هاهي ذي الذكرى الخامسة لرحيل شاعر اليمن الكبير الأخ والصديق محمد حسين هيثم قد أطلت ، هاهي ذي شموس خمسة قد جددت ذكراه في دورانها ، ففي الثاني من مارس عام 2007م رحل عن دنيانا محمد الشاعر البهي الذي ظهر شاعرا مكتملا كما وجاء في وصف الأستاذ د. عبدالعزيز المقالح له .وكان مما جاء وصفه له أيضا (( لقد عرفت السبعينيات في القرن القريب الماضي كوكبة من المبدعين الذين تعتز اليمن بحضورهم فيها ويعتزون بحضورها فيهم ، وكان هيثم – دون انتقاص من الآخرين – واسطة العقد وأول السابحين في بحار اللغة)) .ولست في معرض الحديث عن موهبة هيثم الشعرية ، فقد سبقني إلى ذلك الأفذاذ من أهل الشعر ، ألا يكفي لإظهار موهبته تلك أن يصف الشاعر العراقي العربي الكبير سعدي يوسف رحيل هيثم بقوله (( نبا رحيله داهمني كطعنة في الخاصرة )) وقد أورد قبل تلكم الجملة ، رأيه في هيثم الشاعر فقال (( والحق أنه كان يتقدم في الطريق بخطوات متسارعة مذهلة ، ولربما كان الأبرز بين رفقته من الشعراء الشباب في عدن : مقبل ،وعبدالرحمن ، وسالمين ، والحنكي وحتى شوقي شفيق الأقدم تجربه )) ثم يقول (وتمضي الأيام والقصائد بمحمد حسين هيثم ليغدو شاعر اليمن). محمد الشاعر يعرفه كثيرون هنا في اليمن لاسيما الشعراء والمثقفون ويجدون في دواوينه السبعة التي أظهرت جماليات موهبته الشعرية ، يجدون فيها موردا عذبا ينهلون منه كلما عنّ لهم أن يحيوا مع شعر الجمال وجمال الشعر . غير أني وجدت أن الشبكة العنكبوتية تكاد تخلو من أشعاره إلا ما ندر مما نشر في ذكرى وفاته ، أو ما نشره بعض محبيه في الفيس بوك ، حتى أن شاعرا جميلا هو الشاعر المهجري- إن صح التعبير- اليمني الإماراتي د.شهاب غانم قد ذكر في رثائه بعيد وفاته بأيام ، أنه لم يسمع من شعر هيثم أو يقرأ إلا القليل ، ولكم أن تتخيلوا حال شعر هيثم مع الأدباء والشعراء الآخرين في عموم الجزيرة والخليج وفي عالمنا العربي المترامي الأطراف ، ثم مع العرب المتناثرين في أرجاء المعمورة ، ومع الأجانب الناطقين بلغة الضاد ...
ألا ترون معي أننا ظلمنا محمداً حين احتفظنا بموهبته في بوتقة ضيقة لا تتجاوز حدودها موقعنا الجغرافي في الركن الجنوب غربي من الجزيرة العربية ، أما آن لنا أن نخرج ملاك الشعر من قمقمه الذي حبسناه فيه كل هذه السنوات ، أليس حرياً بنا أن نجعل له ركناً على الشبكة ضمن موقع وزارة الثقافة ، إن كان إنشاء موقع خاص به متعذرا لظروف تمر بها الوزارة ؟؟ إنها دعوة أوجهها صادقاً ، وأحسب أن قلوبا كثرا تشاركني الرأي ، وتتمنى على الوزارة تحقيق ذلك ، فعساها أن لا تكون صرخة في واد ، وأن تجد الصرخة لها صدى في مقبل الأيام .
كان هذا محمد حسين هيثم الشاعر ،لكن لمحمد وجها ً آخر، تناساه إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، وكذا وزارة الثقافة أو نسياه ، فكما جاء في بيان نعي الإتحاد له (( إن إتحاد الأدباء والكتاب شهد في عهد أمانته العامة طباعة أكثر عدد من الأعمال الأدبية ، وأوسع عملية نشر للكتاب((محمد هذا الذي حرص على أن تصل أعمال الأدباء الشعرية والنثرية بأنواعها إلى القراء هنا وهناك ، لم يتنبه الإتحاد ولا الوزارة لطباعة كتاباته وأبحاثه النثرية ، وجراء ذلك غاب في الأدراج ، أدراج الجهات الرسمية أو أدراج منزله ، كثير من الأعمال التي بذل فيها الراحل جهدا كبيرا ، وأرانا من خلالها نشاطا غير نشاطه الشعري ، وأذكر أنني في آخر لقاء جمعني به في صنعاء ، وكان ذلك في منزله ، أذكر أنه حدثني عن نيته جمع دراساته وأبحاثه التي كتبها ، بل والتي كتبها الآخرون عنه وعن تجربته .إذن فقد كان في نيته فعل ذلك ، ولربما كان قد أعد ملفات بذلك الأمر ، سلمها لجهة ما أو أنها مازالت عند أهل بيته .
وبالعودة إلى صحيفة الثقافية العدد 377 الصادر في يوم الخميس الثامن مارس 2007م ، تطالعنا الصحيفة بمقال للأستاذ د. عبد العزيز المقالح ، أورد فيه مايليء (( لم يكن الشاعر الكبير محمد حسين هيثم شاعراً مبدعاً ومجدداً فحسب وإنما كان بالإضافة إلى ذلك كاتبا متميزا وباحثا عميق الرؤيا)) ثم أردف قائلا : (( وهنا يطيب لي أن أشير إلى أن محمد حسين هيثم لم يكن شاعرا وباحثا وناقدا يطوف بهذه المعالم النظرية فقد ، بل كان كاتب قصة)). إنها دعوة تقف إلى جوار أختها السالفة ، أوجهها لذوي الشأن في الإتحاد والوزارة ، ولكل محبيه وأصدقائه ممن في أيديهم إمكانية إخراج تلكم الدراسات والأبحاث ، وربما القصص أيضا ، لترى النور كما رأت أشعاره النور من قبل ، فرجل بحجم محمد وفي ثقافته وسعة إطلاعه، لابد وأنه قد ترك لنا الكثير من نثره الذي يستحق أن يجد لها مكانا في عقولنا كما وجدت أشعاره لها مكانا في أرواحنا ، وكما وجدت روحه العذبة هي أيضا مكانا لها في أرواحنا . وأختتم بما أوردته القاصة البديعة هدى العطاس ... في عنوان رثائها الجميل (( العزيز محمد ستظل فينا حاضرا )) .. سلام لك حيث أنت .