كل تحديات الشعوب وغماراتها المصيرية كانت تدور في مسار "حركة التاريخ" ولم تنجح ثورة و لا انتفاضة ولم تقم قائمة لدولة أو مملكة في الركب الإنساني لحركة التاريخ مالم تكن تملك الوعي والقوة العلمية و المعرفية وهي أسس موضوعية ومنطقية لأي فكر نهضوي بناء و قادر على التغيير والنهوض .. و مادون تلك الأسس الموضوعية و المنطقية المؤسسة للتغيير و التصحيح المكتمل الفكر و الوعي فليست إلا انصاف ثورات و حركات خارجة عن السياق الواقعي و العقلاني . و لم يحفل التاريخ السياسي الحديث في حياة الشعوب بالكثير من الإسهامات الإنسانية الثورية و التحولات التاريخية قبل ان توجد الأسس الداعمة لصناعة حالة التغيير .. و إن كانت اللحظة الراهنة "للغرب المتحضر" تدعي بانها اوجدت تلك الأسس الداعمة و الثابتة للنهوض فانها لا يمكنها ان تثبت ان المسار الذي سلكه قادتها و شعوبها كان مسارا انسانيا راقيا و سليما و لا يتناقض مع "الانتهاكات والفظائع" التي ارتكبت في كل حقب ثوراتها وفترات نزاعاتها و حروبها الأهلية والعالمية. ولم تكن لتصل الدول المتقدمة في اوروبا وأمريكا للنهضة الحضارية القوية قبل ان تدفع ثمنا لا يمكن لعقل إنساني متحضر ان يتخيله ومع ذلك فقد وصلت تلك الشعوب والكيانات المتحضرة والمتطورة إلى ماهي عليه وإن كنا نعتقد ان الثمن الإنساني المترتب على فناء ملايين البشر في اوروبا وحدها في الحربين العالميتين الأولى والثانية وما سبقها من الحروب على "روسيا القيصرية" و ماتلاها من الإبادات الجماعية الوحشية اللا إنسانية على يد "الثورة البلشفية" لهو ثمنا لا يلغي الحقائق التي تدمغ الغرب الاوروبي و الغرب مجتمعا "بالجرائم الإنسانية" التي ارتكبت بحق تلك الشعوب والتي وعلى اساسها الاجرامي المروع قامت أساسات الثورة الصناعية ومراكز الحضارة الغربية. ومع كل ذلك "الجحيم اللا انساني " فالعقل الغربي المعاصر أوجد المبررات والمسوغات القانونية والدينية وذلك بالطبع بعد ان استطاع ان يزيح "كهنوت الكنيسة" وبدعاوى واعتقادات مادية فلسفية متجردة قطعيا من "العقلية الروحية للقيم الإنسانية" .. وإن كانت نواقيس الخطر في الغرب اليوم أكبر مقابل تاريخ طويل من الغطرسة المادية التي جردته من إنسانيته و ما تراجع التيارات السياسية العلمانية في اوروبا و عودة "اليمين المتطرف" إلا الناقوس الأصغر أمام تحديات "الإنحدارات المادية" و"الحرب البيولوجية" الآخذة في التمدد والناتجة عن وباء "كورونا". وفي الشرق و"دول العالم الثالث" كما دأبت "دوائر ومراكز المال الغربية" على تصنيفه فإن أغلبية التجارب الثورية القديمة و الحديثة وبالأخص في "العالم العربي" لم تكن أكثر من "معلبات غربية" كاسده و غير صالحة للاستخدام الآدمي ولو في ادنى درجات التسليم بأن عقلية ومقدار وعي تلك الشعوب والقبائل العربية كانت تمتلك المقدرة على استساغة تلك المعلبات الثورية الغربية أو في احسن الاحوال كانت قادرة على تمييز مذاقها الفاسد لكي تدرك بانها معلبات غير صالحة لأستخداماتها كأمم عربية مسلمة اضاعت مسار حركة التاريخ وبقرون قبل ان يظهر"فولتير و نيتشه وماركس" و"ستالين وتورتسكي وإيزنهاور و"تشرشل" و"نيوتن وإنيشتاين". وفي اليمن لم تختلف طريقة الاستخدام و الاستهلاك العربي للمعلبات الغربية عن باقي طرائق استخدام واستهلاك شعوب و اوطان أمم الضاد وإن كان "اليمن الديمقراطي" أسما و"جنوباليمن" جهة مثالا صارخا على تجسيد "التجربة الدموية الغربية المعلبة" و في افضع وأبشع صورها اللا انسانية .. وفي "سفر إصحاحنا الثالث والثلاثين والأخير في سفر الإصحاح الجنوبي" لن أجد في تقديري ابلغ من التشديد على "التصور النهائي" الشامل لرؤيتنا النقدية الإصحاحية "للحل الإستثناء" في جنوباليمن و لن أجد تصور نهائي يماثله او سبق له وبل ان الحل الاستثناء في تقديرنا وتقييمنا لا يقتصر على الحالة الجنوبية لنا كجنوبيين وبل ازعم بانه يكاد يكون تصورا صالحا لمعظم دول وشعوب المنطقة العربية. وهو أن المخرج الوحيد والمؤسس لأي حركة ناهضة في الحاضر والمستقبل لليمنيين في جنوباليمن يكمن في إيجاد مقومات التغيير و التصحيح النابعة من خيارات الهوية و الثقافة اليمنية ومن التزامنا الثابت بالثوابت و المبادى و القيم الوطنية و التي لن تتأتى ان لم نجتاز العوائق الخلافية تاريخيا و ثقافيا و مذهبيا وطائفيا و بعقلية سياسية حقيقية تستوعب التناقضات الموغلة في اعماق "العقل السياسي اليمني" وبإنصاف وتجرد حقيقي من رواسب الاستنتاجات والنتائج المركبة و المعقدة قبليا وجهويا ومناطقيا و إيقاف "استنزاف الدم اليمني" بفعل "التدخلات الخارجية" ماضيا وحاضرا و مستقبلا . ومايثبت و يدلل على إمكانية تحقيق "التكافئ الشامل لرؤية استثنائية للحل" في معظم الإشكاليات والقضايا التي أخرت تقدم ونهوض اليمن شمالا و جنوبا هو ان "الاطراف السياسية" ومحركاتها من الاحزاب والمكونات الحزبية المتصارعة فرقتها "المصالح المتصارعة" في نزاعاتها وخلافاتها و وحدتها "المصالح المشتركة" تاريخيا .. ولعل السبب في ذلك يعود الى ضعف "الأداء السياسي" وإلى الفهم الجمعي الخاطى "لمفهوم السياسة" ولسيطرة ثقافة "الغلبة و الاستبداد" والتي تعود جذورها لعصور تاريخية سحيقة شكلت الوعي والإدراك المعاصر للعقلية السياسية العربية والتي أعادت العرب شعوبا وقبائل بعد ان انتصرت نظرية "السيف المتغلب" وانهت عصر العقود الثلاثة الأولى "لأسس الاجماع والشورى" . ومتى ما أوجد المناخ السياسي المستقر في اليمن واستطاع اليمنيون اجتياز عقبات الظرف الدقيق الذي يمرون به فلابد ان يبدا الجنوبيين على العمل على إيجاد "الركائز العملية الرئيسية" و التي راهنا عليها و حاجننا بها مرارا وألا و هي "الوحدة الجامعة" و "القوة المنظمة" و "المشروع السياسي المكتمل" .. و لن تتحقق مهمة إرساء مداميك الركائز الرئيسة مالم تتحمل مسؤوليتها "اجيال و دماء جنوبية جديدة" تستطيع ان تتجاوز كل الأخطاء و العراقيل و متى ماستطاعت ان تقدم خطابا سياسيا عقلانيا و واقعيا و اجادت ادارة زمام مبادرة أي مواجهة سياسية فاعلة للنهوض .. و كذلك الحال بالنسبة للوضع السياسي في شمال اليمن و بخاصه ان "مراكز القوى" التقليدية قد سقطت و استنزفت قواها و ان لازالت بعض قواها المستمرة في مواجهة مع الاطراف "المستقوية بالخارج" . و للتاريخ فإن السياسة و السياسة وحدها هي من فرقت اليمنيين في كل الاعصار و الادهار و لا يعني هذا انني ادعو الجنوبيين ان يتنازلوا عن هدفهم في "استعادة الدولة" كما و لا يعني بأنني الزم الشماليين بان لا يتنازلوا عن "الوحدة اليمنية" و لكنني احاول قدر الإمكان ان أوسع من "دائرة الأفق الأمثل للمستقبل" و اجزم بان التغيير و التقدم و التطور و النماء و المستقبل المستقر لن يأتي إن لم يكن أفق اليمنيين و اسعا و نظرتهم بعيدة و ما أنا إلا رجل من قومي و خيارهم خيارا لي و خيارا لكل يمني . *أنتهى *حيدرة-محمد "كاتب و محلل سياسي يمني" للتواصل و الاستفسار هاتف رقم : [773582869] .