القيمة الحقيقية لأي بلد و وطن هي "الثروة البشرية" و مخزونها الإبداعي و نشاطها الحيوي كقوة دافعة للبقاء .. و الجنوب يمتلك ثروة بشرية جبارة و مهولة بنت الحضارات و شيدت الممالك و اقامت الدول .. و جمهورية "اليمن الديمقراطية الشعبية" في التاريخ السياسي الحديث كانت تمتلك الثروة البشرية و مخزونها من العقول و القادة و المفكرين و كانت إلى ذلك تمتلك عماد القوة الحيوية و مخزونها من السواعد العاملة القادرة القوية و لا يزال الجنوب يمتلك المخزون البشري الناهض و القادر على صنع المستحيل و قهر الصعب . و في "سفر إصحاحنا السابع و العشرون" سوف نقارب كيف اضعفت الصراعات السياسية في الجنوب اليمني قوة المخزون البشري للجنوبيين و جعلتهم وقود للحروب و التصفيات الدموية كما و نوعا .. و ماحدا بنا إلى مقاربة هذه الجزئية الهامة و الجوهرية في تقديرنا و تقييمنا لمجموع الإشكاليات و الجوانب المعيقة للنهوض و التقدم و نحن نقارب رؤيتنا النقدية في اسفار اصحاحنا الجنوبية كان لقاء قيم و مهم من و جهة نظرنا و كان ذلك اللقاء مع قيادي سابق بالحزب الاشتراكي اليمني و ذلك في منزله منتصف عام "2009" . و اتذكر ماقاله لي جيدا و لا يزال حاضرا بالذاكرة و لكن الجزء الأهم مما قاله في معرض الحديث الطويل الذي دار بيني و بينه لخصه يومها بقوله : "تخيل يا استاذ حيدرة لو ان اولئك الرجال الجنوبيين الصناديد الذين قضوا في كل مراحل تاريخ الصراعات الجنوبية .. تخيل لو انهم لا يزالوا احياء .. اعتقد اننا ما كنا وقعنا على الوحدة و اعتقد اننا الان في الصدارة ننافس دول الخليج و الاقليم " . و اعتقد ان الرجل أصاب الحقيقة و لخص المعالجة النقدية بحسب مداركه و رؤيته الشخصية و التي كانت شاهدة على مجمل تلك الكوارث التي خلفتها تلك الصراعات في الجنوب .. و ماكان للجنوبيين ان يهزموا و يجترحوا الويلات و المعاناة لولا نتائج و تبعات تلك الصراعات و التي انهكت قواهم و جهلتهم و جعلتهم قطعان بشرية مهزومة الوعي و معاقة الاختيار في كل التحولات و المنعطفات و المراحل و احالت عشرات الآف منهم إلى المقابر و المقابر الجماعية مجهولة الزمان و المكان و لا تزال تودي بهم إلى المهالك و الكوارث بفعل تبعية و إنغلاق و فشل جماعات سياسية جهوية عقولها متحجرة و مفصولة عن الواقع و مسار التاريخ . و لا تقاس القوة البشرية فقط بمعيار الكثافة و لذلك فإن معيار النوعية الاساس و المحرك الرئيس لأي مخزون بشري قادر على الانجاز و الجنوبيين لا ينقصهم المعيارين النوعي و الكمي و لكن الوعي ما ينقصهم و قراءة تاريخهم و محاولة بناء اساسات نهضوية كفؤة و متعلمة و متسلحة بالمعرفة والثقافة و تحرير العقل من الوهم و العاطفة و هم يمتلكون كل المقومات الموضوعية و الواقعية لصنع ركيزة القوى السياسية المنظمة و التي لن تقوم لهم قائمة إذا لم يوجدوها . و من غير المعقول ان يظل شعب بأسره رهين لفشل مجموعة من السياسيين الفاشلين و الذين لا يجيدوا سوا الاحتكام للغة العنف و منطق التبعية والغلبة والقوة و الانقلاب والتآمر .. و من غير المقبول ان تكون النتيجة لهكذا منطق سياسي فاشل كوارث طاحنة تدفع اكلافها الباهظة من المخزون البشري المستنزف للجنوبيين و إلا فإن الجنوبيين قد يلقون أنفسهم يوما اقليات عرقية مهاجره و منفية و لاجئه كحال اصنام الجنوب في المنفى .