمي (توم هانكس).. وقد ابتدأ العمل على تحويل لرواية (الرمز المفقود) لفلم سينمائي من بطولة هانكس ايضاَ.. من المقرر ان ينتهي العمل به العام 2012.

الرمز المفقود
في ايلول من العام 2009 اصدرت دار راندوم للنشر الطبعة الاولى لرواية (الرمز المفقود) لدان براون التي انتظرها الملاين حول العالم فهي اول عمل لبراون بعد نجاح كتابه الاشهر شيفرة دافنشي وبعد انقطاع عن النشر منذ العام 2003، الطبعة الاولى بملاينها الخمسة سرعان ما تلاشت من الاسواق محققة مبيعات خيالية.. يكفي ان يكون اول مليون نسخة قد نفذت بأول اسبوع من طرح الكتاب!.. وسرعان ما توالت الاصدارات والترجمات بعشرات اللغات.. ليصل عدد ما طبع من الكتاب الى اليوم الحالي حوالي 80 مليون نسخة حول العالم.

محور الرواية
لبراون ادواته الخاصة بالكتابة.. فهو دقيق حد الاستفزاز.. بالاوصاف وبالمعلومات والارقام والشروحات.. شخصياته عند الغوص بماضيها او احداث حياتها ستجد تفاصيل معقدة ومختلفة.. المحور العام للقصة ينشىء من خلال تخطيط متقن ببراعة رهيبة لجريمة منظمة.. الرواية بأكملها تعيش معك بيوم واحد (يوم الجريمة) من الصباح حتى الصباح، عقل مهووس بالبحث عن اسرار المعرفة يتغلغل داخل المحفل الماسوني الامريكي الرسمي ويتدرج عبرها بهدوء وعلى الجانب الاخر من حياته يخطط للوصول لمعلومات مخفية موروثة عن الماسونيون الاوائل يصورها براون بأنها منتهى الحكمة القادرة على تغيير العالم، (ملاخ) او (د.كريستوفر عبدون) يخطط لجريمته بعناية بخطف رئيس المحفل الماسوني الامريكي (بيتر سلمون) ويقطع يده ويتركها في مبنى الكابيتول بواشنطن العاصمة.. ليبدأ بمساومة الشخصية الرئيسية بالرواية البروفيسور (روبرت لانغتون) استاذ فك الرموز القديمة بهارفرد وصديق (بيتر).. الذي يقع اسير لضغوطات من قبل الخاطف المهووس بالجريمة والباحث عن الحقيقة عن الرمز المفقود.. ودور لانغتون يتركز حول فك الرموز للخاطف ليكمل مهمته بمقابل اطلاق سراح (بيتر).. وتتصاعد غرابة الحدث عندما يجد (لانغتون) ان جهاز المخابرات الامريكية (cia) وبشخص احد كبرى مدراء اقسامه يدخل بصلب التحقيق بالجريمة.. وبين السرد القصصي لليوم المحموم بالتشويق والجريمة والبحث والملاحقة.. يغرقك دان براون بكم مهول من المعلومات والقصص والتفاصيل عن عالم الرموز وقصة امريكا والماسونية كتنظيم ومؤسسة سابقة وواقع عصري لها.. مع بحث وعرض لطقوسها.. وبنقاشات الدين والدنيا يطرح دان براون اراء حول العلم والمعرفة في مراحل انسانية معينة من عصر التوراة وعصر المسيحية والاغريق وعصر النهضة والعصر الحاضر.. ليقدم فلسفة لعلم جديد هو علم (NOETICS) الذي يدرس الفكر الانساني عبر اثباته لفرضية ان للفكر كتلة ووجود مادي يستطيع التأثير في المادة واعادة صياغتها بل خلقها.. وما يجره ذلك بمحاولة اثبات وجود الروح.. والحث على مناقشة الاعتقاد والدين والعلاقة التوافقية بين العلم والدين.. واحيانا التنافر بينهما.

تتحول الاحداث سريعاً الى مطاردات حثيثة بين المخابرات الامريكية والبروفسور لانغتون وكاثرين سلمون شقيقة بيتر وعالمة النواتكس البارزة، وبين ملاخ المجرم المهووس بالقتل والجريمة لتحقيق اهدافه في العثور على الرمز المعرفي العميق الذي توارث الماسونيون حمايته وعدم الكشف عنه.. وبين الغوص بعالم من رمزية الماضي التي تكشف للحاضر ينتقل براون بالاحداث بجو من الشد والمطاردة واستمرار الجريمة.

النهاية الدراماتيكية للرواية قد يعيبها استنزاف تشويق القارىء بالفصول السابقة عبر الشد الطويل.. وذلك التنقل بين الفصول لآحداث مترامية الابتعاد بين التاريخ والرموز والعلم والفلسفة والاديان والماسونية والولايات المتحدة، وتستمر المفاجئات الحدثية خاصة حينما يكتشف ان المجرم المهووس هو ابن (بيتر) الذي اعتقد انه توفي قبل سنوت!.. كما توغل الرواية بعرض حجم الوجود الماسوني بمؤسسة صناعة القرار الامريكي ولكن ليس عبر الصورة النمطية لعرض الماسونية كمنظمة هدامة مرعبة.. على العكس يدافع براون عن المنظمة ويقدمها كراعية للمعرفة وحامية لها وموطدة للعلم ضمن طقوس رمزية لا يفهمها العديد.

اما السر المفقود والذي ينتهي البحث عنه مع نهاية الرواية يحاول براون عرضه بأنه الكتاب المقدس.. ولكن برمزية اناس احتكروا المعرفة لدرجة قراءة ما خلف الكلمات ما لا يراه الناس العاديون.

وعلى الرغم من حجم الرواية الضخم والنقلات المختلفة الا ان الاحداث اختزلت بشخصيات قليلة فمن بيتر سالمون الماسوني الكبير وملاخ بمتغيرات حياته المجنونة الى البروفيسور لانغتون وثقافته العميقة بعلم الرموز.. مرورا بأبحاث النواتكس الرهيبة للعالمة كاثرين شقيقة سالمون الصغرى ومساعتها خبيرة الكومبيوتر وصديقها الهاكر المحترف.. نحو عالم المخابرات الذي تقدمه المديرة إينوي ساتو مديرة مكتب الأمن لوكالة المخابرات المركزية CIA. ومساعديها المحترفون حد اللا تصديق.. كما يحظر القس كولن غالاوي عميد كاتدرائية واشنطن ضمن الحدث وكذلك وارن بيلامي كبير مهندسي مبنى الكابتول الرسمي الشهير بواشنطن.. تنقل سريع غزير بمعلومات تاريخية ورقمية شاطحة بالدقة حد اللا تصديق.

رسائل ما بين السطور
ليس التعبير رسائل ما بين السطور محاولة بالخوض التحليلي المؤطر بخيالات نظريات المؤامرة.. او تورية للبحث عن سم قد يكون دس بالعسل.. بقدر ماهو عرض لآفكار وردت ضمناً وبوضوح صريح.. بين غلافي الرواية.. فالرمز المفقود تتحدث عن مرحلة صناعة النظام الجديد (انشاء الولايات المتحدة الامريكية) بعهد الرئيس جورج واشنطن.. حيث يعرض براون ان الامريكان الاوائل كانوا ماسونيون وانشأوا بلدهم الجديد كأرض للمعرفة والحرية، ويحاول الروائي على لسان البروفيسور لانغتون تقديم حقائق عن رمزية واشنطن المدينة والحضارة الجديدة عبر تصوير منطق الحضارة الجديدة لآمريكا كأمتداد لحضارات العالم القديم الرازخة بالفكر والمعرفة.. ومبيناً ان الماسون هم من نقلوا هذه الحضارة ورمزوها بمدينتهم الجديدة واشنطن.

دان براون يحاول بروايته عكس صورة ايجابية عن الماسونية كتنظيم مبرزاً فضائل الماسونية.. وموضحاً بأن للتنظيم الماسوني ابعاد فكرية انسانية عالمية غلفت بالرموز التي قد لا يفهمها عامة الناس.. ويبين بأن معظم الرؤساء الكبار للولايات المتحدة وقياداتها الكبار وموضفيها المرموقين من وزراء ونواب واداريين كبار هم من الماسونين.. كما يبرز براون حقيقة قد يجدها البعض مشوشة وهي ان التنظيم الماسوني لازال موجود ويعمل بنشاط وفاعلية.

براون يقدم بين اسطر الرواية محاولة لخلق تقارب بين العلم والدين ويعكس ايمان بعض العلماء بوجود الله وقيم الدين في العلم على عكس ما اثاره بروايته شفرة ديفنشي من نتنافر وصراع مستتر بين العلم والدين.. ويقدم براون من خلال البروفيسور لانغتون المشكك وكاثرين سالمون المؤمنة حوار حول الايمان ونقائضه.. كما يغمز بمواقع من الرواية بأن علماء عصور النهضة الاوربية كانوا مؤمنين في حين يدافع العديد بأنهم كانوا ملحدين.

براون يقدم توليفة لعرض اسس الحكمة المعاصرة كمتقاربة مع اسس الحكمة الدينية القديمة بالديانات القديمة معولاً على تطابق بالرموز مع احداث معاصرة.

وفي روايته يقدم براون رؤية معمقة غزيرة المعلومات حد الجنون حول وكالة المخابرات الامريكية (CIA) مؤسساتها ونطاق عملها واستخدامها للعلم وبأكثر اساليبه تطور بالمعرفة.. ويقدم براون الوكالة كمتعمقة بالبحث حول المعرفة بعيداً عن الصورة النمطية حول اجهزة المخابرات. كما يعرض لراون واشنطن كمدينة من بوابة اخرى مما يتواجد على ارضها من مباني ومتاحف ومواقع اثرية مرمزة.

العودة للخلطة السحرية
هل ان دان براون ممن يستقرؤن عالم النقد وسلوك القراء ورغباتهم وافكار مانحي الجوائز؟ بالمناسبة فهذه المحاولة ليست تهمة.. بقدر ما قد تكون توجيه للعمل خارج اطر حرية الخيال الابداعي، ولعله تحدي كبير ذلك الذي عاشه براون بالتخطيط لما بعد (شيفرة دافنشي) فحفاظ الكاتب على نجاحه وتميزه هاجس بالغ التعقيد.. ستة سنوات ابتعد براون عن النشر وانهمك في روايته (الرمز المفقود)، لقد قولب الرواية بدمج تأطيري غريب ومشوق للاحداث.. وما خوضه بالتفاصيل المحيطة استعراضاً لثقافته الواسعة فحسب، بل تناغماً مع ما يبحث عنه القراء.

ان التدقيق بما يبحثه القارىء الغربي في اخر خمسة عشر عاماً.. ومحاولة استقراء ومقارنة تجارب الكتب الناجحة والحائزة على اعلى نسب القراء، سيبين ان براون استخدم متطلبات محيطه ووظفه عبر اعماله.. فالخوض بالنبؤات القديمة ورمزية التفاصيل.. واعادة فتح صفحات طوية للجمعيات السرية وصراعها المستتر مع الاديان والى اناس يسيرون العالم بالخفاء يمثل تماشياً مع ما يبحث عنه القراء، وبالتأكيد عبر فرادة في الطرح.

فقد توجه القراء حول العالم في اواخر تسعينيات القرن الماضي لملاحقة كتب النبؤات العالمية وخاصة الفرنسي الشهير (نوستراداموس) مع اثارة الضجيج حول نبؤات بنهاية العالم عند الالفية الجديدة.. او كما عرفت حينها بنهاية العالم عام 1999.. وسرعان ما اعيد طبع نبؤات نوستراداموس بعدة لغات وبطريقة تركز على رباعياته حول نهاية العالم بالعام المذكور.. وانسجمت الطروحات مع تنامي بعلم القدرات الخارقة للانسان (الباراسايكولوجي)، وما هي الا عامين حتى حدثة تفجيرات 11 ايلول المشؤومة بالولايات المتحدة عام 2001 لتشد القراء مرة اخرى بألغاز النبؤات وهاجس التطير من المستقبل.. ففي العام 2002 عرضت احدى دور النشر نتيجة لدراسة حول رغبات القراء الامريكان بعد 11 ايلول 2001 تبين ان القراء حققوا اقبالاً خارج اطر التوقع على كتب النبؤات والاديان والقصص الرمزية القديمة حول النهايات!.. وعاد نوسترادموس مجدداً لتستذكر رباعياته عن استهداف مدينة جديدة ليقولوا انه يقصد نيويورك حتماً!!.

ولو عدنا لنسقرأ الملفات التي فتحها دان براون في شفرة دفنشي ولاحقاً الرمز المفقود.. سنجد بلا شك انه قدم ما كان يبحث عنه القراء بالضبط ولكن بأسلوب جديد وبطريقة عرض جديدة حققت قبولية مذهلة لدى الناس.. فمن شيفرة دافنشي الى الرمز المفقود.. ومتغيرات الفكر البشري حول مفاهيم الخرافة، والماسونية حاضرة بكتاباته كمنظمة ارتبطت بالغموض والرمزية حتى الاسطورة لدرجة انها باتت تثير فضول العديد حول العالم.. وبجميع الاحوال ترى براون يغرق القارىء ببراعته المفعمة بالمعلومات والمفارقات والمقاربات الرقمية ويحاول ان يربط احداث الماضي بالمستقبل عبر الحاضر.. فتارة يتكلم عن العلوم الجديدة واخرى عن عالم الاعلام الاجتماعي وثالثة عن مقومات الحداثة والعصرنة.. لتجده يبحر برموز نحتت قبل قرون وجمعيات عرف عنها سريتها وباطنيتها دون ان يعرف عنها حقيقتها.

الرمز المفقود خلطة سرية مميزة لما يجول بخلجات العديد من القراء العصريين الفضولين.. انها عمل عبقري بلا شك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.