سأعلق جنوبيتي مؤقتا ،إلى أن يتفق الإخوة الرفاق فيما هم فيه مختلفو ن ويغادرون مربع العبث إلى ساحات الفعل السياسي الرزين والمنضبط الذي يجسد فعلا آمال الأمة ويحترم نضالاتها ويقدس تضحياتها. فما يحدث اليوم من شقاق واختلاف وخلاف حول قضايا لا ينبغي الاختلاف حولها أمر محزن ومخز ومعيب .. ومثل هذه الخلافات غير المبررة والتي تمثل استنساخا لتجارب مماثلة شهدها الجنوب عبر مراحله المختلفة ، إنما هي تصرفات هوجاء ومعيبة ولا تشرف أحدا ان يكون في معمعتها مهما تكن المبررات. فما يحدث اليوم من اختلاق للصراع واستحرار للنزاع وان كان سلميا فيه من الإساءة للجنوب الكثير وهو رسم لملامح الماضي الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه ، والطامة والكارثة ان نعيد إنتاج ذلك السلوك بكل مساوئه، لأنه أولا وأخيرا لن يوصل هذه الجماهير إلا إلى مزيد من الشقاق، والافتراق، وتعزيز فرص الاختراق للاعبين كثر سيعزفون على نغمة الخلاف المقيتة التي حلموا بها وعملوا لأجل الوصول إليها كثيرا ويبدو أنهم شارفوا على النجاح. لا أفهم كيف يفكر البعض الذين يرهنون وطنا جريحا لأمزجتهم وأهوائهم، يتفقون متى يريدون ويختلفون متى يريدون، متناسين ان هنالك شعب يئن ويحتاج إلى من يأخذ بيده لينجو، لا من يدفعه بقوة إلى بئر سحيق مظلم ، ان هو سقط فيه فلن يجد له بعد ذلك منقذا.
ليس من النضال ولا الوطنية ان يستمر العبث بمشاعر الناس وتشتيت جهودهم، والاستهتار بتضحياتهم إرضاء لنزوات ورغبات ذاتية، سيكون الجنوب آخر المستفيدين منها بل هو أول المتضررين منها، وليس من الحكمة ولا العقل ،ولا الدهاء السياسي ان يتعامل سياسيون بلغوا من العمر عتيا قضوا معظمه في ميادين السياسة والقيادة مع قضايا غاية في الحساسية ، بسلوك مراهق وكأنهم لما يزالوا بعد في طور تعلم أبجديات السياسة.
عطفا على ما سبق واستنادا إلى شواهد وقرائن عديدة أتوجه بالنصح إلى شيوخ السياسة الجنوبية بأن يعرضوا أنفسهم على أطباء نفسانيين مختصين بالعمل السياسي ليتأكدوا من مدى صلاحيتهم لإدارة هذه المرحلة ،وتقدم نضالات هذا الشعب الجبار الصابر المرابط ، فأن اخبروهم بأنهم مازال فيهم مقدرة على قيادة هذه الأمة وتوجيه نضالها والبقاء في طليعتها ،فهذه الساحات بانتظارهم والجماهير على أهبة الاستعداد للسير ورائهم، وان هم أخبروهم أنهم قد هرموا وشاخوا وان وجودهم بات عقبة كأداء ومصدر إعاقة للمسيرة الثورية الجنوبية فلا ينبغي عليهم ان يكابروا وان يسارعوا للاعتذار والاعتزال ففي الميدان من الشباب من هو أكفأ واقدر على تصدر المسيرة بوعي وعقل نظيفين وباستعداد للموت في سبيل الأهداف المنشودة.