عام مضى وعام أقبل والمشهد في نفس اليوم الذي أصبح فيه البوعزيزي “الضحية والرّمز” لا يبشّر بخير في دول “الربيع العربي”. وحدها تونس أحيت ذكرى شهيدها وهي قد انتخبت مجلسا تأسيسيا، لصياغة دستور جديد للبلاد، ورئيسا للجمهورية، يشبه في ملامحه وخطابه عامة الشعب، ورئيسا للحكومة، أفرزته صناديق الاقتراع. هذا وقد اكتظ وسط مدينة سيدي بوزيد بعشرات الالاف من الشبان والنساء المحتفلين بالذكرى السنوية الاولى لاندلاع ثورة تونس. وقد جاء في تقرير لوكالة رويترز أن مظاهر الفرحة والاحتفال كانت طاغية في سيدي بوزيد حيث رفعت الاعلام وزينت الساحات وغصت الساحات بألاف الشبان والنساء والرجال وحلت الفرحة محل الغضب والاحتقان ولو لوقت قصير.
أول مهرجان للثورة افتتح بازاحة الستار عن مجسم كبير ارتفاعه عشرة امتار للشاب البوعزيزي الذي اصبح ينظر اليه على انه بطل قومي. وبعد ذلك كشف الستار على مجسم ثان يجسد عربة للخضر وكراسي في اشارة الى ان عربة بائع الخضر اطاحت ببعض الحكام من كراسيهم التي جلسوا عليها لعقود.
وقالت منوبية، والدة محمد البوعزيزي، وسط تدافع الحاضرين الذين تجمعوا على طول شارع محمد البوعزيزي الرئيس في قلب المدينة وقد بدا عليها التأثر: “هذه مناسبة لشكر كل شهداء تونس وجرحاها الذين قدموا صدورهم عارية أمام الأمن من اجل حياة كريمة”. وأضافت: “كل تونسي من شمال البلاد الى جنوبها هو محمد البوعزيزي”. وقال شاب اسمه عماد وهو يرقص على ايقاع اغان شعبية “انه يوم الفرح.. سيدي بوزيد عانت طويلا من اللامبالاة والنسيان.. واليوم سيدي بوزيد عاصمة العالم ومحط انظاره.. هذا مصدر فخر لنا.. اليوم العالم كله عدل ساعته على سيدي بوزيد”.
ومنذ فجر السبت تجمع عدد غفير من التونسيين القادمين من مختلف المدن التونسية لمشاركة أهالي سيدي بوزيد، المدينة التي همشت طويلا وتضم 100 الف نسمة، احتفالاتهم بذكرى إقدام الشاب البوعزيزي البائع المتجول في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 على حرق جسده أمام مقر الولاية، احتجاجاً على إهانته ومنعه من إيصال شكواه الى المسؤولين في المنطقة إثر مصادرة بضاعته التي كان يبيعها على عربته بحجة عدم امتلاك التراخيص اللازمة. وتوفي البوعزيزي في 4 يناير/كانون الثاني الماضي متأثراً بجروحه.
رئيس الجمهورية الجديد منصف المرزوقي الذي حضر الاحتفال ضمن عدد كبير من المسؤولين والشخصيات البارزة من تونس وخارجها اشاد بشجاعة اهل المنطقة الذين تحدوا قمع شرطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي قتل عددا كبيرا من شبان المنطقة.
وقال المرزوقي في كلمة امام الجماهير المحتشدة “هذه هي المناطق التي عانت من التهميش وأعادت الكرامة لكل التونسيين”. وأضاف: “هذا شكر معنوي، لكن ايضاً علينا إعادة الاعتبار لهذه المنطقة المهمشة، ودرونا كمؤسسات اعادة ايضاً فرحة الحياة التي سرقها منكم الطاغية”، في اشارة الى فترة حكم بن علي.
وتابع: “نريد أن تلتحقوا بركب المناطق الأخرى والنهوض بالبنية التحتية، سنحقق ذلك بإذن الله، ومن هنا الى سنة سنتقابل من أجل تقييم وعودنا وأعمالنا”. وحال إتمام المرزوقي كلمته تعالت الشعارات منادية “بحق التشغيل والحرية والكرامة الوطنية”.
واندلعت عدة احتجاجات في عدد من المناطق في الاسابيع الاخيرة للمطالبة بتحسين الاوضاع الاجتماعية في قطاعات مختلفة للخروج من حالة الركود الاقتصادي بعد ان بلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس اكثر من 800 الف عاطل وتراجع النمو الاقتصادي الى حوالي صفر في المائة هذا العام.
وقالت فتاة حاصلة على شهادة جامعية اسمها نبيلة عبيدي لمراسل رويترز: “جميل ان يتم تكريم سيدي بوزيد باحتفالات ضخمة مثل هذه لكن نحتاج ان نعمل.. العمل وحده يعيد لنا الكرامة.. الجائع يحتاج للخبز وليس لالة موسيقية يسلي بها نفسه.” وقال شاب اخر: “نحن نتتظر ان تتحق الوعود.. انتظرنا كثيرا وسننتظر اشهر لكن اذا لم يتغير الحال فسيدي بوزيد ستثور ثانية.” وعينت تونس الاسبوع الماضي المرزوقي رئيسا جديدا للبلاد في علامة جديدة للمضي نحو الديمقراطية لكن في ظروف اقتصادية واجتماعية دقيقة. وكلف المرزوقي الامين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة ينتظر الاعلان عنها عما قريب. وسيتولى حكام تونس الجدد قيادة البلاد بينما سيعنى المجلس التأسيسي الذي يرأسه معارض آخر لبن علي هو مصطفى بن جعفر بصياغة دستور جديد خلال فترة عام.
بعيدا عن احتفالات تونس، وفي بقية الدول التي طالتها نيران البوعزيزي، نجد أن مصر عادت للمربّع الأول فعادت معه خيام ميدان التحرير وأن ليبيا انتقلت من عصر الجماهير الى عصر القبيلة، واليمن اختفى الرئيس جسدا وبقي ظلّه، وسوريا “الحبل على الجرّار” شعب يتظاهر ونظام يقتل.. لكل هؤلاء قصّة أخرى.. فوحدها تونس اليوم يحق لها أن تترحّم على ابنها محمد البوعزيزي وتتطلع بعد سنة أولى ثورة الى سنوات مديدة من الديمقراطية. من عزالدين سنيقرة