ليس غريباً في التحالفات الدولية ولا محرماً بناء تحالفات بين أكثر من دولة ، ويأتي ذالك نتاج حاجة ماسة وملحة لمصلحة الأنظمة وشعوبها ، في سبيل نمائها ، والتعاون المشترك الذي لا ضير فيه البتة طالما يستهدف ما سبق من نماء وتطور ، الحج السياسي إلى إيران مفهوم جديد ومتداول ، خصوصاً بعد الاتفاق الأخير بين إيرانوأمريكا ، بشرط أن تقوم إيران بترشيد برنامجها النووي ، بما يستهدف التنمية والتطوير ، ذالك الاتفاق شكل علامة فارقة وبداية جديدة لإيران كدولة نووية ، بعد اعتراف المجتمع الدولي وأسياد العالم ، أللاعبين الكبار أمريكا وحلفائها ، ذالك الاتفاق شكل لنا عامة المتابعين بتفكيرنا ومشاهدتنا وسماعنا للإعلام الموجة نوع من الدهشة ، التي قد تكون مستغربة . لكن لا يوجد استغراب في عالم السياسة لأنها مبنية على قاعدة المصالح المشتركة مقدماً على العواطف المشتركة ، كنا كمتابعين نسمع أن ثمة حرب على وشك الاندلاع بين أمريكاوإيران ، وكنا نشاهد تحالفات ضد ومع ، وكانت أغلب الدول العربية متقوقعة في زاوية الضد ، ضد توجهات إيران الدولة الإسلامية ، كنا نشاهد أن ثمة توتر بين الإماراتوإيران على بعض الجزر الإماراتيةالمحتلة في وقت سابق من قبل إيران ، كنا نسمع عن أن ثمة مناورات عسكرية تقوم بها الإمارات لاستعراض قوتها العسكرية وإيصال بعض الرسائل أننا مستعدون بخيار البارود ، كنا نشاهد الحملات الإعلامية الموجهة ضد إيران من قبل الإعلام الموجة الذي يخدم سياسات بعض الدول المناوئة لسياسة إيران في المنطقة واتهامها صريحة بأن إيران تدعم المد الشيعي في المنطقة ، حتى تخندقت إيران في الزاوية وحيدة ، .
كنا نشاهد سحب الدبلوماسيين من إيران ، والذي لا شك ينذر بأن ثمة علاقات متوترة ، واليوم نحن نعيش ونشاهد فصل جديد من خبايا السياسة الدولية معنون بمفهوم ( الحج السياسي إلى إيران ) ، ها نحن اليوم نشاهد أفواج الدبلوماسيين الممثلة لدولها تطأ أقدامها العاصمة الإيرانيةطهران ليقوموا بمراسيم الطاعة وتطبيع العلاقات الدبلوماسية ، وبحث سبل التعاون المشترك مع عدو الأمس حليف اليوم ، لا غرابة إنها السياسة ومفهومها القائم على قاعدة (السياسة الدولية تقدم المصلحة كحق وترفض الإنسانية كواجب )، لأن العامل المشترك بين الجميع هو المصالح مقدماً على ما سواه ؛ استغرابنا ليس من الاتفاق ، ولكن لما الاتفاق جاء في هذه اللحظات الفارقة من عمر الشرق الأوسط ؟،.
لماذا جاء الاتفاق في ظل مآسي تمر بها بعض الدول العربية الذي عانت من خيبات موجة الربيع الذي سيطرت علية القوى التقليدية في تلك الدول وأصابت الثورات الربيعية بمقتل ، وتحولت أهداف العامة من الشعوب ، إلى أهداف كيانات ومكونات من القوى التقليدية ، وكل ماسبق من سيناريو الربيع ، أضعف دول كثيرة ومزقها إلى طوائف تارة بثوب الدين ، وتارة أخرى علاقتها بالكيانات السياسة المعارضة ، وبين هذا وذاك تلاشت موجة الربيع ، واليوم نحن على أعتاب مرحلة جديدة على المستوى الدولي ، عنوانها إعادة تقاسم الكعكة بين الأقطاب الدولية ، التي تنظر للدول والكيانات الضعيفة، بأنها عبارة عن ثروات ناضبة ومتجددة من باب حفظ المصالح ، وليس تحقيق نماء وتطور شعوب لتلك الكيانات الضعيفة ، التي عصفت بها موجة الربيع ، وكانت نتاجها قتلاً وتهجيراً حينها لم تكن السياسة الدولية قاطبة منحازة لتلبية والوقوف مع تلك الشعوب المضطهدة ، بل كانت في الجانب الأخر مع مصالحها وكانت قراراتها وتأييدها أولا وأخيرا بما يحفظ لها مصالحها .
ومن ما سبق لا نستغرب قولنا أن الساحة العربية والإقليمية الشرق أوسطية قادمة على فصل جديد من العلاقات والتحالفات ، قد يعيد إلى أذهاننا اتفاقيات سايكس بيكو ، ولكن بشكل جديد بين الأقطاب الدولية (المحترفون ) وبين ألاعبين الجدد (الأوصياء ) من يملكوا الثروات الناضبة والمتجددة من العرب والمسلمين ، فجنوب شبه جزيرة العرب ستعود هويتة من جديد ، وتبنى دولتة الجنوبية الفدرالية ، وستكون صمام امان لطريق الملاحة الدولية من البحر الأحمر غرباً الى البحر العربي شرقاً ، لماذا سيحصل ذالك ؟، فقط المنطقة بحاجة الى استقرار لماذا ؟، لأن مصالح العالم كله تمر بهذه المنطقة الحساسة من العالم ، ومهما كانت اليوم رؤية العالم ثابتة مع وحدة اليمن، لأن النظام القديم كان وكيل مصالح الأقطاب السياسية العالمية ، واليوم تلك الأقطاب تنظر الى تهالك ذالك النظام ، وهي تتوجس حرب قادمة طاحنة ، وهي بلا شك غير مستعدة للتفريط بمصالحها ، والقادم لها ستدعم وجود نظام جديد يحفظ لها مصالحها ، ولن يكون الا بمساعدة ابناء الجنوب ببناء دولتهم الجنوبية ، لتكون مفتاح الأمان لمصالح العالم قاطبة في الجنوب الإستراتيجي الواقع على مصافي الثرورات الناضبة والمتجددة ، ولن يكون الحل الا بوجود دولة جنوبية مستقلة على كامل ترابها الوطني ، وتلك حقيقة لن يغفلها الا متخاذل ضد مصالحة ، ولا شك أن العالم قاطبة يقوم على قانون حفظ المصالح واجب ، وشعارها دوماً السياسة الدولية تقدم المصلحة كحق ويرفض الإنسانية كواجب .