خلصنا في المقال السابق إلى أنَّ الثورة تضحية من أجل حياة كريمة ، وإذا توفَّرت متطلبات الحياة الكريمة فلاتقوم الثورة .. والثورة هي عملية انتقال من سيء إلى حسن .. وإذا وضعنا الثورة الجنوبية في هذا الميزان سنجد أنَّها كانت حتمية الوقوع ، فالحد الأدنى من متطلبات البقاء والحفاظ على السلالة الجنوبية من الانقراض معدومة في ظل دولة الوحدة , فلم لايوجد أمام الجنوبيين إلَّا أحد خيارين إمَّا الموت أو الهجرة .. إذاً فالثورة الجنوبية -الحراك- انطلقت من أجل منع انقراض الشعب الجنوبي أولاً , ومن أجل حياة كريمة ثانياً , بغض النظر عن الشعارات المرفوعة .. ولكن هل أظهرت خلال مسيرة الحراك حتى اليوم ملامح عملية انتقال من سيء إلى حسن؟؟ من وجهة نظري الجواب "لا".. فمظاهر الانتقال السلبي تكاد تفوق مظاهر الانتقال الايجابي .. فتدمير البنية التحتية -المتهالكة أصلاً- عمل سلبي !! وتدمير الأمن عمل سلبي !! وتدمير التعليم الأساسي والتعليم العالي كان الفاجعة الاعظم ، ولايستطيع أحد إعفاء قيادة ونشطاء الحراك من المشاركة في ذلك .. فكيف سنحقق الاستقلال بجيل تم تجهيله؟؟ ألا تعلم قيادة الحراك أن انتحاريي الجيش الياباني "الكميكازي" كان أغلبهم من طلاب الجامعات وكان شعارهم حينها (رغبة في الموت ذوداً عن الشرف)
لقد كُنَّا نفكر ونخطط للخلاص من نظام صنعاء بمايحمل من قيم وأخلاق ليست مناسبة لشعبنا ، وكُنَّا نحلم بإحياء كل القيم الإنسانية العالية التي كان عليها شعبنا في عهد السلطنات والقيم الحسنة التي جاءت في عهد جمهورية الاستبداد بين 1967-1990 ثم نضيفها إلى مايمكن استخلاصه من قيم عالية خلال فترة الوحدة حتى اليوم .. لكنَّ المؤسف أن ماحدث العكس . فقد اندفع الحراك نحو استعادة بعض القيم السيئة التي كانت سائدة في عهد دولة الاستبداد الفاشلة , وبنفس الوقت حافظ على عدد من القيم السيئة التي نتجت عن الوحدة "الدحبشة" وأضافوا إليها ممارسات قبلية سيئة منقولة من اليمن الشمالي ونسبوها –زوراً وبهتاناً- إلى موروثنا القبلي الجنوبي قبل الاستقلال .. بل كان الخطأ أعظم من ذلك عندما اندفعنا إلى استعادة الفاشلين الذين فرضوا على شعبنا القيم السيئة بين 1967-1990 !!! وأحضرنا أولاد من مات منهم ونصَّبناهم مكان آبائهم ، ليس لأنَّهم ذوي كفاءة بل لأنّٓهم أبناء أولئك ، ولذلك اعتقد الأبناء أن ممارسات آبائهم كانت حسنة فتقمَّصوها .. ولهذا السبب أصبح من السهل وسم الحراك بأنَّه ثورة فاقدي سلطة ، تقوم به مناطق فقدت السلطة بسبب الوحدة ..
لقد أساء القائمون على الثورة الجنوبية لثورتهم ولشعبهم ، وبدلاً من نقل المجتمع الجنوبي من سيء إلى حسن حدث العكس ،، بل مارسوا عملية اقصاء واضحة لكثير من شرائح المجتمع وعلى رأسها رجال المال كما ذكرت في مقال سابق ،، وأخافوا جميع شرائح المجتمع من عودة النظام الشمولي السابق بتسلُّط رموزه على قيادة الحراك ، ثمَّ أصبحت شعارات الحراك ونهجه تحمل نفس روح ذلك النظام الاستبدادي .. وأصبح تغيير الذهنية السلبية التي سكنت الكثير بحاجة إلى ثورة أخلاقية داخل الحراك .. يتم فيها إزاحة أشخاص فاشلين من القيادة ، وهذا ماتحدث عنه جمال بن عمر في أكثر من مناسبة وعنوانه [لاتوجد قيادة للحراك الجنوبي] ،، وقالها الخصوم استهزاءً بالقيادة الحالية , و أُذكِّركم برد الدكتور فارس السقاف على المحامي يحي الشعيبي في مقابلة تلفزيونية عندما قال [أنتم عاجزون عن شرح قضيتكم وعاجزون عن فرض انفسكم] .. وإذا نجحنا في تغيير الأشخاص بالتراضي , يتم تغيير المفاهيم السلبية ومعها تغيير النهج العاجز عن الحسم .. وبغير ذلك تظل الوحدة اليمنية محميَّة بغباء القيادات الجنوبية ..
وبرغم ذلك لاخوف على الثورة الجنوبية ولا وجل ، فالمؤسس الحقيقي والبطل الحقيقي لها -نظام صنعاء- مازال كما هو .. وقد ذكرت في أكثر من مقال أنَّه أكثر من خدم الحراك وهو من صنعه بعنجهيته الاستعمارية .. وكل يوم تتوثق هذه الحقيقة .. فلو أنَّه كان نظاماً وطنياً وليس استعمارياً كان استطاع اسقاط الحراك من أول شهر ، لكنَّه لم يكن كذلك ، ولم ينفك عن دعم الحراك بممارساته الاستعمارية ..
وقد ذكرت في مقال سابق أنَّ لينين قال أن الثورة الاشتراكية تنجح في بريطانيا وامريكا أكثر من روسيا ، وعلَّل قوله بأنَّها دول متقدمة والتفاوت الطبقي واضح في المجتمع ، فأين أخطأ لينين بعد أن ثبت فشل نظريته؟؟ في رأيي كما اسلفت أن الثورة هي انتقال المجتمع من السيء إلى الحسن ، أو لنقل من الحسن إلى الأحسن في كل الجوانب ،، وقد كانت بريطانيا والغرب بصفة عامة متقدمة ثقافياً بنفس تقدمها الصناعي والبنيوي ، وكانت السلطات الحاكمة في تلك الدول متقدمة على شعوبها في إدراك الواقع بخطوة .. وهذا هو الذي جعلها تدرك بحاجات شعوبها قبل أن تدركها ..
وهذا الوضع مختلف في اليمن ؛ فالسلطة الحاكمة كانت ومازالت متأخرة عن الشعب -جنوباً وشمالاً- في إدراك الواقع بخطوات .. ولذلك ستظل تدعم الحراك بعنجهية مستعر .. وسيظل تأثيرها الإيجابي لصالح الحراك أكثر من التأثير السلبي لقيادة الحراك .. ولذلك نقول بكل ثقة : ستعود دولة الجنوب إذا أدرك الجنوبيون واقع قيادتهم الفاشلة كما أدركه الآخرون ..