من الوهلة الأولى وعند قراءة عنوان المقال أجزم بان البعض سوف يتفق معي إلى حداً كبير في فحوى ومضمون هذا العنوان الذي ما إن قلبت المشهد السياسي الجنوبي في مخيلتي ليتضح لي بأن هذه هي الحقيقة التي تاهت عنا والتي قررت الكتابة عنها حرصاً من إن نتدارك الوضع ونضع اليوم حداً لهذه الخلافات التي تسببت في أعاقة العمل الثوري وأصبح شكلته هزيلً ضعيفً ويرثى له ويندى له الجبين بل إن بعض صحفيي الدول المجاورة أسهبت أقلامهم في الوصف والتشخيص حول التطورات الأخيرة التي ظهرت وطفت على السطح " وبالتأكيد نعرف كلنا من المسبب الرئيسي لها وما هي الدوافع التي جعلت من كهولنا الوصول إلى مرحلة التناطح والمبارزة السياسية التي قد تعصف بنا جميعا ونحن لا ندري بحجم النزيف الذي يسري ولا يتوقف بسبب كهولً لا حول لها ولا قوة سوى حب ذاتها .
منذ بداية ثورتنا أطلقنا الألقاب وشيدنا في رؤوس شخصيات أصحابها حلمً لم نكن نتوقع إن تصل الجراءة بأحلامهم إلى المراحل التي نتحسسها ونستشعرها اليوم في قراراتهم وطريقة تعاطيهم للإحداث وفلسفة أبنائهم ومن بجوارهم ومستشاروهم ووكلائهم وحاشيتهم . تشعرك بأنهم لم يلتحقوا بالثورة من أجل حرية وطن وإنما لغاية شخصية من مناصب وأموال وجاهات . وكأنهم يمنْون علينا اليوم بما قدموه وتناسوا بلحظة واحدة إن ما قدمه شهيداً واحداً هو خيراً من تاريخهم وكل مسيرتهم إن شهيداً سالت دمائه على تراب وطني خيراً من مسيرتك تلك التي تمْن بها على الوطن بأن سُجنت أو تشردت ونفيت خارج الوطن وشاخ عمرك في المنفى .
ياثوار الأرض الجنوبية الطاهرة لقد صنعتم بتمجيدكم أصناماً عتية لم يعد يهمها اليوم سوى نفسها فقط منحتها تسمياتكم والألقاب الزعامة والشرعية والقادة التحكم بكم وتسييركم ورائها وقد تناست دماء شهدائكم وتضحياتكم وآهات الأمهات والأرامل تناسوا اليوم حقيقة ثورتكم وحلمكم الجميل بالحرية والغد الأجمل لأجيالكم لم تعد الغاية التي ينددون بها سابقاً هي مطلبهم فقط بل اليوم تقاسم مناصب دولتكم القادمة سعيهم اليوم فقط لاكتساح الساحات وفرض الوجود عليها وإظهار شعبتهم للعالم والتنافس إمام الملأ وبشكل فاضح يجعل منهم صغاراً ومراهقون لاهثون خلف أحلام تشبعت في داخلهم من إسرافنا بالتمجيد والتصفيق الحار بهم والالتفاف حولهم .
حقيقة يجب إن يتنبه لها كل ثائر " أن من يعيق اليوم ثورتنا هم نفسهم من يرفضون التوافق ويدعون الاختلاف فإذا كان الاختلاف هو سبب استمرارية احتلالنا " وقتلنا كل يوم وضعف ثورتنا فمن هو العدو الحقيقي لنا سيكون .؟! يا من تختلفون اليوم أصدقوا مع الله ثم مع أنفسكم قبل إن تطلبوا من الشعب تصديقكم وأتباعكم اكبروا بحجم قضية وطن محتل ذاق أبنائه كل أنواع المهانة والذل ترفعوا بحجم ثائر تبكيه مرارة الهزيمة وإحساسه بها في كل ليلة .
مثقفونا للأسف عند هذه النقطة بالذات ينسحبون ويصموتون ويتوارون وكل مبادراتهم التي تصدر عنهم فقط كأنها تسكين جراح ومخدراً زمني سرعان ما ينتهي مفعولة وتعود الآم المرض في الازدياد ولماذا المجاملة وعلى حساب من تجاملون على حساب وطن محتل وثورة ألأحرار ودماء الشهداء وبكاء الأرامل من اجل ماذا أذاً .!! لم أرى يوماً واحداً مبادرة محنكة ومحكمة أو رسالة واضحة وصريحة وشديدة اللهجة إلى هذه القيادات المختلفة بأن استمراركم في غيكم وبغيكم السياسي سوف يدفعنا لهدم أصنامكم ومعبدكم ومن فيه وفصل عربة القطار والانطلاق دونكم مع إعطاء مدة زمنية كمهلة مشروعة لكل طرف تحتم عليهم إيجاد حلاً جذرياً فيها لمراهقتكم التي كلفتنا وستكلفنا في قادم الأيام الكثير .!! الله وحب الوطن من وراء القصد ..