ووحدها تلك التربة من فتحتْ لهم أحضانها..!! خيمةٌ واهنة.. وبيئة فقيرة.. وطنٌ معدوم.. ومواطنٌ مظلوم. بقايا جسدٍ متهالك، قفصٌ صدريٌّ مُختَرق، قلبٌ مشتت، وكبدٌ مُنهد. قدمٌ مبتورة، أصابعٌ ممزقة، ثيابٌ مقطّعة ورأسٌ عالٍ لا ينحني. يأكل من عربات القمامة، يشربُ دون تَغنُّج، يعاني لا يتكلم، يُناشدُ لا يصمت، يبكي ويفرح في آنٍ واحد. لم يعد الحلم كبيراً هنا .. بأن تحصل على حقوقك المفروضة بسلام. لقد أصبح مقتصرًا على كسرة خبز وكوب ماء..!! طفٌل مُشردٌ في نواحي الضياع، أمٌ باكية، أبٌ مكبلٌ بالأمراض المزمنة، وأخ سافر إلى السماء باحثاً عن العدل المفقود في هذه الأرض. خيمةٌ مقطَّعة وأحلامٌ فائضة في بيئةٍ ضيّقة. حلمٌ مرهون بحال الساسة، مستثنى في حالات الموت والألم؛ وجعٌ متردد وأوضاعٌ مأساويةٌ صعبة يعيشها الوطن والمواطن. طفلٌ حديث الجرح، مجروح الخاطر قبل الجسد، يعمل من أجل لقمة العيش رغم جرحه المرير، يعيش وقد توفى نصف جسده. ينهض من خيمته الواهنة في الصباح الباكر باحثاً عن الوطن الذي يكمن في كسرة خبز وكوب ماء، يمضي متنقلاً بين تلك الخيام الممتلئة بالمآسي، الخالية من الطعام والشراب؛ خيامٌ فراشها التراب، وغطاؤها أكياس ممزقة، معاناة لا محدودة وجرحٌ يشمل الجميع. وآخر يعيش على متن كيس رمادي لا يتجاوز الأربعة أذرع، في خيمةٍ لا تتحمل الضوء، فكيف لها أن تتحمل حرارة الشمس ورذاذ المطر. وآخر كان يعمل في بقالةٍ صغيرة يبيع السعادة والأفراح لأطفال حارته، ولكن لم يسمح له الزمن بذلك. كيف له أن يبيع السعادة في وطنٍ متعودٌ على الآلام والأحزان منذ الأزل ؟! حلَّت الحرب ووضعت أوزارها .. أمطرت القذائف على ذلك الحي الذي يقطن فيه، لتأخذ ما أخذت من جسده. حالٌ مأساوي يعيشه النازحون في كل بقاع الأرض، وليس في منطقة البيرين فحسب .. ولكن قد تكون المعاناة هنا أشد بألف صرخة ونصف. توالت الأحزان يوماً بعد يوم .. ولم يكن لدى الأهالي فرصة للبقاء .. فالجميع أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الرحيل أو الرحيل. قرر الأهالي أن يتركوا وطنهم .. لعل ذلك هو الطريق الوحيد للبقاء. استقرت أكثر من ألف أسرة في تلك المنطقة العارية، الخالية من الضروريات، المليئة بالغبار والمعاناة. خيامٌ مندثرة، وأحلامٌ واسعة في بيئةٍ ضيقة مؤلم جداً .. أن يُستبدل منزلك الحجري بخيمةٍ محبوكةٍ من الخيوط الواهنة؛ وأن يتغير عملك من تاجر بسيط إلى خاسر للوطن بليلة وضحاها. الحال هو الحال ... ولكن السؤال ..كيف يعيش النازحون وهم لا يملكون من مقومات الحياة أدناه؟! كيف يعيشون في تلك المنطقة النائية الفاقدة للخدمات الأساسية، حيث لا غذاء ولا دواء ولا أمل؟! وما زال النازحون ينتظرون بشغف أن تنتهي الحرب .. ولكن كيف تنتهي وتُجارها كُثر ..؟!