بانطلاق الجلسة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني في اليمن مطلع الأسبوع الجاري، يكون المشاركون في المؤتمر قد بدأوا عملياً الدخول في الموضوعات الصعبة التي تترتب عليها ملامح النظام المقبل وشكله، بخاصة في ظل النقاشات المعمّقة التي دارت على مدار نحو ثلاثة أشهر مضت منذ انطلاق المؤتمر . لا شك في أن القضايا التي يناقشها أعضاء المؤتمر لن تكون سهلة قياساً بالتركة التي خلفها النظام السابق، فالبلد يعجّ بالمشكلات والأزمات في الجنوب والشمال معاً، وحالة الاستقرار الأمني لاتزال تشكل مخاوف لدى قطاع واسع من الناس، والخلافات السياسية على أشدها، فضلاً عن بروز الصراعات المذهبية التي بدأت تطل برأسها في الفترة الأخيرة بشكل مقلق، لتقضي على حالة التعايش التي كان يعيشها اليمنيون على مدى قرون .
في الجولة الثانية من جلسات مؤتمر الحوار تقف أمام المشاركين في المؤتمر قضايا غاية في الأهمية وتتمثل بمخرجات وطنية تكون محل إجماع، وتعمل على إزالة الاحتقانات التي رافقت مسار بناء الدولة قبل أكثر من خمسين عاماً والوقوف على الانتكاسات التي تعرضت لها هذه الدولة، بخاصة دولة الوحدة العام 1990 بهدف تجاوزها وعدم تكرارها .
يتبقى نحو ثلاثة أشهر للانتهاء من مؤتمر الحوار، كما هو مخطط له، وهذه الفترة كافية ليبدأ المشاركون في المؤتمر باستعراض نتائج مداولاتهم للقضايا الكبيرة في البلاد طوال الفترة الماضية المنقضية من عمر الحوار، وصوغها بشكل قرارات وترجمتها بعد ذلك إلى واقع ملموس وعكسها في دستور البلاد الجديد، ليكون جاهزاً للتطبيق ويكون مرضياً للأطراف السياسية والمكونات الاجتماعية كافة .
لقد صبر اليمنيون سنوات طويلة من أجل إيجاد دولة تعبّر عن تطلعهم إلى وضع مختلف عن ذلك الذي تعايشوا معه خلال العقود الماضية، وضع يكون القانون هو السائد والفيصل في كل ما يتصل بحياتهم، وهذا يعني تغيير شكل الدولة القائمة لتصبح دولة حاضنة للجميع .
من هنا تبدو الآمال معلقة على الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني، لتكون انطلاقة جدية في وضع اليمن على السكة الصحيحة، بحيث تكون البلاد قادرة على معالجة ما لم تستطع القيادات التي تعاقبت على الدولة معالجتها، وتقف في أبرز القضايا المطلوب معالجتها الأوضاع في الجنوب وصعدة وهوية الدولة وإعادة بناء الجيش على أسس وطنية بعيداً من الولاءات الضيقة، ومعالجة الملف الاقتصادي الذي أهملته الأنظمة السابقة، سواء في الجنوب أو في الشمال أو في دولة الوحدة العام 1990 .
الأهم أن يتحلى المتحاورون بروح المسؤولية الوطنية عند مناقشاتهم محاور القضايا المطروحة بهدف إقرارها، لأنهم بذلك يضعون المدماك الأساس والأهم للدولة اليمنية الحديثة .