كتب/ علي بكر رغم الضربات الأمنية التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين، والتي أدت إلى القبض على معظم قياداتها والعديد من كوادرها، وإصابة التنظيم بضعف شديد أثر على قدرته على عملية الحشد والتأييد، لا سيما مع تراجع دعم حلفائه من التيارات السلفية والجهادية، إلا أن المظاهرات المؤيدة للجماعة وللرئيس السابق محمد مرسى مازالت مستمرة وإن كانت بصورة ضعيفة وخافتة مقارنة بالماضي، حيث تقلصت أعداد المتظاهرين في العديد من المحافظات والمناطق إلي حد كبير، بحيث لم تعد تتجاوز المئات، ونادرا ما تكون بالآلاف مثلما كان يحدث قبل ذلك. والملاحظ في هذا السياق، أن نسبة العناصر المنتمية للإخوان وحلفائهم من التيارات الأخرى، وخاصة الجماعة الإسلامية، لا تتجاوز 30% من أعداد المتظاهرين، وهو ما يمكن تفسيره في أن الجماعة تحاول الحفاظ على كوادرها التنظيمية للفترة المقبلة، التي سوف تحتاج فيها إلى عملية إعادة بناء حقيقية لن تتم إلا عن طريقهم، والاعتماد على ما يسمى ب"الكتلة الإسلامية السائلة" التي تمثل حاليا ما يقرب من 70% من أعداد المتظاهرين، إذ لا ينتمي عناصر هذه الكتلة إلى أى تنظيم إسلامى معين، إلا أن قطاعا عريضا منهم لديه ميول سلفية ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويري أن الرئيس السابق مرسى هو من كان سيطبقها، وبالتالي فإن مناصرة مرسى والإخوان هى مناصرة للشريعة الإسلامية، في رؤية هذا القطاع. مكونات متعددة هذه الكتلة الإسلامية السائلة، التي أصبحت تلعب الآن دورا هاما من خلال مناصرة الإخوان المسلمين وحلفائهم، تتكون من أفراد يتبنون توجهات وثقافات مختلفة، ورغم أنهم يتفقون علي قاسم مشترك واحد هو الرغبة في تطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أنهم يخلطون بشكل واضح بين الشريعة والشرعية، وهو ما يعود إلي الفكرة التي رسختها جماعة الإخوان المسلمين في أذهانهم، والتي تتأسس علي أن من يناصر "شرعية" محمد مرسى فهو يناصر الشريعة، لأنه كان يريد تطبيقها، والعكس صحيح. وفي هذا السياق يمكن إجمال مكونات هذه الكتلة الإسلامية السائلة في العناصر التالية: 1- السلفيون المستقلون: يعتنق أفراد هذه الكتلة النهج السلفي، لكن دون الانضمام إلى أى مدرسة سلفية كما يحدث مع سائر العناصر السلفية الأخري، ولكنهم في الوقت نفسه يسيرون خلف شيوخ التيار السلفي بصفة عامة ولا سيما أصحاب الرأى المتشدد، ولذلك يتأثرون بالشعارات الحماسية والخطاب العنترية بشكل كبير، كما أن قطاعا عريضا من عناصر هذه الكتلة كان يناصر ويؤيد القيادي السلفي حازم أبو إسماعيل بقوة، وهم من كان يطلق عليهم اسم "حازمون"، ويتميز هؤلاء بأن ثقافتهم محدودة للغاية مقارنة بعناصر التيار السلفي التقليدي، كما أنهم يفتقدون الرؤية تجاه التعامل مع الأزمة المعقدة في مصر، فضلا عن أن سقف المطالب التي يطرحوها يختلف من فرد إلى آخر، ولكن بشكل عام هم يرون أن المشاركة في تظاهرات الإخوان تمثل نوعا من الجهاد في سبيل الله، وهو ما يفرض صعوبات عديدة في التعامل مع هذه الفئة. 2- المنشقون عن التيارات الإسلامية: وقد كان معظم أفراد هذه الكتلة من الأعضاء السابقين في التيارات الإسلامية قبل أن يتخلوا عن العمل التنظيمي ويتحولوا إلي النشاط المستقل، بل إن قسما كبيرا منهم كان ينتمي إلي التيارات الجهادية التي قامت بمراجعات فكرية تخلت بموجبها عن العنف، وكانوا قد اندمجوا في المجتمع بشكل طبيعي، ولكن بعد صعود الإسلاميين إلي السلطة عادوا مرة أخرى إلى الساحة الإسلامية، حيث ناصروا الرئيس السابق مرسى بقوة، قبل وبعد ثورة 30 يونيو، ويهدف هؤلاء من الخروج في تظاهرات الإخوان إلى إفشال ثورة 30 يونيو لأنها تمثل، وفقا لهم، عودة للنظام الأمني القديم. 3- أصحاب التدين الظاهرى: ثمة قطاعات عريضة من الذين يؤيدون الرئيس السابق مرسى والإخوان خاصة في مدن ومحافظات الصعيد، من غير المتدينين على الإطلاق، وهؤلاء يمثلون ما يقرب من 30% إلى 40% من مؤيدى مرسى في الصعيد، ورغم ذلك يدافعون عن الرئيس السابق والإخوان والإسلاميين بقوة، وهو ما يعود إلى ما يمكن أن يطلق عليه "تلبية وغزات الضمير الديني"، حيث أن هؤلاء يعيشون في مجتمعات يغلب عليها التدين والمحافظة، ويحاولون مسايرة هذه المجتمعات في تدينها دون تكلفة، من خلال تأييد الرئيس السابق مرسى والدفاع عنه. تداعيات مختلفة تحولت الكتلة الإسلامية السائلة في الوقت الحالي إلي رقم صعب في معادلة الأزمة الحالية، حيث أن قطاعا كبيرا من عناصرها يتبني المطالب التي كانت ترفع في اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة"، ويري أنه يجب تحقيقها، باعتبارها "الطريق إلي إقامة الدولة الإسلامية"، ومن هنا فإن وجود هذه الكتلة على الساحة بهذا الشكل ربما يفرض تداعيات عديدة، تتمثل في: 1- صعوبة السيطرة عليها أو التعامل معها عند محاولة الوصول إلى حل ما، ليس فقط لعدم وجود قيادة موحدة أو تنظيم محدد يجمع بينهم، بل لأن سقف مطالبهم المرتفع سيفرض عقبات أمام تحقيق ذلك، لا سيما في ظل اعتقادهم بأن مطالبهم ستؤدى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وبالتالي لا يمكن التفريط فيها. 2- استقطاب عناصر الكتلة نحو خطابات أكثر تشددا، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى انخراط بعضهم في جماعات العنف المسلح حاليا أو مستقبلا، لا سيما أن العديد منهم يتبني تفسيرا تآمريا للأحدث، بشكل يمكن أن يدفعه إلي انتهاج مواقف متشددة تجاه الأقباط، والمشاركة في أعمال عنف ضدهم. 3- تزايد احتمالات ممارسة هذه الكتلة دورا مؤثرا في الاستحقاقات السياسية القادمة، سواء فيما يتعلق بالتصويت علي التعديلات الدستورية، أو دعم المرشحين الإسلاميين أصحاب الخطاب المتشدد في حالة ترشح بعضهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة إذا كانوا يرفعون شعار الشريعة الإسلامية. وفي النهاية يمكن القول إن الكتلة الإسلامية السائلة، التي تؤيد جماعة الإخوان المسلمين، أصبحت اليوم تؤثر في الأحداث بصورة واضحة من خلال مشاركتها القوية في التظاهرات المناصرة للإخوان، حيث يعتبرون الداعم الأكبر للجماعة في هذا التوقيت الحرج الذي بدأت فيه قدرة الجماعة على الحشد والتأييد تتراجع بقوة، وهو ما يجعل هذه الكتلة من الأوراق الهامة التي تراهن عليها جماعة الإخوان في التعامل مع المشهد السياسي الراهن. عن/ المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية