قلنا وسنكرر , عدن هي مفتاح النهضة , إذا نهضت نهض محيطها اليمني والعربي , السيطرة عليها , هو السيطرة على مصدر نهضة البلد , وها هي اليوم تعاني سيطرة غير مباشرة لنفايات سياسية وفكرية هي أشد خطراً من نفايات الشوارع ومخلفات الأمية، بسببها تنهار عدن، وتفقد مقومات العيش الكريم والحياة والاستقرار، جريمة تلي جريمة، تفصل بينهما ساعات وأحيانا دقائق معدودة، جعل من عدن ساحة لاستعراض العضلات، وتصفية الحسابات. وعندما يسأل الناس القوة الجاثمة على عدن، لا يجد جواباً مقنعا وشافيا، يستمع لأسطوانة من كثر تكرارها صارت مصدر للسخرية، مع ان المرحلة قد تجاوزتها والتكتلات- أيضاً- وواقع الأمر اختلف ولم تعد تقنع الناس. واقع عدن صنعته ثقافة الكراهية, لتعم السلبية القاتلة التي نحن فيها اليوم، حذرنا منها كثيراً، ولم يستوعب البعض خطورتها، وجعل منها لعبته المفضلة في مواجهة الآخر، وهو لا يدرك مدى خطورة سمها القاتل وهو يتسلل بين المجتمع لتسكنه دعوات الفتن وهوس الانتقام، حتى صارت الكراهية، مصدر تبرير كل خيباتنا ونكساتنا وفشلنا، كراهية جعلت من معتوه يبرر للناس لماذا هو عنصري، ويجتهد في سرد عيوب الخصوم، وتأليف حكايات الذم والتعزير، ويضع نفسه متحدثا عن الناس بدون إرادتهم، متحدثا باسم جغرافيا وهو يجهل تاريخها وسماتها الحضارية، يتحدث باسم مدن فاضلة كعدن وأخواتها، وهو غريب عن ثقافتها وإرثها الحضاري، و لغته وخطابه لا يمت بصلة بثقافة وأيقونة تلك المدن، التي تسخر من كل ذلك الكم من الكراهية المفرز فيها، فيجد نفسه مرفوضاً، لا يعبّر سوى عن ما في مكنوناته، مجرد أنا ينضح قذارة. مثل هذه العقليات هي كارثة بحد ذاتها، تفتقد لأدنى مستوى من الوعي والثقافة الانسانية، تبث سلبية قاتلة، تقتل القضية وتنخر المجتمع بالأمراض. من المفاهيم الخاطئة، اعتقاد البعض أن المثقف، إنسان متعلم يحمل أعلى الشهادات وكم معرفي، ويستطيع أن يدير قطيع من المتعصبين بحقنهم بالنعرات والنزعات السلبية ,والحقيقة أن المثقف هو ذلك الإنسان الذي يعمل على تقليص أكبر قدر من السلبيات في المجتمع ويوسع من حجم الإيجابيات فيه، مهما كانت مهنته يكفي أنه يقرأ ويكتب ولدية فائض من الروح إيجابية، تكفي لدعم مجتمع إيجابي متعافي من أضرار سلبيات الماضي , التعافي من البؤس والاكتئاب واليأس , قادر على تحفيز ذاكرة إيجابية للتعامل مع الحاضر , للوصول لمستقبل آمن . العقليات التي لازالت تستجر الماضي , وتستدعي ماسية وخيباته , ولازالت أسيرة لذلك الماضي البائس , في مواقفها واختياراتها وثقافتها وفرزها الفكري , هي عار على النضال والمجتمع والقضية ,عار على الحاضر والمستقبل، عار بكل سلبياتها القاتلة التي تبرر التدمير والخراب، من كراهية وأحقاد وضغائن وانتقام ومناكفة، وكل سموم تفكيك المجتمع , وما تصنعه من شروخ وتصدعات وحروب , هي أعجز من ان تنافس الآخر في ساحة ديمقراطية نزيهة , تتعامل مع الجميع بمسافة متساوية منضبطة بقانون ونظام يجرم الكراهية ونتائجها العفنة ومن اتهامات وتخوين وتكفير , وتعزيز دور الطائفة او المنطقة , وترسيخ قيم عنصرية مقيته. فالخيرون يبثون خيراً، هم المناضلون بكل طاقاتهم الإيجابية، في مواجهة الطاقة السلبية وسمومها في الوسط الاجتماعي، ويشكلان إضافة رائعة في المجتمع وثراء اجتماعيا تنمويا ونهضويا، من حب وتسامح وتصالح، هي تشكيلة من الأطياف التي تكمل بعض، ولا تستغني عن بعض، تشكيلة فسيفسائية جميلة من التنوع الفكري والثقافي والاجتماعي، وترسخ معا اصطفاف بنيوي، من أدوات التنمية السياسية للدولة المدنية الضامنة للمواطنة، كأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومكونات ثقافية، ضامنة للدولة النظام والقانون الخالية من الأحقاد والضغائن والكراهية. الطاقات السلبية اليوم تدمر عدن، وهي أعجز من أن تقدم عملاً إيجابيا تشكر عليه، هي مصدر فقدان عدن لأمن يحميها وأمان يهدئ من روعتها، واستقرار يخفف من مصائبها، طاقة سلبية جاثمة بقوة تحمي العابثين بعدن، من بسط وسطو ونهب واغتيالات في وضح النهار، والناس تصرخ وتئن، وكأنها في غابة لا صوت مسموع غير البندقية وفرض أمر واقع دون استحقاقات، لا أمنية ولا خدمية ولا إنسانية، غياب نظام وقانون يضبط إيقاع الحياة العامة , يضبط الجريمة العامة والسوق , ويحد من ارتفاع الأسعار, للسلع الضرورية خضار ولحوم ودجاج، وإتاوات النقاط العسكرية، واحتكار الأسواق، وما يفرض من إتاوات الموانئ البحرية والبرية، وسطو على إيرادات الدولة، وتوفير رواتب محترمة للناس ,كل هذا وهل تعتقد أنهم عاجزون ام انهم متورطون ؟!!!.، ولله في خلقه شؤون.