لم تكن فاقة و لا عوزاً , و لكنا استلذينا بصناعة العابنا المكونة من اغطية قوارير الكندا " سيبي " ندقها بالحجر لتلتف على حرف " العودي" الخشبي فنصنع الحربة للبدء بمعركة المسلمين و الكفار في ليالي رمضان الهادئة , نجمع قراطيس سجائر البالمان المتوهجة لصنع عملة نقدية عالمية لم تعرفها اي من الدول العظمى سوى دولتنا الخضراء فنبتاع و نشتري الخير عبر مخيلاتنا البريئة . و عندما تشتد المعارك بين ابناء الحوافي نستخدم الالعاب المحرمة كقنابل الماء التي نملئ بها اكياس البلاستيك الصغيرة و نقذف بها بعضنا البعض مقهقهين و ساخرين من نتائجها الوخيمة على ملابسنا . و في ليلة العيد كان لزاماً علينا رسم سماءنا بالنجوم التي تخرج من لفافات " الليف" المبلل بالجاز عند تلويحنا بها .
كنا اطفالاً بحق , لا قيد يطوق اجنحتنا الخضراء , لا سياج تلتف حول احلامنا المفعمة , لم نعرف كيف يبدو وجه الشر , هكذا كنا و لم نقبل بأن تسرق الحياة و تقلبها ذلك العمر فأخفينا طفولتنا سراً عنها في رف الذكريات الجميلة كلما جار علينا الزمن استسقينا منها البرائة و الحرية ..
ارثي على حال اطفالنا اللذين حُرموا اللعبة عوزاً , و ما ان يحاولوا البحث عن لعبتهم الا و تقابلهم رصاصات ذهبية براقة مرمية على الشارع , او قنبلة مزروعة تحصد فرحهم و احلامهم الصغيرة لا يجدون من ينتصر لطفولتهم المضاعة , و لا من يرجع حقهم ممن استباح دماهم . ارثي على عبد الرحمن الاودع , الشقري, و اسامة و قبلهم كثر ممن ارتهم هذه الحياة وجهها المشؤوم قبل المبتسم لتجثت حلم الطفولة و تسدل الستار عن قصة جميلة ما لبثت ان انتهت ..