وأنا كغيري من اليمنيين مشدوه بمتابعة الأخبار المأساوية التي يمر بها جنوبنا الحبيب ...دعاني فضولي للرجوع إلى الوراء والاطلاع بعمق , والقراءة بتمعن في تاريخنا الحديث منذ انطلاق ثورة أكتوبر المجيدة عام 1963م وحتى اليوم ...وذلك للوقوف على حقيقة الجرح النازف من جسد الوطن المذبوح لأكثر من خمسين عاما . فكانت خلاصة ما توصلت إليه أن السبب الرئيسي لخيانة الوطن والمواطن وثورته ترجع جذوره ...إلى العمالة والارتزاق والارتهان للخارج بغرض الوصول إلى كرسي السلطة اللعين . وما الشعارات التي ترفع ولا تزال إلا غطاء قبيح ووجه ذميم وصورة شوهاء المقصود منها استمالة المواطن ودغدغة عواطفه حتى يندفع _بقناعة وعنف _ إلى محرقة الصراعات الدموية في الوقت الذي يرقص فيه عازفو الفتنة على جثث الضحايا , ويستمتعون بأنات, الثكالى وينتشون بنغمات أصوات الأيتام ويحثون الخطى للوصول إلى سدة الحكم . أليست تلك الفتنة العمياء التي دارت راحها بين رفقاء درب النضال عقيب قيام ثورة أكتوبر ( الجبهة القوميه وجبهة التحرير ) كان سببها الرئيس تلك التجاذبات الخارجية والتدخلات الإقليمة والدولية والعمالة الوقحة للقيادات الطامحة في الحكم . وتلك لعمري هي نواة السرطان الخبيث الذي لا يزال ينخر في جسد الجنوب الحبيب حتى هذه الساعة . وليس أدل على ذلك من جولات الصراع التي توالت وتتابعت واستمرت منذ خروج الانجليزي وحتى يومنا الحاضر والتي كانت كل جولة من تلك الجولات أشد وأشنع وأفضع وأقبح من سابقتها حتى وصلنا إلى أحداث 86 م التي فاقت الخيال في جرمها. وها هو الجرح اليوم ينكأ من جديد , وها هي دماء الجنوبيين تسفك وبأيديهم هم أنفسهم , وها هي المآسي تتولد مرة أخرى , وها هو شبح الموت يخيم على أجواء الجنوب المذبوح , وها هي التجاذبات الخارجية ما تفتأ تتجدد لإشعال نار الحرب ومواصلة اقتتال الأخوة الأعداء. وأكثر ما يحز في النفس أن كل طرف من أطراف الصراع يتخندق خلف شعارات كذابة خداعة براقة .. ظاهرها مصلحة الوطن والمواطن وباطنها الأنانية وحب كرسي السلطة ...والشعب بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف . لذلك لن يوقف تلك المهازل , ولن يردع سماسرة الحرب , ولن يتورع عملاء الخارج عن إذكاء الصراعات إلا أن يتسلح الشعب بوعي فائق يوقف طوفان تلك المهازل العقيمة . فليس للشعب اليوم خيار للوقوف أمام صلف هوامير الحرب إلا الوعي والوعي وحده . فعلى عاتق المواطن اليوم تقع مسؤولية إيقاف هذه الحرب المجنونة التي طحنت الشعب وافقرته وأهلكته وذاق بسببها الويلات وذلك بالوقوف في وجه مروجي الاشاعات وموقدي الفتن واعلان موقفا واضحا ضد كل من يسعى لتفكيك لحمة المجتمع وافساد إخوته وتعكير صفو حياته . لأن غداً سيصطلح عتاولة الحرب . غداً سيتعانق مروجو الإشاعات . غداً سيجلسون على طاولة طعام واحدة . غداً سيعلنون إنتهاء الحرب اللعينة . ببساطة لأنهم اتفقوا على تقاسم المغانم ... وأنت أنت أيها المواطن المسكين ستعود إلى دارك تجر خيبااااااات الأمل ... هموم تنوء بثقلها الجبال الراسيات. ابن مفقود .. وقلب مكلوم.. ونفس حراء .. ووطن منكوب .. في الوقت الذي سيعود فيها العازفون على وتر الفتنة _هم وأسرهم _ إلى القصور الفخمة وسيركبون السيارات الفارهة وسيتقلدون المناصب الرفيعة .. وسيحصلون على الامتيازات المالية والمادية .. لك أيها المواطن المذبوح ... كلللل ذلك على شأنك.