لقد نجحت مراكز القوى والنفوذ في صنعاء، وبجدارة، في تفكيك الحراك الجنوبي، هذا النجاح أفرز مكونات عدة وقيادات شتى، ورموز مختلفة كل يدعي أحقيته بالخطاب الثوري باسم شعب الجنوب، وتعددت المؤتمرات التي يزعم أصحابها أنهم يسعون من خلالها إلى استعادة الحقوق والأرض والدولة. عادة في زحمة العمل والنضال الثوري، تبرز عدة مظاهر سلبية، إذا تفشت في جسد الأفراد والمجموعات، تصبح بوابة مشرعة إلى النزاع والانقسام والاختلاف وبالتالي الفشل والتحطيم والتدمير، من بين هذه المظاهر حب الزعامة والترؤس والسعي للذات في لبوس المناضل الغيور على القضية..وهنا تأتي حتمية التخلص من هذه المظاهر، بالتجرد للقضية وأهدافها، والالتحام الثوري بينهم، والتعاضد والتناصر والتقارب ومن ثم التنازل والتصافي والتسامح، لئلا يكون بأسهم بينهم شديد، فلا عدوانية في السلوك، ولا شطط في ردود الأفعال، ولا تفرد وأحادية في اتخاذ الرأي الذي يهم شعب الجنوب كله بدون استثناء، ولا تخوين لإخوانهم الجنوبيين المختلفين معهم في الرؤى والأطروحات، مما يحطم كل ما بُني في سنوات خلت، وتضيع بسببها كل التضحيات التي بُذلت في سبيل تحقيق الهدف المنشود هباءً منثورا.
يستلزم الأمر، وبسرعة اضطرارية إلى مبادرة للتقريب والتسديد والتسريع لإظهار وحدة الجسد الجنوبي، وإن تنوعت أعضاؤه لكنها تسعى جميعاً، كل بوظيفته، لتعود الحياة الحقيقية للجسد الجنوبي المنهك والممزق والمثكل بالجراح والآلام، تأتي مبادرة للتواصل والاتصال بين الناس، والنداء بحزم ودون توقف أو كلل أو ملل لجمع الجنوبيين ورص صفوفهم والاتفاق على الخطوط الأساسية التي من خلالها يتم الوصول للأهداف المرجوّة.
إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب، ومن المنطق السعي لتحقيقه، وانتشاره بين المناضلين؛ فالسابقون لهم مكانتهم، والذين ضحوا وبذلوا واجتهدوا لهم ريادتهم، وكل من قدم بإخلاص وتجرد لإصلاح الوضع الجنوبي وساهم ولو بالقليل، يستأهل التكريم والاحترام والتقدير، ثمة تواضع تحتاجه كل مكونات القضية الجنوبية، ليسود التفاهم بينهم، بدلاً من التراشق بالسباب والتسفيه والتخوين وكيل الاتهامات ونشر للعداوات بين القيادات والمجموعات.
"انتصار قضية ما، هو انتصار لأصحابها، ولكن ليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها، وأول ما يطلبه منهم الإيمان بها؛ أن يفنوا فيها، ويختفوا هم ويبرزوها"! فهل تتنازل القيادات الكبيرة للشباب المتوثب للعمل، الذين لا غبار على سيرتهم وسلوكهم ومنطقهم وحسن عرضهم؟ أولئك الشباب المتعلم الواعي بمقتضيات المرحلة ومعطياتها المحفزة، ليسعى الجميع سعياً حقيقياً متجرداً لاستعادة الأرض وإنجاح القضية العادلة؟.
الأسماء القيادية مسؤوليتها أكبر وأعظم في الدفع بعملية التقارب، والتصالح على مفهوم يحقق للجنوبيين وحدتهم ويثبت خطواتهم النضالية، ويوحد أهدافهم ويقوي عزائمهم لتحقيق ما يصبو إليه الجنوبيون الأحرار. القيادة التورية التي تنشد التحرر من ربقة الاستبداد تسعى للصالح العام وليس الشخصي الضيّق، الذي يُحدث شرخاً كبيراً في نفوس الأتباع يجعلهم يترددون في الاستمرار في طريق يرون قيادته مجموعة من الأشخاص الذين يقودهم حظ النفس، فليست القيادة الثورية استكباراً وطغياناً على إخوانهم رفقاء الدرب في ميادين الثورة والنضال، بل هم معهم وفيهم ومنهم وبينهم تذوب شخصياتهم بين الرفاق، وكلٌ ينفق مما عنده؛ سعياً وبذلاً وعطاءً وانجازا.
إذا سرى الفشل أيضاً في تحقيق ما ذكر آنفاً، فحتمية رحيل تلك القيادات المعتقة، وتقديم استقالتها للشباب الواعي المثقف المدرك لحساسية المرحلة ولتكن تلك القيادات لهم بمثابة مستشارين لا آمرين، ومجموعة خبراء يقدمون عونهم وخبرتهم بعيداً عن الوصاية والتسلط والإلغاء التي بسببها فشلوا في تحقيق ما يصبوا إليه الجنوبيون، وضيّعت عليهم سنوات من النضال وربما إذا استمر هذا الوضع من التمزق والتشرذم قد لا يصل الجنوب إلى شيء فسيكون حاله حال بني إسرائيل عاشوا مرحلة من التيه أربعين سنة بسبب عدم اجتماعهم وتفرقهم وعدم مبادرتهم للولوج في ميدان التجرد والإخلاص لقضيتهم. *adenalghad