في المرحلة الانتقالية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يركز العديد من المحللين السياسيين على الدور الصاعد لتركيا بوصفها قوة مؤثرة جديدة في المنطقة. ويستند تحليلهم إلى النجاح الواضح للمزيج الذي تبناه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بجمعه بين العلمانية والإسلام، وكأنهم يشيرون إلى أن أردوغان يتقن نمطا فريدا من القيادة يمكنه أن يحتوي قوة الجيش وإدماج الجماعات الإسلامية التي كانت مهمشة في الماضي. يناقش تقرير تشاثام هاوس الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) – لفادي هاكورا، وضع تركيا وسط الأهواء المتغيرة في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشير إلى عدد من النقاط الواضحة فيما يتعلق بقدرة تركيا على الاستفادة دبلوماسيا من الاستقرار النسبي الذي تحظى به البلاد، في ساحة تعاني من الاضطرابات. بعد تقديم خلفية حديثة عن النشاط الدبلوماسي التركي لا سيما ما قام به أردوغان يتطرق هاكورا صراحة إلى طموح البلاد في أن تكون اللاعب الرئيسي في المنطقة.
وأمام ما حققته من تقدم في الاقتصاد والعلاقات التجارية التي أقامتها مع جيرانها على مدار العقد الماضي، أصبح هذا الطموح معقولا، ولكن في ظل المناخ الحالي، تجد تركيا ذاتها مجبرة على تبني موقف دبلوماسي يميل إلى تأييد الولاياتالمتحدة، ما يجعل إقامة علاقات مع إيران على وجه التحديد أمرا يحقق التوازن. ولكن قضية سورية أثارت مشكلات كبيرة، حيث يبدو أن الأزمة التي حلت بدمشق تسببت في تجميد العلاقات القوية التي كانت قائمة في الأعوام الأخيرة. دبلوماسية هجومية تتسم السياسة الخارجية التركية الحالية بأنها دبلوماسية هجومية حازمة، ولكن يعتقد هاكورا أنها مضللَة؛ صحيح أن أردوغان اكتسب كثيرا من الأصدقاء في العالم العربي بتصعيد حدة حديثه عن إسرائيل، لا سيما في أعقاب حادث السفينة “إم في مافي مرمرة” وما يتعلق بحصار غزة عموما. ولكن الباحث يشير إلى أنه حتى الآن لا يوجد عائد كبير من التنازلات الإسرائيلية وتحول الحماس الشعبي بين الفلسطينيين سريعا إلى شعور بخيبة الأمل. فادي هاكورا جدير بالذكر أنه في سياق الخلاف الذي يضع الكاريزما التي يتمتع بها أردوغان في محور الشرق الأوسط الجديد تحت اسم الإسلام السياسي المعتدل، لا يوجد دليل على أن جماعات مثل الإخوان المسلمين في مصر ستشعر بالتهديد من شعبية أردوغان. ويوضح هاكورا أن استطلاع رأي أجري في سبتمبر (أيلول) 2011 أظهر أن 41 في المائة من المصريين يعدون المملكة العربية السعودية أفضل نموذج إقليمي يمكن احتذاؤه، بينما حصلت تركيا على أقل من 10 في المائة. ولكن مصدر الانتقاد الحقيقي في التقرير هو أنه يبالغ في الحكم على النموذج التركي الناجح صوريا كإطار طبيعي لمنطقة تشهد تغيرات، ويركز هاكورا على ثلاثة عوامل داخلية تمنع تركيا من تحقيق مطامعها الإقليمية. أولا: استمرار القضية الكردية في إحداث الوقيعة داخل المجتمع التركي بل وعلى صعيد الدستور أيضا وجدير بالذكر أن عشرات الآلاف من البشر فقدوا حياتهم في هذه القضية.
الأمر الثاني هو أن فكرة فصل الدين عن الدولة ما زالت بعيدة للغاية عن ضمان حقوق الأقليات الدينية والعرقية المختلفة في تركيا، على الرغم من الخرافة الشهيرة بأنها دولة علمانية بالمفهوم العام. وأخيرا، يبدو واضحا أن الديمقراطية الهشة عملية لم تكتمل بعد، فهي عاجزة عن ضمان الحريات السياسية وحقوق التعبير على سبيل المثال. ويقول هاكورا إن انتشار مشاكل مشابهة – بدرجة ما – في جميع أنحاء الشرق الأوسط يعني أن عدم قدرة تركيا على حلها في الداخل يجعل من أنقرة نموذجا سيئا يجب ألا يحتذى. ويأتي الرد على ذلك بأنه لا يوجد نظام على وجه الأرض لا يجد تحديات متمثلة في المشكلات التي يواجهها الشرق الأوسط، ولكن بعض العقبات التي نجحت تركيا في تجاوزها ستجعل العديد في المنطقة يلاحظون ذلك ليس أقلهم حزب النهضة في تونس الذي أعرب عن إعجابه بالنموذج التركي.
ومع ذلك يحدد التقرير مجموعة من المجالات التي سيكون من الحكمة أن تركز تركيا جهودها فيها، من أجل الحصول على أفضل نتيجة من وضعها غير المرجح بأن تكون حليفا للولايات المتحدة واللاعب الأوفر حظا في المنطقة. أهم تلك المجالات هو التحرير المحلي مع العودة إلى سياسة خارجية تصالحية، وإقامة شراكة دولية وتأسيس قاعدة صلبة من المصداقية. ومن الصعب الاختلاف مع مثل تلك التوصيات. من مايكل وايتنغ صحافي بريطاني وواحد من فريق التحرير في القسم الإنجليزي من (المجلة)، ويساهم بكتاباته فيها. ترحل وسافر كثيرا إلى الشرق الأوسط، وله إلمام بأوضاع المنطقة. وهو مهتم بالمجتمع والثقافة العربيين.