ترسخت الكثير من المعتقدات والرؤى والاقوال تحت سقف التاريخ السياسي للجنوب وهي في الحقيقة بعيدة تماما عن الحقائق والوقائع والنتائج التي شكلت الازمات الجنوبية المتلاحقة والتي لا زالت تعيد إنتاج ذاتها بنفس المرجعية والعقلية وبنفس الادوات والممارسات السلبية وعلى نفس الخطى في كل المراحل التي يتم حرقها والتخلص من ملفاتها وتاريخها مع كل انتكاسة وفشل . وإذا ما تساءلنا عن ابرز الازمات التي توالت واسست لمتواليات الصراع السياسي على السلطة والتخلف الإداري و ضعف الأداء السياسي لدى الساسة الجنوبيين ، فإننا حتما سنجد انفسنا امام العديد من الازمات المترابطة والمتداخلة عواملها المشتبكة مع بعضها ، إلا ان اهم تلك الازمات القديمة الجديدة والتي تتفرع وتنشأ منها اغلب الاشكاليات والاخفاقات السياسية والمجتمعية في الجنوب تتمثل في الثلاث الأزمات التالية :
وعلى رأسها "ازمة إنعدام الوعي" وهي أم الازمات التي لا يزال الجنوبيون يعانون من تبعات وتراكمات غيابها كليا في وعيهم المصاب بحالة من الإغماء الدائمة في مستوى الفكر والوعي البناء الصحي السليم والذي يفتقر لأدنى متطلباته الواقعية لدى كل المكونات والتيارات والفصائل الجنوبية المنقسمة والمتصارعة والمختلفة اختلافا ازليا لا يؤشر إلى حدوث أي بادرة إنفراجة ايجابية تؤسس لوعي قادر على فهم واستيعاب الواقع السياسي للجنوب وقادر على توحيد كل طاقاته وإمكانياته الممكنة للنهوض بطريقة سياسية منضمة تعبر عن وعي حقيقي منعدم .
وتتمحور الازمة الثانية والتي لا تقل اهمية عن ازمة الوعي المنعدم في "غياب الوحدة الوطنية الجامعة" .. وهي ازمة ظلت مرهونة بمدى استيعاب فرقاء العمل السياسي الجنوبي لها كلا بحسب اولوياته واجندته المتباينة والمخالفة لأولويات واجندة الطرف المعارض له وان كانت مبادرة "مؤتمر الجنوب الجامع" ومقرراته التوافقية في العام 2011 شكلت انطلاقة واعية وكان من الممكن ان يكتب لها النجاح وتمضي في مساراتها السياسية المقررة لها لولا اصطدامها بالمعارضة المناوئة لها من بعض الاطراف الجنوبية المأزومة والتي لا زالت تسيطر عليها ثقافة وعقلية الإنغلاق لفشلها المتوالي في إدارة السلطة والنظام السياسي في الجنوب .
وتتمثل الازمة الثالثة في افتقار الجنوبيين لآلية "القوة السياسية المنضمة" والتي وعن طريقها يستطيعوا ان يعبروا عن قضاياهم ومشاريعهم السياسية .. وعندما نقول القوة السياسية المنضمة فنحن نعني الكيان السياسي الحامل للقضية الجنوبية والذي يرتكز على البرامج السياسية المدروسة والخطط العملية الساعية الى تحقيق الاهداف من خلال الاستراتيجيات المرسومة للتنفيذ عمليا ولكن والى اليوم لا تستطيع ان ندعي ان الجنوب وفي اغلب فتراته السياسية استطاع ان يصنع ساسته تلك القوة السياسية المنضمة .
واجمالا وامام مجموع تلك الازمات المتجسدة في المشهد العام لواقع الحياة السياسية والمجتمعية في الجنوب ونحن نضمن نقدنا التاريخي للازمات السياسية التاريخية لدى الجنوبيين وفي "سفر إصحاحنا الثامن عشر" يتضح انه لا يمكن ان تقوم نهضة جنوبية خلآقة للجنوبيين مالم يفكروا مليا وبمسؤولية في تلكم الازمات التي تعترض طريقهم وتعيق تحركهم والذي لا يزال مغلقا ما بين صراعات فرقائه وخلافاتهم والتأثيرات الجيوسياسية في الاقليم والمنطقة والتي تؤكد معطياتها وحيثياتها بان الصراعات الداخلية في اي بلدا ما ورقة ثمينة للاستخدام لدى اللاعبين الدوليين وسرعان مايتم الاكتفاء من استخدامها .