- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن الجنوبي في فخاخ الفتن البريطانية من الاحتلال إلى الاستقلال
نشر في عدن الغد يوم 03 - 04 - 2021

(1) محاصرة الخلافة الإسلامية وإحتلال الجزيرة العربية :
حينما توسع الاستعمار البريطاني في القارة الاسيوية خلال القرن الثامن عشر وفكر نابليون الفرنسي بفتح قناة بحرية عبر السويس بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر قبل احتلاله لمصر ، سارع البريطانيون الى الاهتمام بالسيطرة على الجزيرة العربية قبل افتتاح قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر، فكانت عدن اولى المستعمرات البريطانية المحتلة في البلاد اليمنية والعربية، وفي نفس الوقت كان المخطط الصليبي الاوروبي هو محاصرة الخلافة العثمانية في تركيا والتآمر عليها لإسقاطها بعد أن أرعبت أوربا بفتوحاتها الاسلامية التي وصلت الى ابواب فيينا وسط أوربا.
ولما كانت البلاد العربية محمية من الغزو الاوروبي بسبب وجود سلطة الخلافة
العثمانية في شمال افريقيا وفي مصر والحجاز واليمن والعراق، تقاسمالمحور
الصليبي الاوربي أدوار تحطيم الخلافة العثمانية،فروسيا تكفلت بمحاصرة
تركيا من الشرق ، وفرنسا بحصارها في شمال أفريقيا ،وبريطانيا بحصارها في
الجزيرة العربية والعراق ، فحقق الاوربيون هدفين في ذات الوقت "الاول" :
اسقاط الخلافة العثمانية "والثاني" : احتلال البلاد العربية وتقسيمها كما يشاؤون
وممهدين بشق الوطن العربي بمشروع اقامة دولة يهودية بين المشرق العربي
ومغربه بوعد بريطاني بناء على فكرة فرنسية اقترحها نابليون قبل احتلاله لمصر
(2) الفتنة بين كبرى دول الجزيرة العربية : السياسة البريطانية الاستعمارية تعتمد على مبدأ "فرق تسد" ، أي اثارة الشقاق ومنع الوفاق بين مختلف الاطراف في البلد المحتل ، وهو ما يعني خلق الفتنة وتحريكها عند اللزوم ، وكما نعلم فان "الفتنه اشد من القتل".
وأول ما قامت به هو بسط نفوذها على السواحل الشرقية والجنوبية للجزيرة العربية ، فعقدت معاهدات واتفاقيات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين مع مختلف الشيوخ والسلاطين والامراء ، منشئة بذلك كيانات سياسية هزيلة ومقسمة الجزيرة العربية ، بحيث جعلت بين كل كيان واخر مشكلة خلافية مشتركة تتعلق بالأرض والحدود حتى تصنع وتعمق الهويات القطرية المصطنعة على حساب الهوية العربية والاسلامية التي كانت تحت مظلة الخلافة العثمانية الاسلامية ، تم استوردت لكل قطر الأجانب من بقاع العالم ، وخاصة الأسيويين ، بما يحدث تغييراً في التركيبة العربية الإسلامية للسكان ، بحيث تضعف اللغة والدين مع مرور الزمن ،وتتقوى لغة المستعمر لدى النخبة فتضعف الهوية العربية الإسلامية حتى الإنهيار .
فبالنسبة لليمن قامت بتقييد أمراء وسلاطين وشيوخ القبائل المتمردة على سلطة الائمة الطائفية المركزية في صنعاء باتفاقيات ومعاهدات، بحيث وضعت تحت نفوذها جميع سواحل اليمن من جزيرة ميون ، والبر المقابل لها حتى السواحل العمانية ، مع توسعها برا داخل البلاد اليمنية في المناطق القاحلة ، بحيث شملت حدودها ما يعرف بمستعمرة عدن ومحمياتها الشرقية والغربية التي تكونت منها دولة اليمن الجنوبي بعد الاستقلال.
أما فيما يتعلق بأراضي المملكة الامامية اليمنية فقد تآمرت بريطانيا اولا على اسقاط حكم الاشراف في الحجاز بواسطة البيت السعودي بعد أن مكنته في نجد للتخلص والتملص من وعدها للشريف حسين بإنشاء دولة عربية موحده تحت قيادته مقابل وقوفه مع الانجليز ضد الحكم العثماني في الحرب العالمية الاولى ، ثم تامرت بريطانيا مع الدولة السعودية الناشئة بإثارة حرب مع اليمن في ثلاثينيات القرن العشرين ، وزودتها بالعربات المدرعة في التغلغل حتى الحديدة واقتحام بعض المناطق في شمال اليمن حتى رضخ امام اليمن بعقد اتفاقية الطائف التي اقتطعت عسير ونجران وجيزان من اليمن ووضعها تحت نفوذ وسلطة الدولة السعودية.
ومنذ ذلك اليوم خفت ضغوطات وتهديدات ائمة اليمن على الاحتلال البريطاني في الجنوب عامة وفي عدن خاصة ، وشعر الانجليز بالارتياح وأتاح لهم فرصة كبيرة للتركيز على مخططاتهم التآمرية في اليمن الجنوبي أرضا وسكانا.

(3)التجزئة الإدارية لليمن الجنوبي المحتل : بعد استيلاء الدولة السعودية على مناطق عسير وجيزان ونجران ، شعر الائمة بخطورة مكايد البريطانيين ومؤامراتهم فضعفت مناوشاتهم ومطالباتهم بشأن عدن والجنوب ، وأحس الانجليز بالطمأنينة من ناحية الائمة فأعلن تبعية عدن كمستعمرة للتاج البريطاني مباشرة بدلا من تبعيتها للإدارة الانجليزية في الهند ، فألغى "جيش اليمن الاول" الذي كان يتجند فيه جميع اليمنيين ، وأنشأ بدلا منه "جيش محمية عدن" و"الحرس الحكومي" اللذان اقتصر التجنيد فيهما على أبناء المحميات الغربية مستبعداً أبناء الشمال ، كما أنشأ "جيش البادية الحضرمي" في المحميات الشرقية ، وقسم الجنوب الى محمية شرقية تشمل حضرموت بشقيها القعيطي والكثيري ، والمهرة مع جزيرتها سقطرى ، ومحمية غربية تشمل جميع المشيخات والسلطنات والامارات التي تكونت منها لاحقا محافظات لحج وأبين وشبوة بعد الاستقلال.
وقد أصر الانجليز عند تجنيد أبناء الجنوب على ذكر النسب القبلي في الجيش والحرس ، وفي معاملته لأبناء الريف عموما ، وفي عدن جعل النسب للمدينة كقبيلة حسب المولد فيها ، لأن عدن كانت مملوءة بمختلف الجاليات الاجنبية التي هاجرت اليها أو أستجلبها الانجليز لخدمة ادارته في التجارة والحكم ، فقد جلب الى عدن جاليات من مختلف الاديان والملل والنحل الاسلامية والمسيحية والهندوسية ، والفرق المارقة محاولا بذلك اغراق الهوية الاسلامية والعربية ، واشعار الجميع بأنهم من فئة اللامنتمي ، وما عليهم سوى العيش بمسكنة ، والانضباط في خدمة المحتل ، مع نشر مدارس التبشير المسيحية لتعليمهم اللغة الانجليزية التي تؤهلهم للعمل في مختلف الاجهزة الادارية والخدمات العامة.
(4) وظائف عدن التجارية والسياسية للمحتل : بما أن عدن كانت ثغر اليمن الرئيسي على مر التاريخ، فقد حافظ على هذه الصفة التجارية منذ احتلاله لها ، وطورها حتى أصبحت عدن حلقة رئيسية في سلسلة الموانىء التجارية والعسكرية التي استعمرتها بريطانيا الرابطة بين الشرق والغرب وهي هونج كونج وسنغافورة وكولمبو وبومبي وعدن وقناة السويس وجبل طارق ، غير أنه أضاف الى وظيفة عدن التجارية والعسكرية وظيفتين أخريين هما : (أ) أن تكون عدن سوقاً للعمالة الرخيصة من الشمال ، ووكرا للتآمر والدسائس على الشمال (ب) أن تكون عدن المركز الرئيسي للتحكم في ادارة جنوب اليمن بأثارة الشقاق وزرع الفتن وتعزيز التعصب القبلي وتفريخ العشائر والمشائخ والمشيخات ، كما شقت بريطانيا الجنوب المحتل الى شقين شرقي وغربي، فكونت ادارة لمحميات عدن الشرقية التي شملت يوم الاستقلال محافظات حضرموت والمهرة وادارة لمحميات عدن الغربية شملت يوم الإستقلال محافظات لحج وأبين وشبوة ، وجعل بينالمنطقتين قطيعة سياسية وادارية واقتصادية ، بالإضافة الى تشجيع الانساب القبائلية واثارة نعراتها إلى يوم الاستقلال حتى يعزز الشعور بالانعزالية ويقويه بين سكان اليمن الجنوبي ، وهو ما سيولد الشعور السياسي بالمناطقية والاقليمية لدى الاجيال اللاحقة في عموم اليمن،(ج) وأن تكون مقرا لتدريب الجيش والأمن وتربيته على أساس قبلي وعشائري وزرع الفتن فيه حتى يكون طيعا في تنفيذ سياسات الاحتلال الانجليزي وقابلا للتفجر بالصراعات داخله حسب الولاءات العصبية وقاتلا للنزعات الديموقراطية ، وقامعا للحريات كما هو الحال في البلدان التي رزحت تحت نير الاستعمار.
(5)-(أ): تخريب الهوية العربية والاسلامية في البلاد اليمنية : تقوم الهوية اليمنية على العروبة والاسلام كغيرها من البلدان العربية ، فالإسلام عقيدة وشريعة وحضارة ، والعروبة لغة ثقافة وتاريخ ، ولذلك فان مخطط الاحتلال البريطاني قام على تخريب هذه الهوية الوطنية وتدميرها تدميرا شاملا ، وبما ان مدينة عدن هي مركز الحكم والادارة والتجارة والسياسة والثقافية وكافة الانشطة الاخرى ، فان ما يحدثه الاستعمار البريطاني من حوادث وبدع سيكون له تأثير كبير في مختلف البوادي والحواضر اليمنية حسب احتكاكها وعلاقاتها بمدينة عدن ، لأنه جعل منها بوتقة تنصهر فيها كل القبائل اليمنية مع أخلاط المهاجرين من الشعوب الاخرى الذين جلبتهم بريطانيا أو سهلت قدومهم لمصلحتها.
ففيما يتعلق بالإسلام عقيدة وشريعة ، كان التخريب لهما على النحو التالي:
قام الاحتلال الانجليزي بتنظيم هجرة كبيرة متواصلة من مختلف الاجناس والاديان والطوائف والمذاهب والملل والنحل وخاصة من القارة الهندية بحكم قربها من عدن ، وبحكم ان الادارة الاستعمارية البريطانية الموجودة في الهند ستكون مسئولة عن عدن ما يزيد عن مائة عام ، فقد اغرق المدينة التي كان يسكنها قليل من اليمنيين معظمهم من لحج بالمهاجرين الاجانب ، حتى اصبح سكانها أقلية في أوائل القرن العشرين فتداخلت المصالح والمعاملات والخدمات المشتركةواللهجات والأعراف المتنافرة وقد رافق ذلك ونتج عنه ما يلي :
(5)-(أ)-(1) اللغة الإنجليزية لغة الدولة : أستخدم الاحتلال اللغة الانجليزية في جميع المعاملات الرسمية وجعل رؤساء الادارات من الانجليز ونوابهم ، وبقية الكوادر والكتاب من أبناء الجاليات الاجنبية الذين يجيدون الانجليزية، طامسا اللغة العربية ومغيبا لها ، وجاعلا من الاجانب حاجزا بينه وبين السكان اليمنيين حتى يحملهم وزر غضب الأهالي ونقدهم وينقلون العجمة والرطانة في الكلام اليومي ، جارحين بذلك اللغة العربية ، وجاعلا من اللغة الانجليزية حلم البسطاء من الاهالي الذين يرغبون كسب رزقهم بواسطة العمل لدى الاجهزة الادارية والشركات التجارية والمؤسسات المالية، كما انتشرت المفردات الانجليزية بهجاء عربي محرف بعضه أحيانا فمدينة عدن القديمة أصبحت "كريتر" ومنطقة "المراشق" أصبحت "معاشيق" والسائق "دريول" والمستشفى "أسبطان" والمكتب "حفيس" وهكذا دواليك.. وقد شمل هذا التحريف الملتحقين بالجيش والامن من أبناء الريف الذين نقلوها الى الأرياف.
(5)-(أ)-(2) :أبعاد القضاء الشرعي وإحلال الوضعي الغربي : إستبدال القضاء الشرعي الاسلامي وما نتج عنه من اعراف وتقاليد ، بقضاء وضعي علماني باللغة الانجليزية في جميع المجالات ، ولم يترك سوى حيز صغير لبعض قضايا الاحوال الشخصية بحيث أصبحت جميع المعاملات تحكمها مئات القوانين الوضعية التي طبقها الانجليز في مستعمراته العديدة ، وخاصة الهند فضاعت الشريعة الاسلامية ، والغيت من حياة الناس ، وضعفت اللغة العربية بالعجمة والرطانة والتعريب المشوه.
(5)-(أ)-(3)-الكنائس فوق المساجد : أن الجاليات المهجرة الى عدن هي من مختلف الأديان والمذاهب فمنهم المسيحي (كرستان) الكاثوليكي ، والبروتستنتي والانجليكاني ، ومنهم اليهودي ، والهندوسي (البانيان) ، وعبدة النار والماسونيين وغيرهم ، فأقيمت المعابد المختلفة من كنائس وكنس ومعابد بطريقة لا تتناسب مع كثافة بعضهم ، كما أقيمت لهم المدارس والمعاهد والمقابر ، بحيث بدت مدينة عدن غير يمنية ، وحتى غير عربية أو اسلامية في مراحل معينة.
فاختار الانجليز للكنائس المسيحية مواقع بارزة في "قعرة عدن" ورغم أن الادارة البريطانية كان مقرها بادئ الأمر في "الخساف" أي قعرة المدينة ، الا انه اختار سفوح التلال المشرفة على مسجد أبان التاريخي الذي بناه الصحابي أبان عثمان بن عفان ابن الخليفة الثالث حينما كان والياً على المدينة، فقامت احدى الكنائس الكبرى مقابل المسجد ومشرفة عليه ، وقامت كنيسة اخرى بجانبه فوق ربوة بحيث تبدو الكنيسة الاخرى مشرفة ومواجهة لمنطقة الزعفران وسط المدينة آنذاك ، ومشرفة ومواجهه لميناء صيره من جهة اخرى ، وكأن الانجليز يقول يا ابن خليفة المسلمين اسمع قرع اجراس كنائسنا التي ارتفعت فوق مساجدكم واختلطت اصواتها بأصوات المآذن ، ان احتلال الانجليز لأجزاء من اليمن كان أيضا هدفا من أهداف الحملة الصليبية على الجزيرة العربية.
(5)-(أ)-(4) إنتشار المحرمات :انتشرت الخمور والدعارة والقمار والسباب مع تطور المدينة وتوسعها واستيعابها أعدادا كبيرة من الاجناس والاديان المختلفة التي تتعاطى الخمور والقمار ، كما شجع الانجليز قيام الدعارة في أحياء معينة لمواجهة كثرة المهاجرين والجنود العزل ، أما القمار فقد جلبه المهاجرون معهم ، غير أن السباب الفاحش قد نشأ عن اختلاف الأديان واختلاف الاجناس. واقتداءاً بالانجليز السادة الذين يعبرون دائما عن غضبهم او تذمرهم بشتيمة كلمتها "فك" -بفتح الفاء وتسكين الكاف ومعناها فعل الجماع- التي تلقفتها روافل الشوارع في عدن ، فطوروها على ألسنتهم الى سب الأعراض ، وسب الدين فانتشرت تدريجيا هذه الشتائم ومع مرور الزمن تحولت الى عادة وعبارات معلبة ، "فأصعب الحرام أوله ، ثم يسهل ثم يستساغ ثم يؤلف ثم يحلو ثم يطبع على القلب ثم يبحث القلب عن حرام آخر" ، كما يقول الفقيه الدكتور النابلسي ، ومع مرور الزمن انتشرت عبارات الشتائم كالهشيم في أنحاء اليمن من مختلف الناس وخاصة الشباب وأفراد الجيش والأمن وهو ما يحط من هوية الانسان ، ويضعف أخلاقه لأن فحش القول من الاخلاق الذميمة التي ينكرها الاسلام.
(5)-(ب) التجهيل والتغريب والعلمنة في التعليم:
(5)-(ب)-(1): عدم الإهتمام بالتعليم: عندما احتل الانجليز عدن في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ظل أكثر من قرن غير ابه بالتعليم حتى وضعت عدن تحت حكم لندن مباشرة حينما برزت ألمانيا كقوة كبرى في اوروبا ، فكانت صورة التعليم وتركيبته اواخر الحرب العالمية الثانية على النحو التالي: كانت الامية متفشية في معظم المناطق الريفية ، ولم تقم فيها حتى مدارس ابتدائية باستثناء واحده في المنطقة الشرقية ، بينما قامت في المدينة المدارس التبشيرية داخل الكنائس بنوع من التعليم لأعداد الكتبة فقط باللغة الانجليزية ، اما المدارس الحكومية فقد كانت عبارة ، عن عدة مدارس ابتدائية ومدرسة اعدادية ومدرسة ثانوية لاغير بالإضافة الى مدرسة أهلية للتعليم العام ، ومدرسة تجارية ومدرسة حكومية داخلية للتعليم في قلعة منعزلة فوق جبل حديد لاستيعاب عدد محدود من ابناء السلاطين والمشايخ ، أما المناطق الريفية فلم يقم حتى ببناء مدرسة واحدة فيها ، ثم توسع توسعا بسيطا في مختلف مجالات التعليم العام في العقدين الاخيرين قبيل الاستقلال في اواخر 1967م.
(5)-(ب)-(2)تقوية الإنجليزية وإضعاف العربية : حظيت اللغة الانجليزية باهتمام كبير ، بحيث كانت لغة التعليم في المستوى الثانوي والمدارس التبشيرية والتجارية كما كانت الحصص المخصصة لتعليمها في المراحل الاعدادية أكثر من الحصص المخصصة للغة العربية ، كما أن تعليمها قرر في المرحلة الاخيرة من المستوى الابتدائي ، أما اللغة العربية فكانت لغة التعليم في المستويين الابتدائي والمتوسط ، وكان للغة الانجليزية كتاب مقرر بمنهج واضح يعتمد في معظمه على النصوص اللغوية مع قليل من القواعد الضرورية ، أما اللغة العربية فلم يكن لها كتاب مقرر بمنهج واضح ، بل جعل كتاب القواعد النحوية هو المقرر فقط ، مع انعدام كامل للنصوص ، حتى يجعلها تبدو صعبة ، ومنفرة للطالب ،كما أن مدرسي اللغة الانجليزية كانوا في المستويين الاعدادي والثانوي من المدربين والعارفين بها ، في حين أن اللغة العربية كانت تشكو من انعدام المتخصصين بها أو المدربين عليها.
ولما كان بعض سكان عدن من عرب اليمن يعلمون أولادهم القراءة والكتابة بطريقة القاعدة البغدادية والقرآن الكريم في (معلامة) المساجد التي تعتمد الطريقة (الحرفية) المناسبة للغة العربية فقد وضع الانجليز كتابا خلال الحرب العالمية الثانية لتعليم اللغة العربية يعتمد الطريقة الكلية اللاتينية وهي (الكلمة) لإبعاد التلاميذ عن التعلق بالقران الكريم ولتحطيم بناء السليقة اللغوية لديهم. ولم يكتف الاحتلال بهذا بل قام بتأليف قاموس لمفردات اللهجة الدارجة التي تكونت في عدن في ظل الاحتلال مساهمه منه في نشر العامية على حساب الفصحى في مدينة عدن التي كانت مركز تأثير على كافة مناحي اليمن.
(5)-(ب)-(3) الطمس للإسلام في التعليم العام : اذا كان الاسلام عقيدة وشريعة وتاريخ مع لغة القران هو المنهاج الاساسي للهوية الوطنية ، فان منهاج التعليم العام في الابتدائي والاعدادي والثانوي يخلو تماما من أي مواد اسلامية تتعلق بالعقيدة او الشريعة او التاريخ الاسلامي ، ولم يكن لها كتاب أو حتى ملزمة, مع علمنا بأن القران العظيم قد فجر ثورة في تأليف الكتب والمصنفات في جميع مجالات الآداب والعلوم والفنون التي لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيلا فقد بلغت المخطوطات في الحضارة الاسلامية بالملايين ومازال بعضها لم يحقق حتى الان وموزعا بين مكتبات ومتاحف بلدان العالم المختلفة ولكن الاحتلال الصليبي يريد استبدال الهوية العربية الاسلامية بهوية ممسوخة مبتذله تجعله يتخبط في مجاهل الثقافة الاوربية ويترنح طويلا في مستنقع العلمانية الغربية باحثا عن طريق الهداية مع ان الشعوب الحية المعاصرة نهضت وتطورت مستلهمة تاريخها وحضارتها وتراثها ولغتها. وقد كان مقرر التاريخ في المراحل الاخيرة من الثانوية العامة الإنجليزية هو كتاب عن "تاريخ الامبراطورية البريطانية" أي تاريخ الاستعمار البريطاني ، وصاحب كل ذلك ان جميع المدرسين تقريبا تعلموا وتثقفوا من مناهل الفكر التغريبي في البلدان العربية دراسة وثقافة حتى تشبعوا بالفكر العلماني المعادي للإسلام باطنياً ، وهو ما أنعكس سلبا على بناء شخصية الاجيال القادمة في العمل والسياسة والحياة والأخلاق .
(5)-(ج) تغريب اعلامي وثقافي وتسطيح ديني والهاء اجتماعي:
(5)-(ج)-(1) سينما إلهاء وتغريب: نشأت دور للسينما تحت الاحتلال البريطاني وكانت تعرض أفلاما عربية وهندية وانجليزية حسب الخلطة السكانية، أما الافلام العربية فكانت كلها باللهجة المصرية وهي تتميز عادة بالأغاني والرقص الأوربي والشرقي ، وشرب الخمر والسخرية من الشخصيات الدينية ، وازدراء للغة الفصحى لغة القران والأمه العربية، ونحن نعلم أن السينما في مصر قامت على أيدي نصارى العرب الذين جيء بهم أثناء الاحتلال البريطاني من بلدان الشام ، لإقامة مؤسسات اعلامية وثقافية على النمط الأوربي لتنفيذ مخططات ومؤامرات سايكس بيكو الاستعمارية ، في تمزيق وتحطيم العروبة والاسلام بعد اسقاط الخلافة العثمانية وحقنهما بمفاهيم العلمنة والتغريب والتمييع ، فماذا نتوقع من هذه الأفلام العربية والهندية والانجليزية ان تعزز بها الهوية العربية والاسلامية لليمنيين في مدينة عدن المؤثرة على عموم اليمن وهي خالية من عناصر الهوية الوطنية بل معادية لها في معظم الأحيان.
(5)-(ج)-(2)إذاعة وتلفزيون للتغريب والعلمنة : انشئت اذاعة عدن في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين ، ثم انشئ بعدها في أوائل الستينيات تلفزيون عدن ، وذلك تحت اشراف وادارة البريطانيين ، ورسمت لهما سياسة اعلامية على غرار البي بي سي ، يقوم المحتوى على نشر الثقافة الغربية والفكر العلماني واستبعاد كل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية والثقافة العربية الاسلامية من خلال المسلسلات والاغاني والبرامج التي يدس فيها بذور الفتن والتفرقة والمناكفة وخاصة بعد قيام حكومة محلية بعدن وحكومة باسم اتحاد الجنوب العربي في الجزء الغربي من اليمن الجنوبي اما الجزء الشرقي فلا خبر له سوى أغنية "يا حضرموت افرحي بترولنا بايجي" التي تتردد من اذاعة عدن بعد أن نقبت احدى الشركات الامريكية في اوائل الخمسينيات عن النفط في منطقة (سناو) ثم غادرت بعد أن طمرت الابار التي حفرتها، والحليم تكفيه الاشارة من هذه الاثارة.
(5)-(ج)-(3)صحافة للفكر الأوربي والتغريبي العلماني : انتعشت الصحافة المحلية والعربية في عدن بعد الحرب العالمية الثانية في اوائل الخمسينيات ، ولكن المحلية منها تفشت فيها الخلافات والمهاترات عاكسة بذلك سياسة الانجليز في الفتن الاجتماعية والسياسية ، كما غلب على ثقافتها السياسية والعلمانية الفكر الاوربي والفكر التغريبي ولم تكن للشريعة الاسلامية بأركانها الشاملة أي أثر يذكر فيها ، وبالمثل فان الصحف العربية المستوردة من القاهرة وبيروت التي تروج في الاسواق حتى الاستقلال كانت تمثل الثقافة التغريبية والفكر العلماني في ميوله اليسارية وتطرفه العقائدي المناوئ للهوية الاسلامية شريعة وعروبة لأن الثورة المصرية بأيدلوجياتها المنسوخة من بعض الماركسية كان لها تأثير كبير من خلال الدعوة للقومية العربية المنزوعة من شريعتها الاسلامية بسبب وقوع الناس فريسة للسياسات الاستعمارية التغريبية والعلمانية الطامسة للإسلام، فنحن ننسى جميعا أنه لولا الاسلام لما كان للعربوجود قومي أو ثقافي أو حضاري ، حتى أن نباهة عمر بن الخطاب العبقرية جعلته يقول أن الله قد أعزنا بالإسلام فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله وهو ما أثبته التاريخ حتى اليوم.
(5)-(ج)-(4)الدين طقوس وخزعبلات وشركيات: حاصر الانجليز التثقيف الاسلامي في المساجد والنوادي والصحف بالترهيب والترغيب والتنفير ، بحيث ظل أئمة المساجد يستعرضون القضايا الاسلامية في أشكال مكرره رتيبة وخارجه عن اطارها في السياسة الشرعية بعد أن سقط ثمانية شهداء دفاعا عن اعتقال أحد ائمة المساجد في حي الشيخ عثمان عام 1942م من قبل سلطات الاحتلال الانجليزي ، وقد وجد المحتل في اهتمام الناس وأوهامهم بكرامات الأولياء فرصة مناسبة لإبعاد الناس عن جوهر الاسلام ، فاذا بزيارات الاولياء في عدن تتحول الى مهرجانات سنوية تزداد اتساعا كل عام ، وتتحول لملاهي وأسواق شعبية وأعياد موسمية في مدينة عدن بالإضافة الى حالة من حالات الشرك بالله يمارسها بعض الجهلاء بالتضرع لهم ، طلبا للشفاء او تجنبا لنوائب الدهر ومكر البشر بحيث أصبح ذكر الله مجرد لفظة على الشفاه.
(5)-(ج)-(5) تخدير العقول وتشطيطها بالقات: حينما اشتدت الصحوة السياسية والحزبية في عدن في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي قرر الاحتلال البريطاني ادخال مخدر مقبول لليمنيين مستلهما تجربته المشينه في الصين حينما غزاها بتجارة الافيون في القرن التاسع عشر فظل الصينيون يتخبطون بالمخدرات حتى جاءت الثورة الاشتراكية في القرن العشرين فقضت على متعاطيه وتجاره بالقتل. ولما رأى البريطانيون ان القات مألوف لدى اليمنيين بسبب زراعته وتعاطيه في بعض مناطق اليمن وبسبب المهاجرين في الحبشة غير أن متعاطيه محدودو العدد, قرر استيراد القات الهرري يوميا من الحبشة بواسطة الطيران الاثيوبي فانتعشت تجارة القات وانتشر التخزين والتخدير وانتفخت الاشداق وافتتحت المبارز (مجالس القات) ولما تمكنت العادة من الناس في عدن نقل الاحتلال تسويق القات الى دار سعد بقرار من مجلسه التشريعي لغرضين. الاول هو اشعار الناس ان ثمة حدود مصطنعة بين دولة عدن ودولة لحج, والثاني هو انعاش مدينة دار سعد حتى يغري سلطان لحج بالموافقة على اصلاح الطريق بين كرش ودار سعد بمعاونة الاحتلال حتى يسهل استيراد القات الرخيص من تعز بدلا من الاستيراد المكلف للقات الهرري, وهو ما حدث بعد ذلك. فالقات مسجل لدى منظمة الصحة العالمية كمخدر ضار بالجسم والعقل, فمتعاطيه تتملكه مشاعر العظمة ويتخيل أوهام مشروعات كبيرة ليلا تتبخر صباحا بالفتور والخمول ويصاب المتعاطي بالاكتئاب والاحباط, وحين يعاد التخدير في اليوم التالي ويتقد ذهنه يشطح في خيالاته وأوهامه الذهنية فتتكون لديه حاله من الفصام بين أوهام الليل وواقع النهار مع ضعف تدريجي في قواه الخائرة ناهيك عن المشاكل الاجتماعية الاخرى. وحينما حاولت الحكومة الثورية في منتصف سبعينيات القرن الماضي منع القات لم تستطع لأن المخدر قد تغلغل في العقل الثوري للسلطه. واليوم يكتسح القات البلاد اليمنية من أقصاها الى أقصاها محققا سياسة الاحتلال البريطاني.
(5)-(د) حركة وطنية وسياسية متناهشة وبرامج وعقائد غربية علمانية :
(5)-(د)-(1) نشوء الحركات الوطنية وتطورها : نشأت الحركات الوطنية مع إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م ، وبفضلها إجتاحت العالم حركة التحرر الوطني من الإستعمار الغربي ، فرأت بريطانيا انه لابد من تهيئة مستعمراتها للإستقلال الشكلي ، وصنع ظروف جديدة للسيطرة عليها ، وتحريفها نحو مقاصد السياسات والمصالح الإستعمارية ، وذلك من خلال (1) التفريق والتجزئة و (2) محاربة الإسلاموإبعاده عن الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية للبلدان العربية والإسلامية .
فبدأ في عدن بالسماح للموجه الاولى من الحركة الوطنية التي تكونت من بعض العوائل البارزة في عدن ، بأن تطالب بالحكم الذاتي لعدن فقط ، بعد أن أنشأ مجلساً تشريعياً من كل الأجناس ، يرطن باللغة الإنجليزية لاعلاقة له بهوية الشعب الأصلية في العروبة والإسلام ، تم ظهرت الموجة الثانية من الحركة الوطنية المكونة من بعض أبناء اليمن الجنوبي والشمالي ، لتطالب بإستقلال الجنوب العربي ، وهو ما يستدعي بالضرورة إنتقاد إنعزالية وإنفصالية الحركة الوطنية الأولى التي تطالب بالحكم الذاتي لعدن ، تم جاءت الحركة الوطنية الثالثة التي انبثقت من إتحاد نقابات العمال ، مطالبة بإستقلال الجنوب اليمني المحتل وإنضمامه إلى الشمال ، وهوما يستدعي بالضرورة إنتقاد إنعزالية وإنفصالية الحركة الوطنية الثانية، التي تطالب بإستقلال الجنوب العربي.
وبهذا إستطاع الإنجليز أن يجعل الحركة الوطنية تقوم على التناهش والتخاصم ، وعلى الفرقة والفتن والإختلاف والتشاحن ، وهو ما أنعكست نتائجه السلبية على العلاقة بين الناس شكاً وريبة وتباعدا ، أن هذا التشاحن والتخاصم القائم على إستخدام القلم واللسان والفرقة والفتن سوف يتحول إلى كوارث دموية وإجتماعية عندما يقوم على إستخدام العنف والسلاح قبيل الإستقلال بسنوات ..
(5)-(د)-(2)محاربة الأحزاب الاسلامية : أن سياسية العلمنة والتغريب في التعليم والثقافة والإعلام ، التي مارسها الإنجليز في اليمن الجنوبي وخاصةً عدن ، بالإضافة إلى تأثير الثورة المصرية في إبعاد الشريعة الإسلامية عن الحكم والإدارة والقضاء جعل الحركة الوطنية تخلو من التيارات الإسلامية ، وحينما حاول احد الشيوخ الوافدين من المسلمين الهنود إقامة (الجمعية الإسلامية) في عدن ، كحركة سياسية على غرار الحركات الإسلامية في الهند التي كانت الركيزة الاساسية للمقاومة ضد الإستعمار البريطاني ، سقط مريضاً ونقل للعلاج في لندن، فعاد مكفناً في تابوت إلى المقبرة ، فماتت الجمعية بعده ، وقبيل الإستقلال كان ثمة نفر من المتقفين الإسلاميين ، يتبنون إتجاهاً إسلامياً ، تعرضوا للتنكيل والتشريد بعد قيام حكم وطني علماني دكتاتوري تربى على معاداة الشريعة الإسلامية ، أن مفهوم الشريعة الإسلامية قد أختزله أعداؤها في بعض الحدود ، غير أن مفهومها الصحيح هو أن الشريعة الإسلامية نظام شامل متكامل للحياة الإنسانية ، ويتكون من المنظومات الأربع التالية المتماسكة عضويا ببعضها البعض:
أ- تنظيم العلاقات العبادية بين الإنسان وربه الله وفقاً للأخلاق الإسلامية.
ب- تنظيم العلاقات الأسرية والعائلية في المجتمع وفقاً للأخلاق الإسلامية.
ت- تنظيم العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والتجارية والمالية بين الناس وفقاً للأخلاق الإسلامية
ث- تنظيم علاقات الحكم والإدارة بين الناس في المجتمع وفقاً للأخلاق الإسلامية .
(5)-(د)- (3) زج الجيش والأمن في العصبية الحزبية السياسية : بما أن الإنقلابات العسكرية هي أحدى أدوات الإستعمار لتحطيم إرادة الشعوب في التحرر والتطور ، وهو ما يعني تدخل القوات المسلحة في الحكم والسلطة ، حتى تكون مهمتها شراء الاسلحة بإستمرار ، وتكثيف المركزية في الحكم ، وبناء أجهزة إستخبارات على الشعوب للبقاء في السلطة ، وتعطيل العمل الحزبي ، والقضاء على الهوية الوطنية والسقوط في تبعية إقتصادية وسوقية للقوى العالمية الإستغلالية .
رأى الإنجليز أنه لابد من إشراك الجيش والأمن في العمل السياسي والحزبي قبل الإستقلال ، بعد أن جعل العصبية القبلية متمكنة فيه وقابلة للفرقة والشقاق حينما تمتزج بالصراع الحزبي المسلح ، فيزداد لهيب الفتن ، ويتوسع مع الزمن ليحرق القلوب ويوغر الصدور . ولما كانت الموجه الثالثة من الحركة الوطنية قد أنشأت جبهة مسلحة بإشراف المخابرات المصرية ، إستطاع الإنجليز ان يستميل هذه الجبهة من منشئيها ، فقامت المخابرات المصرية بإنشاء جبهة أخرى مسلحة ، فأصبح في الميدان جبهتان مسلحتان متصارعتان ، فسنحت الفرص للإنجليز بدفع عناصر من الجيش والأمن للإنغماس في الصراع الحزبي الذي تحول إلى مستوى حرب أهلية في مدينة عدن ، وحينها أجتمع الحاكم البريطاني بالقادة العسكريين في مقره ، وطلب من الجيش الوطني إستلام السلطة ، وحينما قوبل بالرفض سرحت بعض القيادات العسكرية المعارضة، دفع بالجيش قبل شهر من الإستقلال إلى إعلان الوقوف عسكريا مع إحدى الجبهات ومطاردة الجبهة الأخرى التي تراجعت مهزومة إلى الشمال ، تمهيداً لتسليم السلطة رسميا ومنح الإستقلال ،للجبهة التي رفضت قيام وحدة وطنية بإشراف الجامعة العربية بناء على وساطة مصرية .
(5)-(د)-(4)محاربة التطور السياسي المحلي :عندما بدأ الإنجليز تأسيس مشروع دولة لإتحاد الجنوب العربي من بعض المشيخات والسلطنات بطريقة مهلهلة تنذر بهلاكه ،لم تقبل سلطنة لحج بذلك وأعترضت عليه ، فقد كان يحكمها سلطان سياسي مستنير تميز حكمه بإقامة مجلس تشريعي من نخبة من المثقفين يرأسهم سياسي كبير ذو ثقافة إسلامية ، وزعيم للموجة الثانية من الحركة الوطنية ، وكانت سلطنة لحج تتميزبدرجه من التمدن ، فقد كانت تدون شرائعها ونظمها وأعرافها في مختلف المجالات، كما أن المدرسة الحسينية للتعليم العام ، كانت مركز إشعاع ثقافي في ذلك الوقت بسبب مساهمة بعض البعثات المصرية بالتدريس فيها، وبما أن سياسة الإنجليز كانت تقتضي عزل الحكام عن قبائلهم وأنصارهم ، ووضعهم تحت حماية الحرس الحكومي الذي أنشأه كشرطة خاصة بالأرياف ، وأبعادهم عن الشريعة الإسلامية وتراثهم الأصيل ،ووضعهم تحت المستشارين السياسيين الإنجليز الذي كان معظمهم من صهاينة يهود بريطانيا ، فقد قررت السلطات البريطانية القضاء على سلطان لحج ، ومجلسه التشريعي وطريقة حكمه وتراثه ، فأرسلت قوة عسكرية لإعتقاله هو ورئيس المجلس التشريعي ، ولكنهما تمكنا من الهرب إلى الشمال ، فنصب الإنجليز أحد أقاربه الذي كان موالياً وطائعاً لهم ، فالتحق بركب أتحاد الجنوب العربي الهزيل ، الذي لم يكن يملك أي سلطة على السياسة الداخلية أو الخارجية ، فأنهار عندما دفع الإنجليز بالجيش والأمن للإنخراط في السياسة والإنحياز فيما بعد لأحدى الجبهات الرافضة للوحدة الوطنية التي حاولت مصر اقامتها ، ففر السلاطين والامراء والمشايخ وتشردوا في جزيرة العرب بعد أن رأوا هيكل دولتهم ينهار على رؤوسهم .
(5)-(د)-(5)أقامة نقابات علمانية دنيوية :
لم تقم نقابات العمال في عدن إلا بعد عام 1953م ،حينما أنشأت مصفاة عدن البريطانية ، التي تعتبر أكبر مشروع صناعي في عدن حتى الأن ، وهو ما أنعش الحياة التجارية والإقتصادية في كافة المجالات ، وشجع الإنجليز قيام النقابات العمالية على غرار النظام البريطاني حتى يمتص الإهتمام السياسي الذي تنشره وسائل إعلام الثورة المصرية عن التحرر العربي عامةً ، والجنوب خاصةً وحتى يغرس فيهم قيم الروح العلمانية والنزعات اليسارية للإشتراكية الأوربية ، وحمل راياتها الدموية للثورة والعنف، ويعودهم على التقاليد الغربية الأوربية ، منتزعة من إطارها الديمقراطي للسلطة، وبعيداً عن التراث الإسلامي .
وبما ان النشاط الإقتصادي والتجاري والخدماتي في عدن والجنوب يعتمد على العمال الشماليين فقد تكونت النقابات على اكتافهم ، فانبثقت عن إتحاد النقابات العمالية الموجة الثالثة من الحركة الوطنية لتحرير جنوب اليمن ، وحينما قامت جبهة أخرى داخل الموجه الثالثة من الحركة الوطنية تنادي بتحرير جنوب اليمن ، أدى ذلك إلى إنقسام في حركة النقابات العمالية ،الذي تحول إلى خصام وتناحر حينما تصارعت الجبهتان بالسلاح ، ولما جاء الإستقلال لم تعد النقابات قادرة رفع صوتها أو حتى الإحتجاج بالإضراب أمام طغيان نظام الحزب الواحد الذي أبتلعها وهضمها بعد أن أعدم أحد النقابيين المطالبين بالإضراب .
6-تطوير عدن السريع قبل الإستقلال:
ظلت عدن منذ أن أستعمرها الإنجليز تحكمها إدارة شركة الهند الشرقية في الهند مدة تقارب القرن من الزمان ،وكل ما طورته فيها هو نقل الميناء من صيره إلى التواهي ،وبناء الأرصفة بعد فتح قناة السويس لمواجهة تدفق التجارة بين الشرق والغرب ضمن الخطوط البحرية لسلسلة موانئ الإمبراطوية البريطانية بين هونج كونج ولندن ، أما التطور الفعلي والملموس فقد بدأ مع ظهور قوة ألمانيا النازية ، حينما تولت الحكومة البريطانية في لندن حكم عدن وما جاورها مباشرةً ، والإنجليز حريصون في الإنفاق على مستعمراتهم ،فهم لا ينفقون إلا بقدر ما تقتضيه مصالحهم ، والتطور لا يكون إلا في حدود بقائهم ،ولكنهم عندما خططوا لخروجهم من اليمن الجنوبي أبان الحرب العالمية الثانية ، قرروا أن يقوموا ببعض من التطور ليبقى عالقاً في ذاكرة الناس خلال مراحل الإستقلال حتى يتذكر الناس محاسنهم ، عندما تندفع الحكومات الوطنية بجهالة وإستبداد في إرتجال مشاريع خرقاء.
فقام الإنجليز بدفع شركة بي بي البريطانية في عام 1953م للإستثمار في عدن ببناء مصفاة كبرى في منطقة البريقة ، شملت بناء طريق بحري لتقديم وقود للسفن فكان للمصفاة تأثير كبير على الحياة الإقتصادية والتجارية في عدن ، تم قام الإنجليز بنقل قاعدته العسكرية للشرق الأوسط من البحرين إلى عدن في عام 1961م بحيث شملت بناء مدينة سكنية في منطقة البريقة ونقل المئات للسكن في عدن ، فقدمت البنوك التسهيلات لإقراض الأهالي لغرض بناء العمارات والمساكن للإيجار ، حتى تستوعب الإنجليز المتكاثرين في أحياء عدن. كما أصدر قانوناً لإقراض موظفي الدولة لشراء السيارات وبناء بيوت خاصة بهم فأنتعشت حركة البناء والتجارة في عدن خلال العقد السابق للإستقلال ، فأزدهرت المدينة وأزدادت متاجرها حتى جاء اليوم الموعود بخنقها من الخارج ومن الداخل خلال عام الإستقلال في 1967م ، حين أنتشر السلاح وأشتد الصراع الدموي بين الجبهات الوطنية ، ترافقا مع إغلاق قناة السويس ، فبدأ الشحوب يدب تدريجياً في المدينة ، وذبلت ملامحها حتى تلاشى ما أكتسبته من وهج وبهاء في أيام الإستعمار الأخيرة لتصبح كابوساً يؤرق مخيلة الحكم الوطني حينا يقارن الناس أحوال عدن بين عهدين .
7-خطط منسقة للفتنة بين اليمن وجيرانه :
إن سيطرة الإنجليز على أقطار سواحل جزيرة العرب الشرقية والجنوبية جعلته ينسق بين خططه الإستعمارية في الأقاليم ، فلما رأى بعد الحرب العالمية الثانية أنه لم يعد ثمة صراع بين الدول الإستعمارية بسبب حركة التحرر الوطني في العالم ،وبسبب دخول أمريكا في الشرق الأوسط ، وإستلامها مهمة الهيمنة الإستعمارية من بريطانيا بعد قيام إسرائيل ، قررت بريطانيا سحب قواتها من البحرين إلى عدن في عام 1961م ، ثم سحبها من عدن إلى بريطانيا بعد أن أعلن حزب العمال عام 1963م تصفية قواعده العسكرية شرق السويس ، وهيالتي نفذها عام 1964م بتهيئة أتحاد الجنوب العربي للإستقلال كما خطط لها .. وفي نفس الوقت كان يقوم بتهيئة موانئ الخليج للإزدهار بديلة لعدن ، فحينما دخلت القوات المصرية صنعاء لمساندة ثورة 26 سبتمبر إغتنم الإنجليز فرصة الصراعات بين الجمهوريين والملكيين ، فجعل من الجنوب مسرحاً لمساعدة الملكين من خلال نقل السلاح والمال والذهب وهو يعلم أن ذلك كله سينسحب سلباً على الأوضاع في اليمن الجنوبي مستقبلاً ، الذي هو أكثر جاهلية في قبليته فإنتشار السلاح والصراع تحت رايات الثورة والثورة المضادة سيشعل اليمن كله ولن تطفأ شعلة الحروب والصراعات في اليمن مدة طويلة مادام هناك من يغذيها مستغلاً حالة الفقر لتعطيل حركة التنمية والتطور ، ويكون الإنجليز خلالها قد خططوا لإذلال حكام الخليج وإخافتهم ، حتى يكسب إذعانهم وإستكانتهم بينما تستغلهم الدول الإستعمارية بإستخراج النفط وبيعه مقابل الفتات في شكل عمران باهر ورخاء مادي ظاهر ، بل أن تعسف الإنجليز في جعل موانئ الخليج وخاصة ميناء دبي يدعي عالمية مزيفة ، وجعل همه محاربة الموانئ اليمنية وخاصة ميناء عدن حتى لا تنهض بعد فتح السويس ،هو لإحداث فتنة أجلة في جزيرة العرب ..
8-نقل العداء الإستعماري المبطن للإسلام إلى عداء وطني علني للإسلام:
كانت الحملة الإستعمارية البريطانية على أطراف الجزيرة العربية ومن ضمنها اليمن الجنوبي تهدف إلى تحقيق هدفين في آن واحد ، الأول مواصلة الحرب الصليبية على الإسلام وبلدانه ،والثاني الإستغلال الإقتصادي والتجاري وقد حققت الهدفين ، وسوف نبين هنا الطرق الخفية والناعمة التي أستخدمها البريطانيون في الحرب على الإسلام داخل عدن بصفة خاصة ، وأريافها بصفة عامة ،وفي كافة أطراف الجزيرة العربية الشرقية والجنوبية وهذه الطرق :
(8-أ) العداء الإستعماري المبطن للإسلام :
أولاً: تسهيل الهجرات الأجنبية من مختلف الشعوب والبلدان ومن مختلف المذاهب والأديان ،وإغراق السكان العرب بهم حتى تختلط الألسنة وتضعف اللغة العربية ويسهل للإنجليزإستخدام الإنجليزية وتطبيقها في المعاملات رسمياً ، وتنمو أجيال معجونة ألسنتها باللهجات العامية ، فلا تتقن اللغة العربية ولا تستطيع الإبداع باللغة الإنجليزية ، وبهذا يتحطم أحد أركان الهوية العربية والإسلامية ، كما أن إختلاط الأديان والمذاهب والعادات والتقاليد تضعف المفاهيم الأساسية للإسلام وتقتل التعرف على قيمه العظمى فينحصر إهتمام الأهالي بالشكليات والطقوس الجافة في العبادات.
ثانياً : القضاء على الشريعة الإسلامية وطمسها في الحكم والقضاء والتشريع والإدارة والإقتصاد والتجارة والأخلاق ، من خلال إستخدام اللغة الإنجليزية ، وإدخال النظم الإنجليزية لتنظيم الأجهزة الإدارية في كافة المجالات ، وإصدار مئات القوانين الإنجليزية وتطبيقها في مختلف شؤون الحياة ،بحيث صار القضاء علمانياً غربياً ولم يبقى للناس من القضاء الشرعي إلا ما يخص قضايا الأحول الشخصية في الزواج والطلاق ، وحينما تكونت حكومة محلية لولاية عدن كانت الجريدة الرسمية تصدر بالإنجليزية ، أما حين تكون إتحاد الجنوب العربي فأن الجريدة الرسمية كانت تصدر باللغة الإنجليزية ، مع ترجمة لها باللغة العربية ، لأن القرارات الإتحادية كانت تعد باللغة الإنجليزية حتى وقت الإستقلال ، وهكذا أصبحت لغة القران ولغة العروبة والإسلام غريبة في الحكم والإدارة لإقليم عربي مسلم.
(8-ب)العداء الوطني العلني للإسلام : كان لقيام الثورة المصرية عام 52م تأثير كبير على الوعي السياسي في اليمن بسبب الإعلامالهادر ، من خلال الصحف والمجلات التي تتدفق إلى عدن ومن خلال إذاعة (صوت العرب) التي كانت تهز مشاعر التحرر الوطني في الناس ، وتثير في نفوسهم الحلم بالوحدة العربية ، بعد ان تبخر حلم الوحدة الإسلامية بسقوط الخلافة العثمانية مع إتفاقية سايكس بيكو الإستعمارية الصليبية ، ولما دخلت القوات المصرية صنعاء بعد ثورة سبتمبر عام 62م ، كانت العلاقات الروسية المصرية قد تقوت كثيراًبعد أن مالت الثورة المصرية إلى اليسارية مطبقة بعض الإجراءات الإشتراكية بعد إنفصال سوريا عنها فأنتهز الإنجليز فرصة الصراع بين الثورة والثورة المضادة في اليمن فوقف مع الملكيين بالتنسيق مع السعودية ، لكنه في نفس الوقت كان يمهد لإستدراج الروس بنظرياتهم الشيوعية المعادية علناً للإسلام إلى اليمن الجنوبي بعدة وسائل منها :
السماح لأسطول الصيد الروسي المكون من أربع وعشرين سفينة بالإصطياد في المياه الإقليمية للجنوب في خليج عدن منذ عام 1964م وحتى الإستقلال .
كان الإنجليز مسيطراً على دول شرق أفريقيا ، فهيأ الدول الإسلامية منها لقيام الماركسية فيها ، فبدأ عام 1964م بإنقلاب ماركسيحاقد على حكومة وأهالي زنجبار العربية العمانية في تنزانيا ، فكان ضربة للعرب والمسلمين، تم قام إنقلاب ماركسي في صوماليا بعد عام على إستقلالها عام 1968م بقيادة ضابط سابق في جيش موسولوني الفاشي مع نخبة مع المثقفين الماركسين الصومال الذين تربوا في عدن .
كانت مجموعة من حركة اليسار الجديد التي أنشأتها المخابرات الامريكية في أوروبا تقوم بزيارات إلى جبهة تحرير عمان في إقليم ظفار .
كانت بيروت مقراً لتفريخ المؤامرات الأوروبية الغربية على العرب المسلمين ، فكانت تنشأ فيها كل الحركات الثورية المعادية للإسلام، وتصدر عنها كل أنواع المطبوعات المعادية للهوية العربية الإسلامية التي تجد طريقها إلى المدن العربية ومنها عدن .
دفع الإنجليز الجيش والأمن للإنحياز للحركة الوطنية ذات الميول اليسارية العلمانية التي تقترب من الماركسية ، وهو ما نتج عنه قيام الحركة الماركسية عام 1969م في اليمن الجنوبي بعد الإستقلال ، وبدايةللتواجد الروسي في اليمن .
وبهذا أستطاع الإنجليز أن ينقل العداء الصليبي المبطن الذي كان يمارسه ضد الاسلام خلال إستعمار اليمن الجنوبي إلى عداء سافر للإسلام ، من خلال أبناء الوطن أنفسهم (البدونتاريا) كما وصفتهم صحف الإنجليز او (القبائلتاريا) كما وصفتهم صحف العرب.
كما أن الهدف الثاني للإنجليز من إنتشار الماركسية في اليمن وشرق أفريقيا هو إرعاب دول الخليج وإذلالها وتقوية النزعه القطرية وتأصيلها حسب قواعد سايسبيكو في تجزئة بلاد العرب، اما الهدف الثاني فهو ابقاء ميناء عدن مقفلا امام الملاحة التجارية الدولية حتى وان فتحت قناة السويس لأن النظام الاشتراكي لايسمح بحرية المعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية حتى يتسنى للانجليز تقويم ميناء دبي كبديل دولي لميناء عدن كجزء من مخططات الفتنة بين العرب بالإضافة إلى إيقاع الروس في مستنقع الدول المتخلفة بتجارب فاشلة ، فقد وجد الروس أنفسهم في دوامة من التمركس الفاشل بين مصر واليمن وصوماليا وأثيوبيا وأنجولا وأفغانستان المجاهدة ، التي عادوا منها منكسرين خائبين يجرون أذيال الهزيمة إيذاناً بإنهيار الإتحاد السوفيتي والتجربة الماركسية .
9- النتائج الكارثية لسياسات الفتن التخريبيه للاحتلال البريطاني في اليمن الجنوبي:
1-تخريب وتشويه الاسلام ونظامه:
بما ان الاسلام نظام شامل لحياة المجتمع الانساني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا فقد تعمد الاحتلال الصليبي الى التغطية على مفاهيم الاسلام الكبرى في هذه المجالات بسياسات وثقافات علمانية أوربيه في مجالات التشريع والقضاء والادارة والاخلاق العامة ولم يترك للاسلام سوى مجال العبادات التي حاصرها بشعائر وطقوس الأديان والمذاهب المعادية للإسلام فتربت أجيال عديدة على شعائر اسلامية باهتة تتكرر عليهم بصورة رتيبة ولم ير للاسلام اي أثر في الحياة الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية فوقعت جميع الاجيال بهويتهم وأصالتهم في اليمن الجنوبي وخاصة النخبة السياسية فريسة للفكر الاوربي والثقافة الاستعمارية, فوضعت دساتير علمانية على النمط الغربي لتنظيم الدولة والمجتمع وأقرت جميع القوانين الانجليزية حتى تستبدل وحينما تم استبدالها جيء بقوانين مقتبسه من التراث الاوربي. ولما كانت تلك الدساتير والقوانين خالية من الروح الاسلامية فقد ظلت غير قادرة على ارساء اسس متينه للتفاعل الحيوي والتطور الاجتماعي الثابت المستديم الذي تشارك فيه كافة فئات المجتمع وطبقاته. ان الفردية المتمرده للمجتمع الجاهلي كما هو الحال في اليمن الجنوبي الذي استطاع الاحتلال ان يحركها باثارة النعرات والفرقة والتحاسد والمناطقية لايمكن أن يسيطر عليها وينتظمها كمجتمع ودولة الا الشريعة الاسلامية. وقد سبق ان قال عبدالرحمن ابن خلدون الحضرمي اليمني (مؤسس علم الاجتماع) بما معناه: (ان العرب لا تقوم لهم دولة الا بالدين) اي الاسلام, وسوف تثبت الايام بعد ذلك ان العشق العلماني لأوربا الاستعمارية سيتحول الى نفور من الثقافة الاسلامية والى عداء صريح للإسلام وللأحزاب الاسلامية ومحاربة المقاومة الاسلامية التي لا يرضى عنها الصليبيون سياسيا والانبطاح أمام الاحتلال الصهيوني للأرض العربية ومقدساتها الاسلامية.
2-تخريب وتشويه اللغة العربية الفصحى:
يعلم الاحتلال ان اللغة العربيه الفصحى ركن من اركان الهوية والاصالة للعرب, وتحطيمها هو اضعاف واذلال لهم كما يعلم أيضا ان القران والشريعة الاسلامية والشعر العربي العمودي مصادر قوة هذه اللغة, ولذلك كانت سياساته تتركز على تجفيف هذه المصادر وابعادها عن حياة الناس, فجعل اللغة الانجليزية مسيطره على مجالات الحكم والادارة والقضاء والاقتصاد بما تحمله من ثقافات اوربية مختلفة تخلخل كيان الهوية الوطنية في التعليم والثقافة والتاريخ. فنشأت اجيال لا تهتم او تعرف اللغة العربية الفصحى أو التاريخ الاسلامي أو الشريعة الاسلامية او ديوان الشعر العربي, فشاعت العامية مع تطور التعليم ووسائل الاعلام المختلفة وانتشر تعليم اللغة الانجليزية على حساب اللغة العربية حتى في مدارس الاطفال وروضاتهم الامر الذي لم تفعله كثير من الدول المتقدمه المعتزة بلغتها وهويتها.
فاللغة العربية هي شخصيتنا وهويتنا وعقلنا وفيها ديننا وتراثنا وتاريخنا وحضارتنا وكل تفريط فيها هو مسخ وضعف وانحلال وانهيار لنا كأفراد ومجتمع ودولة وامه.
3-تعزيز التجزئة والفرقة واضعاف الوحده والاخاء:
كلما تمسك العرب بهويتهم الوطنية القائمة على الاسلام والعروبة فانهم يتمسكون بالوحدة والالفة والتقارب ويشعرون بالعزة والكرامه والاصالة وكلما افتقدوا الهوية الوطنية بسبب الانعزالية القبلية والمناطقية فانها تضعف لديهم ويصبحون فريسه لأعداء الامة العربية فتجدهم يميلون للتبعية الخارجية والوصاية الاجنبية, وحينما أدرك الاحتلال نقاط الضعف هذه فان سياساته بعد أن تغلغل في اليمن الجنوبي بعقد معاهدات حماية ووصاية مع كل كيان وقبيلة على حده لتقوية الانعزالية, تركزت على اثارة النعرات وتقويتها بأساليب عديدة فكون مجتمعا مخلخلا في اليمن الجنوبي لم يستطع التماسك وتحمل تبعات الاستقلال فاندفعت النخبة الحاكمه كالفراخ المذعورة تحت جناح الوصاية والتبعية للاستعمار الاوربي العلماني القادم من اوربا الشرقية وحتى بعد سقوط وصاية المنظومة الاشتراكية هرعت الى الوحده كتابع تحت وصاية حكم عسكري طبق عليهم نفس اساليب الاحتلال البريطاني في الفتن والفرقة. فلما سقط الحكم العسكري وقعوا برضاهم شمالا وجنوبا تحت الوصاية والتبعية الاقليمية والدولية بعد أن تعودوا عليهم, ومازال الانعزاليون اليمنيون حتى الان يتدافعون بحثا عن التبعيه والوصاية تحت مختلف السياسات العلمانيه للمشاريع الصغيرة التي ورثوها من الاستعمار البريطاني.
4-تخريب الاخلاق الاسلامية:
تقوم الاخلاق الاسلامية التي هي اساس مكونات الشريعة الاسلامية في السياسة الشرعية والمعاملات الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية على الاخلاق الجماعية الحاضه على الوحدة والاخاء والتراحم والتعاون والاحسان وغيرها من الاخلاق الحميدة وتنبذ الاخلاق الذميمة النابعه من الاهواء والرغبات والنزغات الفردية. ان تعزيز الكيانات الصغيرة والفرديات في المجتمع تؤدي دائما الى رذائل الاخلاق في المجتمع, ولذلك فان سياسيات الاحتلال البريطاني قامت على الفتنه والفرقة واثارة النعرات الاجتماعية على كل المستويات بطرق ظاهره ومستترة غارسا الخوف والشك والحسد والبغضاء بين كل الاطراف فأشعل لهيب التفرد والانانية والانعزالية بحيث شاعت بين الناس الاخلاق الذميمة التي يرفضها الاسلام المنطلقه من الاهواء الذاتية والرغبات الانعزالية التي تجعل الناس يميلون الى الانتهازية والوصولية فالغاية تبرر الوسيلة عند من لا اخلاق له. ولما شاعت الثقافة العلمانية للاشتراكية المادية في السنين السابقة للاستقلال تسممت أخلاق النخبة السياسية بالحقد والكراهية والحسد والفرقة. ان الاخلاق التي يتمتع بها الاوربيون في معاملاتهم اليومية نابعه من احترامهم للقانون الذي يحفظ حقوقهم ويحمي مصالحهم في ظل دولة القانون والنظام. وكل من لايحترم القانون والنظام فان اخلاقه تتساقط بقدر مخالفته للنظام والقانون التي يعاقب عليها. اما الاخلاق الاسلامية فانها نابعة من الشريعة الاسلامية التي شرعها الله لنا لتنظيم حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية واكتسبناها على مدى قرون منذ جاء بها وطبقها الرسول الكريم وخلفاؤه الراشدين. ومن لايحترم الشريعة الاسلامية بالمعاصي والمنكرات فان أخلاقه تتساقط بمقدار معاصيه ومنكراته. فالاسلام كان سباقا الى تحديد العلاقه العضوية بين الاخلاق والقانون في تنظيم المجتمع الانساني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وقد عمل الاحتلال البريطاني على مدى مائة وثلاثين عاما على ازاحة الشريعة الاسلامية من حياتنا واحلال قوانينه ونظمه الغربية العلمانية (بفتح العين) اي الدنيوية فتساقطت اخلاقنا الاسلامية بالتدريج. وفي نفس الوقت لم نستطع التخلق بأخلاقه واحترام قوانينه فأصبحت أخلاقنا في مهب الاهواء والرغبات والانانيات والنزعات الشيطانية بعد أن ضعفت هويتنا العربية الاسلامية القائمة على الشريعة الاسلامية ولغته وتاريخه.
16/03/2021


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.