وصلت الأزمة السياسية العاصفة في مصر العروبة، إلى طريق مسدود بالفعل، واصطدمت كل الامال الديمقراطية المصرية بالعقلية الانقلابية للعسكر كما هي عادتهم في كل دول المنطقة ، ولم يتركوا خيارا للديمقراطية وأصولها المدنية، إلا اعادة المخلوع مبارك للسلطة من جديد والاعتذار له على طريق أنصار حركته البهلوانية (آسفين ياريس) أملا منهم في مقدرتهم على اخراج مصر العزيزة من أسوء أزمة سياسية عرفتها، بفعل اصدام أحلام شعبها وارداته الديمقراطية بجدران التمترس والاستقواء بالشارع من قبل معارضة (انقلابية) ترفض اي حوار مع الرئيس الشرعي المنتحب وجيش انقلابي يخطط ويلعب بحنكة "اقتناص الفرص" للوصول الى العرش بطريقة انقلابية مقنعه ، وحزب ديني متشبث بشرعية حاكم يصفونه بالخليفة الرباني المستخلف فيهم بوعد من الله، وبالتالي فهم لايخفون اليوم استعدادهم الديني للجهاد من اجل استعادة شرعيته الشعبية المنشودة كحلم مازال يراودهم، متجاهلين أي شرعية شعبية وثورية جديدة من تلك التي خرجت أخيراً للمطالبة برحيلهم وحاكمهم بأمر الله مرسي، بعد اتهامهم شعبيا وسياسيا بسوء إدارة البلد خلال فترة العام الماضي من حكمهم الديني الاخواني، الأول من نوعه في التاريخ الحديث، رغم قصر الفترة التجريبية له، باعتبارهم لم يفيقوا بعد، من سكرة حلم وصولهم اليه وبلغوهم اياه كأكبر آمالهم السياسية المستحيلة التي لم يكونوا يوما حتى يحلمون بالوصول الى الشراكة فيه، مع الحاكم الذي طالما ظل عشرات السنين يحاربهم بالقمع والسجون والمطاردات، وبالتالي فهم لم يلبثوا طويلا في مواجهة تلك الحشود المليونية الغير مسبوقة المنددة بحكمهم، بحشود مليونية اخرى دعما لحاكمهم الرباني، وفق اعتقادهم، بعد ان واجههم عسكر متلهفين للحظة الانقضاض التاريخية على عرش احلامهم السلطوية العسكرية القديمة المتجددة باعتبارهم الأقرب وفق تقديراتهم الى تكرار سيناريو اغتصابه بالقوة كما جرت العادة على ما يبدو لأحلامهم العسكرية الانقلابية في أكثر من بلد انتصر فيه التيار الاسلامي ديمقراطياً، في ظل لهفتهم العسكرية الكبيرة للعودة بشعبهم الذي يمكن وصفه يمنياً "بالعرطة" إلى عصر حكمهم الذهبي الموسوم بالسحل والقمع والاعتقالات والمداهمات الليلية للمنازل،جزاءا وإكراما له على اهواءه المزدوجة وقناعاته المتقلبة بين ليلة وضحاها باعتباره لايستحق واقع الحرية التي يعيشها اليوم بهذه الصورة الديمقراطية المدمرة لمكتسبات عشرات السنين من الهدوء والأمن والاستقرار الناجم عن انظمة الحكم العسكري القمعي البوليسي لحكام البلاد السابقون.. وبالتالي فلا يمكن لأحد في هذه الأطراف الرئيسية المذكورة ان يوجد حل للبلاد أو حمايتها من الدخول في أتون حرب شوارع وتناحر لاتبقي ولاتذر، إلا بالاعتراف بأحقية المخلوع حسني مبارك المغلوب على أمره في سجنه، بالعودة الى سدة الحكم ، باعتباره اليوم قد يكون الأكثر توافقا في الساحة المصرية ، وذلك بعد الاعتذار له وتشكيل حكومة شبابية جديدة ، برئاسة حركته الشبابية (أسفين ياريس) خاصة وان المعارضة ترفض الحوار وتصر على رحيل او تنحي مرسي فورا دون قيد او شرط وكأنه قدم الى العرش بقوة احتلال أجنبية والعسكر يهددون ويتوعدون الجميع بالانقضاض على السلطة ، بعد ان امهلوا مرسي وإخوانه يومين لتلبية مطالب الشعب المنقسم بين مؤيد ورافض لحكمة في حين لم تتأخر رئاسة الاخوان في الترحيب بالحوار مع المعارضة واستعدادها لتلبية مطالب الشعب المعارض وتشكيل حكومة وفاق او تكنوقراط وتعديل الدستور وغيرها من المطالب ، ثم مايلبث بعدها الأخوان ساعات ، إلا ويخرجوا استشهاديهم كما يسمون انفسهم الى الساحات المؤيدة لهم ، للتأكيد والتخويف باستعدادهم للموت او الاستشهاد في سبيل حماية الشرعية الاخوانية الدينية لمرسي على أمل تواصل مقدرتهم المتواضعة على الامساك بما تبقى لديهم من خيوط لعبة الحكم المنتهية عليهم لامحالة .
ولعل عودة مبارك من شأنه - تدارك ما يمكن تداركه من مستقبل مصر، ومن منطلق استشعار الجميع بمسؤوليتهم ازاء المرحلة العصيبة وتحدياتها التي لايمكنها ان تترك رابحا او خاسرا في مصر كون الجميع في الداخل والخارج والمنطقة برمتها سيخسرون لامحالة دولة عظمى بحكم مصر العروبة والتاريخ ، لان الجميع يتجه نحو التمترس بأنصاره وحشوده لتأكيد البقاء ، بينما مصر ومستقبلها واستقرارها واقتصادها وشعبها العريق هي الخاسرة والمتجهة نجو المصير التدميري المجهول ، الذي لايقبل به أي شخص يحمل أدنى شعور وطني تجاه بلاده وعزتها في ظل واقعها العصيب القائم بسبب الصراع السياسي على كرسي الحكم بتلك الصورة التي أعطت لكل الزعماء المخلوعين بفعل ثورات الربيع العربي مشروعية لأنظمتهم القمعية وتأكيدا واقعيا على أن شعوبهم لاتستحق سوى القمع وليس الحرية لتحكم ، ولاتقبل إلا بالسياط والسجون وليس الشورى والديمقراطية واحترام الاغلبية وأثبتت للعالم أجمع ان الشعوب العربية فاشلة ديمقراطيا ولا تستحق حكاما يتم اختيارهم من بين أوساطهم وإنما حكاما ديكتاتوريين جلادين لايأخذون فيهم إلاً ولارحمة، كما كان المثار عليهم ، متناسين قول المولى عز وجل ..(ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).