في الحقيقة لم التقي بنفسي بهذا الطفل صاحب البشرة السوداء كما يبدوا وصاحب القلب الطيب والبريء حسب ما فهمت من صديقي هشام اليوسفي الذي التقط له هذه الصورة المؤلمة في احد محلات بيع شاشات العرض التلفزيونية بشارع حدة بالعاصمة اليمنية ثم أطلعني على الصورة ووجدت شغفا كبيراً للتعبير عنها .
أحيانا أجد نفسي اقرب إلى الآلاف من مثل هؤلاء الأطفال اليمنيين الذين يقضون طفولتهم كلها على أرصفة الشوارع وعلى أبواب المحلات وفي الجولات بعيداً عن بيوتهم إن كانت لهم بيوت وبعيدا عن أبناء جاراتهم إن كانت لهم حارات أو ضاقت بهم الحياة منها ذرعاً .
هذا الطفل المنتمي إلى فئة المهمشين – الأخدام - لكم إن تتأملوا في الصورة جيداً .. بدون أحذية .. يجلس على الرصيف قد يبدوا رصيفاً من الرخام .. ألقى بجسده على باب المحل .. يبدوا عليه الإرهاق الشديد .. حالته الرثة أيضا .. يسترق بعض الوقت ليشاهد التلفاز من خارج الباب الزجاجي .. هو الآن يشعر بأنه أمام عالم أخر ..
ليس لديهم تلفاز في خيمتهم التي قد يسكنون فيها كما هو حال المهمشين في اليمن .. أبوه إن كان لا يزال على قيد الحياة فقد يكون يعمل حائك أحذية أو منظف سيارات وأمه كذلك تعمل بائعة ملوج أو الكراث .
تبدوا التفاصيل كثيرة ومؤلمة أتمنى لو إني أخذت هذا الطفل إلى البوفيه لانشرب معه شيئاً ويحدثني بعدها عن بعض تفاصيل حياته وأسرته .. مع إني أدرك تماماً إني لست مستعدا لان اشتري له شاشة العرض وقد يكون زوج الأحذية هو كلما اقدر عليه مساعدته إضافة إلى رواية هذه القصة عن تفاصيل حياته .
هكذا يقتلون الطفولة في بلادنا .. أطفال تبيع قوارير المياه في الجولات وآخرون يبتكرون طريقة للتسول وطلب التصدق وآخرون تستخدم أعضائهم في سوق النخاسة السوداء ومن ينجوا من هذا كله فالحروب النفسية واثأر معارك الاقتتال مصيرهم وإذا نجو وتجاوزوا كل هذه المشاكل فتكاليف الدراسة والجامعة والزواج وربما الاغتراب هي عناوين مستقبلهم المجهول مع الأسف .
متى سيستخدم هذا الطفل جهاز الايباد - المس – ويكون لديه أحذية وبدله نضيفه وحقيبة وقلماً وكتاب وساعة يد وتلفون محمول عادي ولعبة صغيرة ..
فوق هذا كله متى سيكون له أبا وإما يشبعوه حناناً وعاطفةً ودفئاً كما يفعل المسئولون مع عيالهم الصغار الذين ينادونهم في كل وقت بابا وماما .
اشعر باختناق كلما شاهدت صور هؤلاء الأطفال الذين قدرت لهم هذه الحياة القاسية في بلدي ويتكاثرون كل يوم مع الأسف ويزداد اختناقي عندما أتابع جلسات مؤتمر الحوار الوطني ولا أجد من يفكر بحياة مثل هؤلاء الأطفال الذين يمثلونهم كما تتحدث التسريبات .