الراديو بجوارى يثرثر، أشعر بخدر غريب.. تتراءى لى من بعيد.. كشريط مصور، يستعرض خيالى ذكرياته.. أتقلب ذات اليمين وذات الشمال علّ هياج الذكريات ينكمش.. جبينى يتفصد عرقا.. السكون المحيط بى يوحى بكآبة قاتلة.. أشعر برأس حربة غليظة تجرح قلبى.. صدى صوتها يرن فى أذنى فيحال إلى مسامير مشتعلة تطرق جسدى بعنف.. أشعر بالدموع تنساب كفيضان مكبوت وجد طريقه لاختراق الحواجز.. تلوح أمامى بابتسامتها.. أتحدث وكأنى أجلس إليها.. أجيب بالنيابة عنها. أتذكر أنها تزوجت.. وأنجبت.. أشعر بلدغات فى يداى ورأسى.. لماذا لا ترد.. عبثا أمسك بهاتفى المحمول أبحث عن اسمها.. لقد غيرت رقمها مذ تزوجت.. أذكر كم كنت أتحدث بالساعات الطوال معها.. وكم كانت رسائلها دائماً تزين هاتفى.. للأسف لأسباب لا أذكرها كنت دائماً ما أحذف الرسائل.. لم أستطع الوصول إلى ما وصل إليه أحمد رامى "ياما ليالى أنا وخيالى أفضل أصبر روحى بكلمة حلوة يوم قولتهالى"!، كانت كلماتها الحلوة مسجلة فى الرسائل، وكانت ستكون أكثر وقعا من الذكريات العجاف غير المحسوسة. سحابة من القهر تظللنى، أهكذا تضيع السنوات هباء منثورا؟ جميع الشعراء على حد علمى كانوا يتحدثون عن الحب والهجر والخصام والفراق ثم اللقاء.. أعتقد أن أحدهم لم يتحدث عن مأساتى.. لم أستمع لأغنية ذات يوم تتحدث عن حبيب تزوجت حبيبته وأنجبت من زوجها..! رامى رائد الرومانسية.. كان يتحدث عن الهجر.. والمواعدة.. والحيرة.. والظلم.. والخصام والصلح، وكل أغانيه بها أمل العودة.. أما أنا فلا عودة.. ولا أمل.. أسمع صوت رياح الخريف فتنتابنى رعشة.. زجاج الشباك وهو يرتطم بالشيش يخيفنى.. يذكرنى بالوحدة، أستجمع قواى لأنهض من الفراش، أفتح شيش البلكونة بحذر.. هذه البلكونة كنا واقفيها! تحدثنا كثيرا فيها.. أتأمل فى جدلية الحب والنسيان.. كيف نست وتناست.. وكيف حوّلت الذكرى قلبى إلى قطعة من الجمر.. كيف هُنت عليها.. وكيف لم تهن علىّ.. أشعر أن نفسى صارت جزءا منها.. أو بالأحرى قامت بعملية احتلال.. إنزال روحى كالإنزال البرى الذى يحدث فى الحروب.. لا أنا تحررت ولا هى أنهت الاحتلال!.