الى ماقبل حرب صيف 1994 كنت تذهب الى عدن وتجد الجدران مكتوب عليها " لاصوت يعلو فوق صوت الحزب".. الان تقرأ عرض الجدران"اذكر الله ياغافل". لم تدخل عدن الى الإسلام طبعا ؛ بل دخلت جيوب حمران العيون ، وخرج اهلها الطيبين من متعة الإحساس ببساطة وأمان وهدوء الحياة . كانت عدن بحر وحب وسينما وأغان وفل وظفائر متروكة للريح وكان للقانون مهابة "تناصل الركب". كانت ظروف الناس متواضعة – على اعتبار اننا في الشمال كنا هونج كونج- لكنك لم تكن تجد احدا هناك مشغولا بكيف " ينتع" فلان او كيف ينهب مؤسسة علان عشان يكمل بناء الدور الثالث من بيته.
البيوت في عدن كانت مشاريع دولة ؛ والتعليم كان مشروع دولة ؛ والوظائف للناس مشروع دولة ؛ وكان للدينار نفوذ وقلما كنت تلمح عرض جدران المحلات والدكاكين عبارة " ممنوع الدين".
كان الجنوب من وجهة نظر إسلام صنعاء نظاما " ملحدا" رغم أن المساجد هناك كانت مفتوحة للعبادة فقط ؛ ولاتسمع عبر ميكرفوناته اي صوتا يؤجج الأحقاد بين الناس او يتواطأ مع اللصوص او يبتهل تزلفا للنجمة الحمراء باعتبارها رمزا لدولة الحزب الفقير. اليوم اصبحت عدن غير .. توسعت الشوارع ، وضاقت قلوب الناس. كثرت المساجد ؛ وانحسرت طقوس العبادات الخالصة لوجه الله ، وستشعر بالأسف الشديد حينما تكون في واحد من ارقى احياء عدن وتسمع صوت ميكرفون الصلاة يخرج الى الشارع وهو يصرخ: اللهم اهلك الحوثة وارنا فيهم عجائب قدرتك !؟ ولابد أن للحوثي مسجدا في حي اخر يكرر بعد - بعد كل صلاة- نفس الصراخ !
يكفي الواحد منا ألماً وحسرة ان يعرف بأن هذا التناطح " الديني" البغيض يحدث الان في "عدن"! ... عدن التي تعايشت مع كل الجنسيات وكل الديانات وكل الايدلوجيات ؟!
الإسلام دين محبة وعطف وتسامح وعمل ، واستغرب الان لماذا لانسمع ميكرفونات المساجد تصرخ الان ضد تقتيل الناس في الضالع وغيرها . وقلك ليش الناس ضايقين ويشتوا يهجوا - ليس من الوحدة فحسب - بل ومن هذا الإسلام اللي بات يسوق نفسه عبر فياه لها روائح طائفية نتنة .