كنت استغرب من فترة ليست بالبعيدة من عتب بعض الاعلاميين والرموز العرب واستغرابهم من الجنوبيون المطالبين باستعادة الدولة بل ان بعضهم يتفاجئ بمثل هذه المطالبات وكأنه لم تكن هناك دولة سابقا في الجنوب قبل حرب 94 وان اتينا بالذكر على بلدان مثل لمانيا والتشيك وكوريا يخطر في البال انهما دولتان وان بعضها متوحد وبعضها منفصل منها الغربيه والشرقيه ومنها الشمالية والجنوبيه ومنها التشيك والسلوفاك بغض النظر عن الاخيره.
ولكن تاتي لذكر اليمن فيبدا التسائل لا من ومتى وكيف كانت في اليمن دولتان ؟! وإن دل هذا يدل على انه يوجد لدينا اعلام عربي مضلل ليس لديه الحلول الوسط فهو اما ان يغيّب الحقائق خلف الذاكره او انه يسلط الضوء عليها بمحسوبيه, لاوساط دون اوساط وبمنافع مشتركه بينه وبين الآخر والعيب ان الدماغ العربي سريع الذوبان في هذا الغسيل الاعلامي ولو كان دماغا مركزّا الا انه يستقبل كل مايبث .
على سبيل المثال منذ فترة قريبه قرأت تفاجئ القرضاوي وكيف ان ابناء الجنوب يطالبون بالانفصال وكان الشيخ يقول محتدا برايه:
(هذا امر مرفوض نحن ضد الانفصال من متى كانت اليمن بلدين مافيش يمن جنوبي وشمالي اليمن واحد والا لما سميت اليمن وهذه القضية اعداء الاسلام هم الذي زرعوها وهم ينادون بالتفرقه وشعارهم فرق تسد)
طيب بنقول القرضاوي شيخ دين ونواياه ربما طيبه ويحث على وحدة الشعب ..ومن هذا القبيل حاله حال الزنداني عندنا ..!!
ومن ثم بعدها بوقت ليس بالبعيد قرأت للصحفي ومدير تحرير جريدة القدس عبدالباري عطوان استغرابه من بعض الجنوبيون المطالبين باستعادة الدوله وكان يقول: ( لا ادري كيف يراسلني احبة من اليمن يريدونني أؤيد مطالبهم بانفصال مايسمونه دولة الجنوب لا ادري كيف يردونني ان ادعم مطالبهم بانفصال اليمن? عروبتي وقوميتي تمنعني ان اكون شاهد زور ..!)
لنقل ان الرجل قومي ومن بقايا القومية العربية المندثره ولكن تفاجئنا به في يوم مليونية 14 اكتوبر وهو يغرد على صفحته على الفيس بوك ويقول: (عشرات الآلاف في عدن يرفعون علم دولة الجنوب و يبدو ان الطلاق بات وشيكا) يبدو ذلك ..
عموما ليس القرضاوي وعطوان شواهد ولكن اردت ان اقول ان كان النخبه والرموز من الدين والاعلام بغض النظر عن توجهاتهم يتكلمون هكذا فما هو الحال للعاميه وما يدل ذلك الا على ان النظام في صنعاء على مدى عشرون عاما ونيف استطاع هضم دولة الجنوب من الخارطه السياسيه والذهنيه في ذهن المتلقي والمشاهد العربي بغسيل دماغ محترم.
وبما انها لاتهضم المظالم والقضايا وان هضمت لابد وان تظهر على السطح فلابد وان تشب حركه بشكل او بآخر وتاخذ حيزها من الوجود في النمو والتوسع والمطالبة بحقها فكيف اذا كان الحيز من الدولة الاخرى موجود وموثق ومرسوم بحدود..فلم يأتي الحراك الجنوبي من فراغ فقد سار على الدرب المطالب بحدوده الدولية قبل 90 وشق طريقه كبذرة القي بها في باطن الارض واخذت جذورها بالتوسع والنمو والتمدد وازاحت الاتربه والتراكمات السياسيه والاعلاميه وبدت حدودها تبرز للذهن السياسي والعالمي اليوم, بعد ان سقاها ابنائها بدمائهم وشقوا دربها من نضالهم لاشك بأنهم سيجنون ثمارها قريبا.
فبالامس كان شبه محرّم امميا وعربيا ويمنيا ان تقول انك جنوبي وتطالب بدوله اما اليوم فقد اصبح للقضية صدى وصوت ولسان وخطى تسير على درب التحرير ولا ينقصها الا قيادة موحده على قلب رجل واحد والسؤال الذي يطرح نفسه اما آن لهذه القيادات الجنوبيه ان تتوحد او تتهاوى في ظل التسامح والتصالح؟