نصرة المظلوم من قيم الإسلام الحنيف غرسها القرآن الكريم وكذلك السنة المطهرة الصحيحة في المؤمنين ، وربى عليها النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ، وحافظت الأجيال المسلمة على هذه القيمة جيلاً بعد جيل وكانت قبائل الإسلام بعد أن دخلت في دين الله أفواجاً ، تتخلق به وتعيش عليه فما بالنا نرى أقوام من القبائل ينتسبون إلى الإسلام قولا ، فيسعون في الأرض الظلم والفساد ، ويمنعون الحقوق أن تصل لأصحابها ، ويسلبون حقوق إخوانهم بغير حق أما آن لهم أن تخشع قلوبهم لله فيكفون عن الظلم ويردون الحقوق لأهلها ؟. ما بالنا نرى أناس نسمعهم يتحدثون كثيراً عن الإسلام وعدالته بوسائل الإعلام وهم عوناً لأقوام يظلمون الناس بغير الحق ، ويعذبون العباد ، ويظنون أن السلطة التي في أيديهم ، والمال الذي في خزائنهم ، والقوة التي في أجسادهم ، هي حصون تمنعهم من الله تعالى . ألا فليعلموا أن الله الجبار المنتقم ذو بطش شديد ، ولا يُرد عذابه فلا يغترّ بقوته أو سلطانه ، أو ماله كائناً من كان .
يا من تدّعون القبيلة زوراً وبهتاناً !! أليست نصرة المظلوم من شيم القبيلة ، وأن من نخوة القبيلي ألا يظلم المسكين ، وأن نصرة المظلوم من شيم الفطرة السوية للقبيلي الذي يرق للمظلوم ، ويخف لنجدته ، ويمقت الظلم ، وينهض لدفعه ، وهي كذلك من القيم العربية الأصيلة يا من تدّعون العروبة والإيمان التي تجلت بوضوح في (حلف الفضول) الذي تعاهدت فيه قريش ألا يتركوا مظلومًا في مكة ، أو فيما يفد إليها من سائر الناس إلا قاموا معه حتى يدفعوا عنه مظلمته ، ويردوا إليه حقه ، وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحلف ، وظل يذكره معتزًا به لإقراره هذا المعنى الإنساني الفاضل ، فيقول عنه : ( لقد شهدت حلفًا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ) . وقد جاء في هذا الحلف ( قانون الإجارة ) وفيه يبسط المجير حمايته على المستجير ، ويبذل له نصرته ويذود عن ماله ، وعرضه ، وحياته ما بقي في جواره .
وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من هذا القانون في أوقات الكرب والشدة ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي بعدما رجع من الطائف ، وقد ناله من سفهائهم وصبيانهم أذى كثير، فإذا بالمطعم يحيطه بصفين من أبنائه المدججين بالسلاح ، وهم على شركهم ، ويتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شاء في حراستهم فلا يجرؤ أحد أن يقصده بأذى . ودخل عثمان بن مظعون كذلك في جوار المشرك الوليد بن المغيرة ، فظل في عافية وسلامة حينًا ، ثم أبت عليه شهامته الاستمرار على هذا الحال مع ما يلاقيه سائر المسلمين من صنوف الإيذاء والبلاء ؛ فرد على الوليد جواره علانية في المسجد ، ثم وقف على أحد الشعراء ، فلما سمعه يقول : وكل نعيم لا محالة زائل فقال له : كذبت نعيم الجنة لا يزول . وعندها هجم عليه أحد الحمقى وضربه على عينه فخضرها ولما رأى الوليد ما أصابه قال : إن كانت عينك لغنية عما أصابها ، فيرد عثمان رضي الله عنه في جلد وشموخ : بل إن عيني الصحيحة لفقيرة لما أصاب أختها في سبيل الله .
وقد بدا هذا المبدأ ( نصرة المظلوم ) واضحًا في موقف هذا الرهط الشهم الذي سعى في نقض صحيفة المقاطعة الجائرة الظالمة التي علقوها في جوف الكعبة ، وأصاب المسلمون منها بلاء عظيم على مدى ثلاث سنوات ، وكان كل واحد من هذا الرهط ينادي في الناس مستثيرًا المشاعر الإنسانية فيهم بقوله : " أيهلك هذا الحي من قريش بين أظهرنا ، كيف يطيب لكم طعام أو شراب وهؤلاء يموتون جوعًا وعطشًا"؛ وبهذا المنطق المؤثر التف أصحاب المروءة حولهم حتى مزقوا الصحيفة وأطلقوا المسلمين من هذا الحصار الخانق .
وجاء الإسلام الذي يُروج له في زماننا بوسائل الإعلام قولا وليس فعلا : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) .
ألا فليعلم من يقفون متفرجين على المظلوم ، ثم يمصّون شفاههم ويلوون أعناقهم ، ثم ينسحبون غير مكترثين ، إنما يعرضون أنفسهم للمقت واللعن . فما هان المسلمون أفرادًا وجماعات وما تنفذ المتنفّذون فاستباحوا حرماتهم ونهبوا حقوقهم ودنسوا كرامتهم إلا حين سرت روح التخاذل بينهم ، وتنكر بعضهم لبعض ، أما إن كانوا صادقين قولا وفعلا كانوا ما إن تقع مظلمة على فرد منها حتى تفور دماء الشهامة والنخوة للدفع والنصرة ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخف لنصرة مخالفيه في العقيدة ؛ التزامًا بميثاق المناصرة المعقودة بينه وبينهم ، وهذا ما حدث مع خزاعة حين قدم عليه صلى الله عليه وسلم عمرو بن سالم يشكو اعتداء بني بكر عليهم ومظاهرة قريش لهم ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحال : ( نصرت يا عمرو بن سالم ) فانطلقت على إثرها كتائب الفتح الأعظم ، فدانت لها مكة بما فيها ، فإذا حدث هذا وفاءً بكلمة أعطيت لفصيل من المشركين ، فماذا يوفي بحق عقد الإيمان وآصرة العقيدة .
إن النصرة الواجبة للمظلومين أن نشاركهم بمشاعرنا ، وأن نعيش معهم بوجداننا مسار التظالم والظلمات الذي يخوضونه موقفًا بموقف . ومن النصرة سلوك كل سبيل وطرق كل باب ، واتخاذ كل وسيلة - في الإطار الحكيم الرشيد - لتظل قضيتنا حاضرة .
وختامًا.. نسأل الله تعالى أن ينصرنا ويفرج عنا ونسأله تعالى دعاء المضطرين أن يعجل بذل الظالمين وينتقم منهم ، وأن يأتي اليوم الذي نعيش فيه في أرضنا أحراراً ، كراماً ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .