الفساد آفة مقيتة ابتليت بها العديد من المجتمعات لا سيما النامية منها ما سبب تأخر نهوضها وتأخرها في اللحاق بركب الدول المتقدمة بالرغم من مضي عقود طويلة منذ تحقيق تلك الدول تحررها الوطني من نير الاستعمار الأجنبي الذي جثم على ثراها وسخّر كافة مقدراتها وثرواتها لمصالحة الخاصة. فقام أزلام هذه الرذيلة بنسف البنى والقيم التي قامت عليها تلك المجتمعات وأفرغت أهداف تلك الثورات من مضامينها السامية المتمثلة بالمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والحرية وتوزيع الثروات .. ولايقتصر خرابها على قطاع معين من القطاعات بل استشرى وسلك مختلف السبل ليصيب أركان المجتمع السياسية الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية منها في مقتل..وتعددت وتنوعت أشكال الفساد فهناك فساد مالي وإداري وأخلاقي وثقافي وو.. الخ.
وفي سعيها للقضاء على الفساد (المالي والإداري) قامت العديد من الدول ومنها بلادنا بإنشاء أجهزة وهيئات مختصة بمكافحته وسن القوانين الرادعة لمن تتطاول أيادهم على المال العام وتقديم المتورطين بها للمحاكمة .. ومنذ تأسيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد لم نسمع أن ثمة قضايا فساد ذات أهمية تم ضبطها أو أن مسئولين أحيلوا الى القضاء فيها مقارنة بحجم الفساد المستفحل الذي قدرته عدد من التقارير بأنه يلتهم نصف موارد الدولة.
وحتى إن حدثت إقالة أو عزل لمسئول ما من مهام منصبه بسبب فساده المالي والمحسوبية –وقليل ما تحدث- تصاب بالعجب من ردة فعل عامة الناس التي تتحدث بعاطفية عن الحادثة بالقول لماذا أقالوا هذا الشخص دون غيره؟ إنه أقل فسادا من نظرائه.. بل أنه أشرف من تولى مسئولية هذا المرفق.. ألم بروا ذلك المسئول في المرفق الفلاني وفساده ؟ أنه أشد فسادا من هذا, إذا كان هذا يسرق بالملايين فذاك ينهب بالمليارات ولم تطاله يد العزل والتغيير! – حد قولهم , في حين أن الجميع فاسدون وأن اختلفت درجة فساد كلا منهم , إننا إذا أردنا لهذه البلاد ان تنهض إلى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة يجب مكافحة الفساد بكافة أشكاله وصوره , مكافحة حقيقية لا ديكورية أو تجميلية للتباهي في المؤتمرات العالمية فقط , وأن تطال يد التغيير أشرف الفاسدين وأسوأهم لأنهم جميعا دون استثناء يعتبرون عامل معوق لدوران عجلة التنمية .. فالذي ينهب بالملايين اليوم إذا ترك ولم يحاسب أو يُساءل فسينهب غدا بالمليارات .