كعادتي دخلت حصتي في الصف الثالث الأساسي ، وكنت حينها قد أعددت خطتي الكتابية لدرس العلوم ، أما ذهنيا فالدرس بدهي بطبيعته ومألوف واقعيا لايحتاج إلى بحث أو اطلاع أو مزيد معرفة في نظري بما قد يظهر من خباياه أو زواياه . لم أفكر يومها بوسيلة حية محسوسة ملموسة أحضرها معي لما لذلك من أهمية بالغة كما يقول الأدب التربوي ، إذ لم يكن معقولاً أن أحضر طيرًا أوحيواناً أليفاً معي إلى غرفة الصف الدراسي ، وقلت سأكتفي بمايعرضه الكتاب المدرسي من صور إيضاحية ، مع أن الصور لم تكن واضحة بالشكل المطلوب ، لكنها ستفي بالغرض ، خاصة وأن الدرس مرتبط كثيراً بواقع وبيئة تلامذتي الصغار ذوي البراءة والفطرة السليمة . وكي لا أطيل عليك أخي القارئ الكريم دعني لأدخل في صلب الموضوع ، إذ أنني بعد أن مهدت للدرس وتوصلت إلى كتابة العنوان الذي كان مفاده (عناية الحيوانات بصغارها) .وعرضت صورًا لطيور وهي تطعم فراخها ، وحيوانات وهي ترضع صغارها .. وبينما أنا كذلك إذ كان بين الصور المعروضة قطة ترضع صغارها، وإذا بطالب يرفع إصبعه للاستفسار ،فسمحت له بالحديث لكنه ألجمني بسؤال .. ذلك السؤال هو الذي جعلني أنقل اليكم درسي هذا .. إذ أفصح الطفل الصغير قائلا ياأستاذ (أنا شفت بسة تأكل عيالها ) هكذا قالها بالعامية .. أي أنه شاهد قطة تأكل أولادها ..فسمعته تماماً وفهمت قصده تماما ، لكني تجاهلته وعدت لإكمال الدرس ..لماذا ؟! لأني لا أجد جواباً شافياً كافياً لسؤاله ، وبالطبع فاقد الشئ لايعطيه كما هو معلوم، مع أنها لم تكن تلك المرة الأولى التي أسمع بها تلك المعلومة، غير أنى لم أشاهد ذلك فعلياً وذلك ليس شرطا ، ولعلك أيها القارئ قد سمعت بذلك مثلي إن لم تشاهده. ولكن أسمع لسان حالي حينها وهو يقول نعم لقد سمعتك ياصغيري ، وسمعت سؤالك الكبير الذي أمثاله وأمثالك تلجم الكثير من الكبار ..لكني لاجواب لدي. ألجمني تلميذي بالفعل بسؤاله الكبير وظهر على وجهي أثر الارتباك ولكن الطفولة لم تعد تفهم معنى الارتباك ، وإن عرفت ذلك لن يجديها نفعا ، ليظل صدى التساؤل يتردد في أعماقها ولن يهدأ إلا بمايشفي غليلها ولو بعد أعوام . لن أكون مبالغا أخي القارئ الكريم بأن الموقف حيرني كثيرا وجعلني أبحث عن الإجابة ولم أجدها إلا قريبا وبعد أعوام خلت من تلقي ذلك السؤال الكبير ، من طفل تم تجاهله حينها ، ولم تكن حقيقة الإسكات للطفل بحزم للانتقال إلى مابعد السؤال إلا الضعف بعينه أمام الاقوياء . صحيح بأنه صمت لسانه لكن لسان حاله ظل يصرخ .. كيف لك أيها المعلم إنك تعطينا معارف ومعلومات لاتنطبق مع واقعنا ، بل تتناقض عما نشاهده بأم أعيننا ، وإن كان ذلك شاذا أو نادرا فينبغي أن توضحه لنا لا أن يمر عليك أو بالأصح تمر عليه مرور الكرام. *ذلك هو الدرس الذي تعلمته من تلامذتي الصغار* ولن أنساه ماحييت . فإياك ثم إياك أيها المعلم أن يكون عطاؤك وطرحك مناقضا للواقع، وإياك أن تتساهل في إعدادك وتخطيطك وتحضيرك الذهني أولا ثم الكتابي ..وإياك أن يخالف قولك فعلك . فلا يغرينك صمت تلامذتك أوطلابك عما تمليه لهم بلسانك أو يلاحظوه في حالك وفعالك ..وسأترك لك هنا استنباط بقية الدروس من ذلك الدرس ومن الخطأ الذي ارتكبه أخوك كاتب هذه السطور من قبل لضعفه وقلة حيلته .. *كما سأترك لك البحث عن إجابة تساؤل ذلك الطفل الكبير إجابة علمية مقنعة* .. وإلى لقاء يتجدد مع دروس كبار تعلمتها من تلامذتي الصغار .. والله وحده المستعان وعليه التكلان .